ثلاثية غرناطة .. حينما يعمق الأدب وصف التاريخ و أحداثه
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
في ثلاثية غرناطة الرواية التاريخية، التي فتحت النوافذ لنا أن نبحث عن الأندلس وعن تاريخها وتاريخ المسلمين فيها، هذه الرواية التي رسمت بين سطورها حدثًا من أشد أحداث التاريخ إيلامًا، ملحمة كتبتها ” رضوى عاشور” بمداد الدمع و الدم ، كتبت مظالم ذاق مُرها شعب بأكمله على امتداد المكان و ورثها أبنائه على امتداد الزمان، فمعاناة المسلمين بعد سقوط غرناطة آخر ممالك المسلمين في الأندلس أليمة.
شخصيات الرواية و أحداثها ليست كلها حقيقية على وجه التحديد، و لكنَّ الوقائع المذكورة في الرواية، كلها قد تم توثيق حصولها مع الآلاف من المسلمين الأندلسيين في تلك الفترة في كل المصادر التاريخية سواء كانت عربية أو إسبانية .
عن بنية الرواية
تتألف الرواية من ثلاثة أقسام في كتاب واحد ؛ هي” غرناطه، مريمة، الرحيل” ، و تدور معظم أحداث الرواية في حي البيازين في مدينة غرناطة الذي لازال قائمًا حتى يومنا هذا حاملا نفس الاسم .
وعن أبطال الرواية فهم عائلة أبي جعفر الوراق بكاملها، فأبو جعفر يعمل في تخطيط الكتب و تغليفها و يعيش في بيته مع زوجته أم جعفر و حفيديه من ابنه الوحيد المتوفى “سُليّمه و حسن” و زوجة ابنه و عامليه “نعيم ، وسعد” .
و يمتد زمن الرواية قرابة الـ ١٠٠ عام ، لنرى لاحقًا ما سيحصل مع أفراد العائلة حينما يكبر أطفالهم و يتزوجون كما تظهر في الرواية شخصيات أخرى مثل مريمه و عائشة و علي..
تشهد العائلة أحداث الأيام الأولى من سقوط المدينة بيد القشطالين، فكانت معاهدة تسليم المدينة تتضمن حفظ حقوق أهلها وتكفل حرية ممارستهم لشعائرهم دون التعرض لهم ، لكن من يحترم حق الضعيف! .
الذي حدث هو عكس ذلك تمامًا صمت صوت الآذان.. تحولت جميع المساجد إلى كنائس .. تم تهجير عشرات الآلاف من سكان المدينة.. ارغموا على التحول إلى النصرانية بالقوة و البطش.. نصبت محاكم التفتيش لتلاحقهم واحد واحدا و تتفنن في ألوان تعذيبهم .. سلبوا منهم صغارهم و ربوهم بين الكنائس و بيوت الإسبان و أرغبوا على التخلي بأي مظهر يتصل بدينهم مهمها كان هذا المظهر بسيطًا حتى لو في شكل اللباس، أو حتى الطبخ بزيت الزيتون مثلا أو رفض طعام قد طبخ بشحم الخنزير، و تلك التُهم البسيطه تأخذهم إلى التعذيب أو المحارق التي كانت تنصب في ساحات المدينة بشكل دوري يحرقونهم حتى الموت على مرآى الناس ومسمعهم، و واحدة من شخصيات الرواية حرقت بهذه الطريقة، لا أذكر اسمها حتى لا أحرق الأحداث.
تفاصيل الرحيل ؛ صناديقهم التي كانت تحمل قطعا صغيرة من ذكرياتهم .. مفتاح بيوتهم التي احتفظوا بها على أمل أن يعودوا إليها يوما، و حادثة حرق الكتب التي أصابت أبا جعفر بجرح عميق في قلبه، و هو الوراق الذي يعرف تمامًا قيمة الكتاب و معناه ؛ حيث حرق الإسبان في ساحة باب الرملة عددا مهولا من الكتب والمصاحف و ظن أبو جعفر أن القيامة ستقوم في اليوم التالي، و أن الله سوف ينتقم لحرق كتابه لكنه ربما لم يعرف أن حرق ورق المصحف عند الله أهون من ترك العمل به، أهون من الفساد و الخيانات التي تورط بها حكام الأندلس .
تفاصيل كثيرة تأخذك لذلك الزمان و المكان لتفهم الحدث أكثر ، و تعيش تفاصيل الشخصيات بشكل أدق كنوع من أنواع الوفاء لذكرى لا يجب أن تسقط بالتقادم، و تطوى في دفاتر النسيان.
الكتاب التاريخي يذكر لك الحدث السياسي بعيدًا عن الجوانب الإنسانية تخيل مثلا بعد مئة عام أن يقرأ الجيل القادم أحداث ما حصل في سوريا و العراق مجرد أحداث مختصرة بعيدًا عن شعور الناس و معاناتهم هل هناك فرق!!، هنا يأتي دور الأدب في عرض الحدث من جانبه الاجتماعي ، و الإنساني؛ يكبر العدسه على خارطِة المدينة لترى ما حصل في شوارعها.
تحفظاتي على الرواية
لي تحفظات قليلة على الرواية كأكثاؤه الروائية من السرد في عدة مواضع، و إسهابها في ذكر تفاصيل لا تخدم سياق القصة، و نقلها التذمر من القدر على ألسنة الناس بلا تعقيب ـ أفهم أن الناس تسأل في كل محنة تحصل في كل زمان و مكان عن الوجود الإلهي يقولون أين الله مما يجري، لماذا لا يوقف هذا الإجرام ؟.. طرح السؤال بطريقة فجة مع عدم الإجابة عليه أمر لم أراه موفقا .
أيضا قد لا تستطيع الرواية أن تجذبك من بداياتها بسرعه لا بد أن تنتظر قليلا لتبدأ بعض الأحداث بالتحرك ثم إن جمالها يبدأ بالتناقص كلما اتجهنا إلى نهايتها، و هذا رأي شخصي، قد يختلف من قارئ لآخر لكن على الرغم من هذه العيوب ظلت ثلاثة غرناطه واحدة من الروايات العربية الهامة، ومن الروايات المميزة التي قرأتها و على كم الألم التي تحمله بين صفحاتها إلا أنني سعدت بصحبتها دفعتني للمزيد من البحث و القراءة في تاريخ الأندلس وبمتابعة آثار المسلمين فيها إلى يومنا هذا.
غلاف الرواية الجاذب المحير
غلاف الرواية غلاف محير بالنسبة لي، ظل مبهم إلى أن أنهيت الرواية، فالغلاف لونه بالكامل أسود، ويظهر غصن الرومان يتدلى منه ثمرة ناضجة شهية كعنصر بارز في الغلاف، وتساءلت هنا لماذا الرومان، هل له علاقة بالأندلس؟! ، أو لم يكن من الأقدر غصن الزيتون؟! ما المبرر إذًا.
فسرت ذلك خاصة و أن مصمم الغلاف المبدع محي الدين اللباد ، أن أول من أدخل فاكهة الرومان إلى الأندلس هو عبد الرحمن الداخل الذي استطاع أن يوحد الممالك واستطاع بقوته وذكائه أن يحكم الأندلس متحدة، وعن باقي الغلاف الذي سيطر عليه اللون الأسود يدل على سقوط الأندلس، فبين القوة والضعف كانت الأندلس.
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال