لماذا نجح مسلسل ذئاب الجبل وسقط نسل الأغراب؟

منذ قديم الأزل ومسلسلات الصعيد وأفلامه تلقى حفاوة واستجابة كبيرة، وينتظرها الجمهور ويتفاعل معها، وفي هذا العام أعلن المخرج محمد سامي عن مسلسله نسل الأغراب الذي يدور في منطقة الصعيد، وأعلن أن البطولة مناصفة بين نجمين كبيرين بحجم أحمد السقا وأمير كرارة، وأن المسلسل من تأليفه وإخراجه، وانتظر الجمهور عمل مختلف يحكي عن الصعيد وعاداته وتقاليده.

ولكن المسلسل خيب آمال الجمهور فلم يكن على المستوى المتوقع، والأحداث ليس فيها أي منطق، يدور المسلسل حول قصة عداء مفتعلة بين أولاد عم دون مبرر، وقتل وسلب ونهب، وصراع على أنثى تعيش مع رجل “أمير كرارة” مدة عشرون عاما وعندما يخرج الثاني “أحمد السقا” من السجن تطلب الطلاق لتعود إليه وبعد الطلاق تختار أن تعيش لأبنائها، وتترك الرجلين اللذين ينحصر الصراع بينهما على جليلة.

وبعد أن يربي غفران “أمير كرارة” ابن عساف من جليلة مع ابنه منها وكأنه صغيره، ينقلب الصغير على زوج والدته ويصبح عدوه وعدو أخوه الوحيد بسبب المنافسة على حب فتاة فقيرة تعيش وتخدم في بيت عساف.

منذ ثلاثون عامًا وتحديدًا عام 1992 عرض التليفزيون المصري مسلسل ذئاب الجبل، وقد أحدث هذا المسلسل ضجة ونجاح عظيم في وقت العصر الذهبي للدراما المصرية، حتى بلغ الأمر أنه أثناء عرض المسلسل وتحدث حالة وفاة كان العزاء يؤجل إلى ما بعد المسلسل نظرًا لأن الناس لن تحضر إلا بعد مشاهدة الحلقة.

اقرأ أيضًا 
هل حدثت “خناقة” بالفعل بين أمير كرارة ومحمد سامي في نسل الأغراب بسبب الدور؟

وبالتمعن في تفاصيل المسلسل التي اهتم بها وركز فيها مخرج بحجم “مجدي أبو عميرة” لم يشعر أحد بهنات أو سقطات وهذا الاهتمام بالتفاصيل لم يجعلك كمشاهد تتساءل عن منطقية حدث أو تقول جملة “معقول هذا”؟؟؟.

أخذ المخرج السيناريو وجدل جديلة محبوكة واستطاع من خلال التركيز والاعتناء بالتفاصيل، يربطك بالمسلسل ويصعد به إلى القمة.

فاللهجة مضبوطة وأهل القرية يختلفون في لهجتهم عن أهل المدينة، وشخصية البدري “الفنان أحمد عبد العزيز” عندما كان في قريته كانت له لهجة، اختلفت وتطورت عندما ذهب إلى الإسكندرية وعاش فيها واندمج في المجتمع السكندري، ولكن عندما يُستفز ويتعصب، فإن اللهجة الصعيدية القديمة تعود فورا ولا شعوريًا بشكل طبيعي ليس فيه أي افتعال.

وأخته وردة تلك الفتاة المتعلمة ابنة كبير قومها، نجدها ترتدي في البيت ملابس تختلف عن باقي نساء القرية فلا ترتدي الجلباب الأسود او الملس، بل ترتدي ملابس توضح اختلافها وأنها متعلمة، وعندما سافرت إلى أوروبا اختلفت اللهجة والملابس وطريقة تصفيف الشعر.

ونجح الفنان أحمد عبد العزيز رغم قسوة البدري الظاهرة إلا أنك لم تستطيع أن تكرهه نهائيًا فطوال الوقت أنت مقتنع أنه يبحث عن أخته حب وليس كره، ويتمنى مقابلتها ليعوضها لا ليقتلها، طوال الوقت أنت متعاطف معه وتتلهف مثله للقاء أخته لتفرح معه ببراءته من تهمة قتل شقيقته ويعود إلى بلده ويستعيد مكانته بعد أن سلبها منه علون أبو البكري “الفنان عبد غيث” الذي أفسد في البلد وعاث فيها فسادًا.

لقطة واحدة أخبرتك زمن المسلسل عندما وجدنا صورة الرئيس عبد الناصر في قسم الشرطة فعلمنا أن زمن المسلسل فترة الستينات، دون كلام أو تفاصيل كثيرة، مما جعلك تقتنع بكل ما يحدث، فكرة الثأر، وفكرة كره ونبذ تعليم البنات، حيث أنه لو كان المسلسل تغافل عن تلك النقطة ولم يهتم بالفترة الزمنية التي تناسب الأحداث وقُدم في فترة التسعينات، فإنك لن تقتنع حيث أن البنت في الصعيد تعلمت وأخذت المناصب وأصبحت طبيبة وأستاذة في الجامعة.

الملابس والديكورات والإكسسوارات في مسلسل ذئاب الجبل، مضبوطة، ومناسبة لكل شخصية والمكان الذي تعيش فيه.

إقرأ أيضا

مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير…هدية للجمهور السكندري

بينما مسلسل نسل الأغراب يقدم أحداث غريبة وغير منطقية وديكورات وإكسسوارات مبالغ فيها، ومنازل عبارة عن قصور، دون تحديد زمن الأحداث، فأحدث ربكة للمشاهد وعدم تصديق، وأحدث فجوة وجفاء بين المشاهد والمسلسل.

في مسلسل ذئاب الجبل كان هناك مصحح للغة وكان دوره واضح، فخرجت اللغة مضبوطة ولم يخرج ممثل بجملة مختلفة التناسب الشخصية أو لهجة مغايرة، وكان هناك اختلاف وفرق واضح بين أهل الريف والحضر وبين الشخصية في البداية وأثناء وجودها في القرية وبعد انتقالها إلى مكان آخر واندماجها في مجتمع مغاير.

بينما في نسل الأغراب كان هناك اسم مصحح للغة على التتر ولكن لم نجد له دور أو نشعر بوجوده فالممثلون كانوا يتحدثون بأي لهجة وأحيانا كانت الجملة نصفها باللهجة الصعيدية غير المتقنة والنصف الآخر بلهجتهم العادي، وكانت هناك جمل حوارية غير منطقية، ففي أحد المشاهد كانت غازية  الغجر “نجلاء بدر” تتحدث مع كبير الغجر وسيدهم وأراد أن يغيظها ويثير غيرتها فقال جملة ” أنت أي حاجة فيها تة مربوطة بتجننك” جملة ليس فيها أي منطق أن ينطقها شاب صعيدي غير متعلم من أصل الغجر ويعيش وسطهم وكل تعاملاته معهم، الجملة لا تناسب الشخصية ولا تتوافق مع طبيعتها نهائيًا.

في مسلسل ذئاب الجبل كان هناك مخرج واعي يقف على كل تفصيله ولا تغيب عنه شاردة أو واردة، ولم يترك الممثل لنفسه، كان يدير اللوكيشن والفنان لأنهما أدواته التي سيخرج بها الصورة الموجودة في ذهنه، فأخرج لوحة أصيلة عاشت وستعيش وعمل نعتبره مرجع نقيس عليه جودة هذه النوعية من المسلسلات ولهذا عاشت ذئاب الجبل وسقط نسل الأغراب.