همتك نعدل الكفة
1٬940   مشاهدة  

لماذا تُعرض أحكام الإعدام على فضيلة المفتي إذا كان رأيه غير ملزم؟

الإعدام
  • كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال



“حكمت المحكمة حضوريًا بإحالة أوراق فولان إلى فضيلة مفتي الديار لأخذ الرأي الشرعي”

جملة تكررت كثيرًا في الواقع والأفلام ، لكن لماذا يعد رأي فضيلة مفتي الجمهورية مهما إذا كانت المحكمة من أن المتهم مُدان ويستحق الإعدام ؟ هل يمكن للمفتي مثلًا يرفض حكم المحكمة أو يغيره ؟ هل الحكم النهائي إذا تعارض مع رؤية المفتي بحسب الشريعة والدين يمكن تغييره ؟ .. كل هذه الأسئلة أجاب عنها رئيس النيابة العامة سابقًا ، أسامة توفيق عبد الهادي ، في أوراقه الخاصة التي ضمها في مكتبة التراث الإسلامي .. وفي هذا الأمر قال بشكل مفصل :

قد أوجب القانون عرض أوراق المحكوم عليه بالإعدام على المفتي لأخذ رأيه ، وفي حالة عدم وصول رأيه إلى المحكمة خلال عشرة أيام تالية لإرسال أوراق القضية تحكم المحكمة فيها .. لهذا فإن صدر الحكم قبل عرض الأوراق على المفتي كان هذا الحكم باطلًا .

والخلاصة أن ما يبديه المفتي من رأي فهو استشاري لا يُلزم المحكمة عند قضائها . وقد اختلفت الآراء هنا حول مدى أهمية هذا النص .

فالبعض يرى عدم عرض الأوراق على المفتي ما دام أن رأيه استشاري فقط وغير ملزم وما دام أنه يجوز للمحكمة أن تصدر حكمها مخالفًا لرأيه وعلى ذلك فتلك فتوى غير مُجدية ولا محل لها .

وقد كان هناك اقتراح لإلغاء هذا النص عند نظر مشروع قانون الإجراءات الجنائية (150 لسنة 1950) وعند عرض المشروع على مجلس الشيوخ في السبعينات قامت بمناقشته ولم ينص عليه ، إلا أنه بناء على اقتراح من اللجنة التشريعية بمجلس النواب ووفق على النص عليه.

بينما يرى فريق آخر أهمية الإبقاء على هذا النص احترامًا للأديان وحفاظًا على شرعية الأحكام من الناحية الدينية إذ إن في عرض الأوراق على المفتي بثًا للطمأنينة لدى الكافة بأن الحكم قد جاء وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية في أغلب الأحيان ، كما أنه ضمانة من شأنها أن تراجع المحكمة رأيها وتدرسه من جديد عند اعتراض المفتي على عقوبة الإعدام كما حدث في بعض القضايا ، ولا شك أن مصلحة العدالة في عرض الأوراق على المفتي مادام هناك احتمال بأن تأخذ المحكمة برأيه الديني ولو بنسبة ضئيلة .

الإعدام

وقد تكرر هذا الأمر في بعض القضايا منه عرض أوراق متهم بقتل أربعة من أبنائه الأطفال على فضيلة المفتي ، حيث اعترض على الإعدام وكان وجه اعتراضه أن الأب لا يعدم في قتل أولاده طبقًا للحديث الشريف (لا يقاد والد بوالده) وقد استجابت المحكمة لهذا الرأي من المفتي وحكمت بعقوبة أخرى .

ويظهر هذا الجدل بوضوح بين أنصار كل فريق بمناسبة بعض القضايا التي يعترض فيها المفتي على قضاء المحكمة بإعدام المتهمين ، ومن هذه القضايا على سبيل المثال قضية عرضت عام 1959 على المفتي خاصة بإعدام اثنين من المتهمين وهم :

  • لبيب أيوب سعد
  • عزوز شفيق حنا

كانا قد اتهما بالاشتراك مع آخر في قتل وسرقة لواء بالشرطة (محمود برهان) وبإحالة الأوراق إلى المفتي في ذلك الوقت حمل رأيه مفاجأة بعدم الموافقة على الإعدام وتعرض لأدلة الاتهام وخلص فيها إلى أن المتهمين لا يستحقان عقوبة القصاص شرعًا ، وللمحكمة أن تقدر الشبهة التي أحاطت بالواقعة وتوقع عليهم عقوبة أخرى غير الإعدام

ولكن المحكمة لم تقتنع بهذه الأسباب ونطقت بالحكم بإعدامها وتعرضت بحق في أسباب الحكم لرأي المفتي، وكونه قد خرج عن اختصاصه وتجاوز حدود مهمته إذ ناقش في فتواه الأدلة القائمة في الدعوى وتعرض للدليل بينما هذا الدليل متروك للمحكمة التي نظرت الدعوى وفحصتها واستمعت لأقوال المهتمين ، وعلى ذلك فهي أقدر من غيرها على تقدير الدليل ومدى تناسب العقوبة مع الجريمة بظروفها وأبعادها المختلفة .

وقد عقب على ذلك فضيلة المفتي الشيخ (حسن مأمون) ، مفتي مصر في ذلك الوقت بأن طالب بإلغاء نظام إحالة أوراق المحكوم عليه بالإعدام إلى المفتي مقررًا أن هذه النقطة مصدر ضعف في تشريعنا وتعطل الفصل في القضايا بضعة أيام ، وقال إن الأوراق لا ترسل إلا بعد أن تكون المحكمة قد قررت الحكم بصفة نهائية ولا يمكن أن تحيد عنه .. فلماذا هذا الإجراء الصوري؟ ، وأردف أنه لابد من إلغاء القانون أو تعديله بحيث ترسل الأوراق إلى المفتي قبل أن تبدى المحكمة رأيها نهائيًا في إعدام المتهم.

وقد قرر فضيلته أنه لا ينظر إلى القضية نظرة سطحية كما يظن البعض ، كما أنه لا ينظر إليها من ناحية الشريعة الإسلامية فحسب .. بل من الناحية القانونية أيضًا ، وبحث للأسباب التي استندت إليها المحكمة في حكمها بالإعدام مع استيعاب ظروف القضية ويتخذ من نفسه قاضيًا عادلًا يحكم بين الناس بالحق ويبدي رأيه في القضية طبقًا لنصوص الشريعة الإسلامية وكون المحكمة تأخذ برأيه أو لا تأخذ فهذا لا يهمه في شئ ما دام قد قام بواجبه وأرضى ضميره .

ولعل هذا الأمر يذكرنا بواقعة أخرى مماثلة حدثت عام 1985 إذ قام متهم من الإسكندرية بخطف زوجة له بطريق التحايل والإكراه وقام باغتصابها .

عند إحالة الأوراق إلى فضيلة المفتي السابق الشيخ عبد اللطيف حمزة ، اعترض على الحكم بالإعدام مقررًا أن الجريمة تفتقد شهود الإثبات وأن المتهم عدل من اعترافه .

وطالب بأن يكون رأي المفتي ملزمًا للمحكمة ، وإلا ما الداعي لعرض القضية على المفتي؟

عبد اللطيف حمزة

إذا أن المفتي حينما يفحص القضية المحالة إليه فإنه يدرس الأوراق من بدايتها فإذا وجد أن أدلة الإثبات التي استندت إليها المحكمة في حكمها بالإعدام هي أدلة مطابقة للأدلة ومعاييرها في الفقه الإسلامي فإنه يوافق على الحكم .

وفي تصورنا حول جدوى عرض الأوراق على المفتي أنه أمر لابد من الإبقاء عليه والحرص على وجوده، لما يمثله من معنى كون الحكم  قد جاء متفقًا (في أغلب الأحيان ) مع الأحكام الدين الإسلامي .

إقرأ أيضا
القاهرة الإخبارية

وكون المحكمة قد تقضى بالإعدام دون الأخذ برأي المفتي فهذا أمر طبيعي لا غضاضة فيه فكم من أمور ترى المحكمة أهمية لعرضها على جهات فنية لاستطلاع بعض الأمور استجلاء لحقيقتها ، والمحكمة هنا لا تلتزم برأي تلك الجهة فيما تطرحه من رأي فالقضاء النهائي في الأحكام متروك لذوي الشأن ولهم في ذات الوقت وعلى سبيل المثال الاستئناس والاستعانة بآراء الآخرين .

وعلى الجانب الآخر لا يضير العدالة تأخر النطق بالحكم لعشرة ، حين تعرض أوراق القضية على المفتي لأخذ رأيه .

ومن الجدير بالذكر هنا أنه لا على المحكمة إن هي لم تأخذ بأحكام الشريعة الإسلامية ما دام أن السلطة التشريعية لم تقنن مبادئها في تشريع وضعي إذ أن المناط في تطبيق أحكام الشريعة إفراغ مبادئها في نصوص محددة يلتزم بها القاضي عقب ذلك في حكمه .

مصادر تم الاستعانة بها :

كتاب أشهر حوادث الإعلام على مر التاريخ

ملفات “الإعدام” بدار الهلال

 

الكاتب

  • الإعدام محمد فهمي سلامة

    كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !

    كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
2
أحزنني
0
أعجبني
3
أغضبني
0
هاهاها
1
واااو
1


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان