عن أبي الذي أكره
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
المحبة بين الوالد و ولده محبة فطرية غريزية، إلا أنه في بعض الأحيان قد يقع الأب أو الأم في فخ حب التملك.. يتعامل هذا الأب مع ولده و كأنه قطعة من أملاكه يتصرف بها كيف يشاء متجاهلا أن لهذا الإنسان الضعيف روح و عقل و كيان و إرادة و رغبات و رؤى.
وقد يسيء هذا الوليّ التصرف؛ فأحيانا بدافع الحرص و الخوف على نِتاج تربيته،فهو يرى ابنه محدود المعرفة و الخبرات، لا يعرف صالحه من الأمور، يرسم له خط سير إجباري يحتم عليه السير فيه حتى و إن أوصله للهاوية، أذا ليس بالضرورة أن تكون تلك الإساءات الموجهة إلى الأبناء مبنية على أرض من الأنانية أو الإهمال أو عدم تحمل المسؤولية لكنها أحيانََا قد تأتي مقنعة بقناع الحب والخوف والحرص .
وقد ركز كتاب “أبي الذي أكره” والذي نحن بصدد تحليله على هذه النقطة، فيقول :” أن الإساءة لا تعني الأخطاء و لا تمثل بالضرورة أبًا شريرًا فلا يوجد أب بلا أخطاء ولا أم مثالية مطلقًا، و هذه حقيقة، فسواء جرحتك بقصد أو بغير قصد الجرح موجود!.
فعليا إذا أن نتوجه إلى إيجاد العلاج بدلََا من أن تكثر الكلام في الحديث عن أسبابه، وهو أيضا”أعني الكتاب” لا يدعو إلى التمرد على الآباء و نزع الطاعه و طلب الرضا، إنما دعوة إلى رفع الوعي حول التعامل مع هذه الإساءات.
الطفل السجين
في البداية يشبه الكاتب حال الطفل الذي تعرض إلى إساءة أبويه بالسجين يشعر الطفل حينها، و كأنه حبيس في سجن لا يستطيع التمرد فيه و لا الخروج منه ،و مع الوقت قد يألفه و يعتاد العيش خلف قطبانه حتى لو فتحت له أبواب الحرية لا يستطيع الخروج.
عرض الكاتب أيضََا، أبرز و أشهر أنواع الإساءة التي تعرض لها كثير من الأبناء على يد آبائهم ؛ مثل الضرب والصراخ بسبب أو بغير سبب أو الاستهزاء بالطفل أو مقارنته بذويه في شكله وصفاته،مثل غياب الأب كثير الانشغال كثير السفر اختيارًا أو أجبارًا ، حالات متعددة قد ترى نفسك في بعض منها أو كلها!.
و بعد ذلك ينتقل إلى عرض أنوع الشخصيات التي تتكون فيف ظل هذه الإساءات و ما تنتجه تلك الأساليب التربوية في شخصية الطفل فيخرج للمجتمع كشخصية إنطوايية أو نرجسية الضعيفة، أو شخصية مهزومة متنمرة و غيرها .
يحملك هذا الكتاب” أبي الذي أكره” إلى بواطن نفسك، يأخذك إلى مشاعر تحس بها لكنك لا تحسن التعبير عنها ككتلة من خيطان الصوف تراها تتشابك أمام عينيك ولا تعرف من أين تبدأ لتفككها ، يساعدك على أن تفهم ذاتك و كيف تتعامل مع شعورك و كأنه قد تمت برمجتك على نظام أبويك فأنت تحمل برمجتهما معك حتى في غيابهما و يعطيك بعض التدريبات و الأفكار لكي تستطيع تفكيك تلك العقد الصوفية من نفسك لتعيد نسج ذاتك بها من جديد .
ثم يمد يدك إلى ماضيك و يخرج لك ذلك الطفل الغاضب الذي كتم غضبه طويلا لكنه لايزال مختبئا خلف شخصية الرجل البالغ الذي لايزال يتصرف كالأطفال في بعض أمره، و كيف أنك و بلا و عي تُعيد توجيه ذلك الغضب القديم إلى من هم حولك سواء كان زوجةً أو ابننا أو صديقا.
أخطاء المتدينين
خصص أيضا شيئًا من حديثه عن الإساءة تحت شعار الدين عن أخطاء بعض الآباء المتدينين الذين يحاولون تنشأة أبنائهم على الالتزام الديني، لكنهم يقسون و يخطئون استخدام الوسيلة، فيختلط الدين في عقول هؤلاء الأطفال يالقسوة و يقاربون بين وجه الأب و بين الله فلا يستطيعون لاحقًا أن يفرقوا بين غضبهم هل هو من الدين أم هو من المتدينين.
فنرى البيوت المتدينين قد خرجت لنا أبناءً قد لحقوا بأعتى صفوف الإلحاد و العصيان، إذا لا تقف طويلا عند ماضيك و لا تطل البكاء عليه فالعمر يمضي و الوقت يداهمك، افهم نوع تلك الإساءة بغرض فهم ذاتك لا بغرض البكاء عليها و الإشفاق على حالك.
حاول الانسحاب قليلا من مكانك لترى الصورة بوضوح من بعيد و ترى أباك كإنسان بشكل متجرد؛ إنسان حاول يُصلح حين أفسد وبذل ما بوسعه و ما بلغ علمه من طرق التربية .
حاول تفكيك المعاني التي التصقت ببعضها بفعل حرارة الغضب فتفصل صورة الفضيلة عن صورة الإكراه و التعنيف و تفصل صورة النجاح عن صورة المقارنات غير العادلة .
وربما لو رأيت تاريخ نشأت أبيك و الأحداث التي شكلت وعيه لأشفقت عليه و ربما لو مررت أنت أيضا بتلك الأحداث لخرجت بأسوأ مما خرج به.
و تنبه إلى تقليدك الأراضي للسلوك السيء عند أحد أبويك، فكم من ابن عانى من الضرب في طفولته حتى إذا صار أبُا كان على نفس الطريق الذي نشأ عليه و أعاد تكرار أخطاء أبويه بحذافيرها و أدخل من أبنائه ما يُضاف في تلك الدائرة و لا يكسرها .
تحدث أيضا عن التربية السيئة التي تنتج الشخصية الاستعلائية المغرورة التي تداري نقصها بالتلذذ بنقد عيوب الآخرين و أخطائهم وما أكثرهم!، و بعد عرض المشكلة و فهمها يأخذ الكاتب بيديك إلى طريق التعافي بدءً من الاعتراف بالمشكلة وفهمها ، و محاولة الخروج من منطقة العزلة فأصحاب الآلام لا يحبون الحديث عن آلامهم التي تثير شجونهم إلا أن التعافي لا يعمل في عالم مغلق عليك مع نفسك التعافي لا يعمل في الفراغ بل يعمل في مخالطة الناس .
تلك الآلم لن يشفيها محاولة الاجتناب و التأحيل و لن تسقط بالتقادم من تلقاء نفسها، تابع الكاتب الكلام عن التعافي في فصل سماه”طقوس التخلي” فمثلا ذكر بعض الناجين أنه قام بتسجيل طويل قال فيه لأبيه كل ما لا يستطع قوله له يوما فرغ ذاكرة ألمه كاملة واحتفظ بالتسجيل لنفسه.
و أخرى بكت أمام قبر أمها و اشتكت من ألمها و أخرجت تلك الدموع القديمة المنظومه في مقلتي ذاكرتها، و تلك قامت بإحراق صورها مع خالها المتحرش و وضعت ثقل حمل الذاكرة عند صديقة امينه وغيرها أمثلة كثيرة
ثم تحدث عن وسيلة الامتنان لكي نحقق التوازن إلى منطقتي البياض والسواد في حياتنا و تحديد الحجم الحقيقي للألم حتى لا تصرف على إصلاحه أكثر مما يستحق، ثم محاولة البحث على علاقات شافية مع أشخاص طيبين يضعون من طيبتهم على الجرح فيبرد .
تحدث أيضا عن أهمية حب الذات وعن الفرق بينها و بين الأنانية فقال:” إنك لا تستطيع أن تحب أحد حبًا صحيًا مالم تحب نفسك حب صحيًا ،و هو حب جودته في نوعه وكيفيته وليس بمقداره”.
عن أبي الذي أكره
أفكار و معاني مفيدة لا يغني التعريف بها عن قراءتها ، هناك تألف العيش خلف قضبان السجن فتدمر جناحتنا التي خلقت للطيران حتى تجد من يناديها للخروج و يخبرها عن عالم كبير جميل ملون في الخارج، هكذا كتاب أبي الذي أكره
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال