همتك نعدل الكفة
1٬571   مشاهدة  

يوميات طالب الكلية الحربية (٣) .. الزيارة

الزيارة
  • كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



انتهت الحلقة السابقة من يوميات طالب الكلية الحربية (٢) .. فترة المستجدين على صوت المطرب أمين سامي وهو يغني أغنيته الأشهر “دلوعة”، تجاوزت الأغنية الساخرة حين اجتزت البوابة الصغيرة لباركنج مسرح الكلية الحربية الذي اصطفت فيه المناضد وجلس الأهل من كل محافظات الجمهورية يستقبلون أبنائهم.

وقعت عيني على أصدقاء الطفولة الذين اصطحبهم والدي ووالدتي واخوتي البنات معهم لرؤيتي، ارتميت في كل حضن لمدة تزيد عن دقيقة، أودعت في كل حضن جزء من ألم الغياب عنهم طيلة الأيام السابقة، وجلست وسطهم أسمع فقط، تركتهم جميعا يتحدثون ويتحدثون ولم أتحدث كأنني نسيت الكلام، كنت راغبا في “تحويش” أكبر قدر منهم في صدري وعقلي أتحمل غيابهم مرة أخرى بعض بضعة ساعات.

أحيانا حين تغمرنا السعادة يمكننا رؤية أشياء مستحيلة .. مثلا كانت كلمات أمي تخرج على شكل طيورا من الحمام الأبيض بينما حروف أصدقائي نغمات موسيقية وكلمات أخوتي لها ألوان مبهجة وضحكات أولاد أخوتي حسين وأمينة ومريم الذين احتضنتهم كثيرا كانت اختصارا لرؤيتي للجنة

الضباط يطوفون ومعهم طلبة القسم النهائي حول كل المناضد يبتسمون في وجه الأهل و”يزغرون” في وجه الطالب إذا جلس بطريقة غير مناسبة أو ارتفعت ضحكته.

حاولت أمي أن تطعمني لكنني ابتلعت لقيمات قليلة رأفة بمعدة علمها الأكل الميري الأدب والالتزام، أخرج أحد أصدقائي شريطين كاسيت ودسهما في جيبي هامسا أنهما هدية صديقتي.

يشبه أكل البيت رقة أمي وحنانها كما يشبه أكل الكلية زغرة عين الصول سعيد عندما ينطق أحدهم بملحوظة عن طبقات الزيت عجيب الطعم في الطعام

ابتسمت لأنها تذكرتني لكن سؤالا غبيا عجز عقلي عن التعبير عنه اقتحمني “ودول حسمعهم فين، في مبولة حمام العنبر مثلا”.

انتهت الزيارة سريعا ككل شيء جميل وبدأوا ينصرفون فعجزت أنا الأخر عن منع دموعي من الانراف من عيني، يلحظني أحد الضباط فينظر لي بفزع كمن رأى جريمة أخلاقية ثم يقترب مني مسرعا ليربت على كتفي ويبتسم في حنان أبوي بالغ ويقول ” انشف يا طالب لسه من ده كتير”.

انجح بفضل الضابط في “التزويغ” من تفتيش العودة للتأكد من عدم حمل ممنوعات بالمرور بشريطي الكاسيت الذين أخرجتهم داخل حمام العنبر لأجدهما للسيدة أم كلثوم، بعنوانين “بعيد عنك”، “يا ترى يا واحشني بتفكر في مين”.

كنت أحفظ الأولى صما لكن الثانية لم أكن استمعت لها من قبل.

نمت يومها وأنا أغني في سري “بعيد عنك حياتي عذاب” وصور الأهل والأصدقاء تتحرك أمام عيناي كشريط سينما، كانت ليلتي الأولى التي بتها مبتسما في الكلية الحربية.

وفي الصباح وأثناء اختراق الضاحية الفعل الذي يتم اسبوعيا مرتين طيلة السنوات الثلاثة وسأظل أكرهه حتى يوم التخرج  رحلت كل تلك الذكريات اللطيفة وبدأت رحلة الشقاء من أول وجديد، لكن ليلا وأثناء فترة المذاكرة التي كانت تجمعنا فيه فصول مغلقة لمدة ٣ ساعات كنت أبحث بجنون عن زميل من دفعتي في نفس الفرقة يحفظ أغنية ” يا ترى يا واحشني بتفكر في مين”، حتى عثرت عليه وكتبها لي كاملة على ورقة أحد كشاكيل المذاكرة وتفرغت لحفظها.

وأثناء انصرافي من “فرق المذاكرة” كما كنا مطلق عليها، مشيت بجواره ليغنيها لي حتى أحفظ لحنها، لكن أحد طلاب الفرقة النهائية لاحظ وجود طالبين من المستجدين يمشون ويالتهم فقط يمشون بل يدندنون لحنا ما فصرخ فينا “اجري يا طالب يا مستجد أنت وهو”.

لنطير في لحظات وننسى  الست واللحن والأغنية

إقرأ أيضا
الكبير أوي 8

يا ترى يا واحشني بتفكر في مين، يا ست أنا بفكر في الطالب اللي حيكدرني لو مجريتش وسبتك دلوقتي

أما داخل العنبر بعد تناول العشاء كانت لنا قصة أخرى مع “مساعد أول ممتاز الكليات العسكرية” الذي أصبح جارا

وأه ياني لما مساعد أول ممتاز الكليات العسكرية يبقى جارك.

 

الكاتب

  • الزيارة أسامة الشاذلي

    كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
16
أحزنني
1
أعجبني
3
أغضبني
2
هاهاها
3
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان