حوار سعيد بن جبير مع الحجاج بن يوسف.. حين يكون للكذب وجهة نظر
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لم تُشْتَهر حياة التابعي سعيد بن جبير، مثل شهرة الحوار الأخير الذي جمعه مع الحجاج بن يوسف قبل مقتله مباشرةً سنة 94 هجرية، رغم أن الحوار لاقى شهرةً في كتب المطالعة والنصوص بكافة المراحل الدراسية، فضلاً عن اعتماد الأعمال الدرامية على هذا الحوار.
سعيد بن جبير، من مواليد عام 46 هجرياً في الكوفة، أقام في أصبهان في إيران، وبعدها توجه إلى العراق ثم إلى المدينة المنورة وتلقى علوماً كثيرة على يد عبدالله بن عباس وأبو موسى الأشعري، واتسعت شهرة سعيد بن جبير العلمية وكان بالتوازي معها بدأ نجم الحجاج بن يوسف يظهر في سماء السلطة، ووصل إلى أعلى قمة المجد بعد إخماده ثورة عبدالله بن الزبير والعراق.
بدأت جذور الصدام بين الحجاج بن يوسف وسعيد بن جبير وفق تاريخ الطبري، حين قرر الحجاج غزو رتبيل التركية بقيادة عبدالرحمن بن الأشعث، واتسعت نطاقات انتصاراته حتى فكر في الخروج على الحجاج بن يوسف نفسه.
نجح بن الأشعث في انتزاع الكوفة والبصرة من يد الحجاج، وبالتوازي مع ذلك قرر أهل الذمّة الدخول في الإسلام، ليتخلصوا من دفع الجزية، وتركوا القرى التي يعملون فيها، واستقروا في المدن، ما أدى إلى قلة الخراج وقرب افلاس الهيئات المالية.
قرر علماء البصرة تكوين حشد لنصرة ابن الأشعث، وكان على رأسهم سعيد بن جبير، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، والشعبي، ولاحت آفاق النصر لابن الأشعث على الحجاج بن يوسف، حتى بدأت المسائل تتغير وانتصر الحجاج وهرب ابن الأشعث، ثم ألقي القبض على سعيد بن جبير، ودارت بينهما سجالات أجملت في حوار تاريخي مشهور في كتب التاريخ.
كل علماء التاريخ نسفوا صحة هذه القصة، فشمس الدين الذهبي يقول بأنها غير صحيحة، لأنها مروية عن حفص بن سليم السمرقندي، وهو وفق علماء الرواية كان كاذباً، وهو الأمر نفسه الذي أكده الحافظ ابن حجر في كتابه الميزان، وأغلب الظن في اختلاق هذه الكذبة، هو الترويج لثورات أهل الكوفة ضد حكم بني أمية.
ونص الحوار المشهور :-
قال الحجاج لسعيد : ما اسمك؟
قال : سعيد بن جبير
الحجاج : أنت الشقي بن كسير؟
سعيد : أبي كان أعلم باسمي منك
الحجاج : شقيت وشقي أبوك
سعيد : الغيب يعلمه الله
الحجاج : لأبدلنك بالدنيا نارا تلظي
سعيد : لو علمت أنك كذلك لاتخذتك إلها
الحجاج : ما رأيك في علي بن أبي طالب أهو في الجنة أو في النار؟
سعيد : لو دخلتها وعلمت من فيها لعرفت أهلها ولكني مازلت في دار الفناء
الحجاج : ما رأيك في الخلفاء؟
سعيد : لست عليهم بوكيل
الحجاج : أيهما أحب إليك؟
سعيد : أرضاهم لخالقي
الحجاج : فأيهم أرضاهم لله؟
سعيد : علم ذلك عند من يعلم سرهم ونجواهم
الحجاج : لماذا لا تضحك كما نضحك؟
سعيد : وكيف يضحك مخلوق خلق من الطين ، والطين تأكله النار
الحجاج : ولكنا نحن نضحك
سعيد : لأن القلوب لم تستو
الحجاج : اختر لنفسك قتلة أقتلك بها؟
سعيد : أختر أنت يا حجاج .. فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها في الآخرة
الحجاج : أتحب أن أعفو عنك ؟
سعيد : ان كان العفو فمن الله
الحجاج لجنده : اذهبوا به فاقتلوه
فضحك سعيد وهو يتأهب للخروج مع جند الحجاج
فقال الحجاج : لماذا تضحك؟
سعيد : لأني عجبت من جرأتك علي الله ومن حلم الله عليك
الحجاج : اقتلوه
سعيد : إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين
الحجاج : وجهوا وجهه إلي غير القبلة
سعيد : فأينما تولوا فثم وجه الله
الحجاج : كبوه على وجهه
سعيد : منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخري
الحجاج : اذبحوه
سعيد : أما أني أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله ثم رفع رأسه إلي السماء وقال خذها مني يا عدو الله حتى نتلاقى يوم الحساب ‘اللهم اقصم أجله، ولا تسلطه علي أحد يقتله من بعدي.
قُتل سعيد بن جبير في 11 رمضان سنة 95 هـ الموافق 714م ، وله من العمر تسع وخمسون سنة، واستجاب الله لدعوته وأصيب الحجاج في آخر عمره بما يظهر أنه سرطان المعدة، وتوفي بمدينة واسط في العشر الأخير من رمضان في نفس العام.
الكاتب
-
وسيم عفيفي
باحث في التاريخ .. عمل كاتبًا للتقارير التاريخية النوعية في عددٍ من المواقع
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال