نوادر فكري أباظة .. نتائج كارثية لوصفة السعادة الزوجية
-
سعيد محمود
كاتب نجم جديد
هل تذكرون أحمد زكي في فيلم “البيضة والحجر”، عندما أعطى “حجابا” لأحد المجرمين وأخبره أنه إن ارتداه في عنقه بعد الاستحمام لن يتمكن أي رجل شرطة من القبض عليه، ثم داهمت الشرطة المكان فارتدى المجرم الحجاب وقفز من النافذة ليقع في قبضة البوليس، وهنا قال أحمد زكي “الحمار لبس الحجاب من غير ما يستحمى”. بطريقة مشابهة لذلك رد الكاتب الصحفي والأديب فكري أباظة على رسائل القراء التي هاجمته بشدة بعد تنفيذهم وصفته للسعادة الزوجية التي نشرها على صفحات مجلة المصور.
بدأت القصة عندما نشرت المصور في الخامس والعشرين من يونيو عام 1926 رسالة من أحد القراء، ادعى فيها أنه من أصدقاء رئيس تحرير المجلة، وطلب منه فيها أن يخبره بوصفة للسعادة الزوجية.
وبما عرف عن فكري أباظة من خفة ظل في حياته وكتاباته، خصص صفحة كاملة في المصور ليضع وصفة للسعادة الزوجية من وجهة نظرة ردا على تلك الرسالة.
فكري أباظة ووصفة السعادة الزوجية
“وصفة عجيبة جدا تلك التي يطلبها الصديق القديم، ومأمورية ظريفة تلك التي يكلفني بها: أن أجعل زوجته تحبه”، بهذه الكلمات بدأ فكري باشا أباظة رده على خطاب القارئ، ثم أكد أنه لا يملك خبرة المتزوجين، لكنه يقف على الكثير من أسرار الزوجية، كونه عرف الكثير من الأزواج، ولهذا وجه نصائحه للمتزوجين والمقبلين على الزواج.
بدأ أباظة بالحديث عن فترة ما قبل الزواج، والتي كان له وجهة نظر فيها، وهي أن كثرة رؤية الخطيب لخطيبته في فترة الخطوبة يتسبب في حدوث فتور في العاطفة بعد الزواج، لذلك نصح بألا تزيد مدة الخطوبة عن ستة أشهر، يتقابل فيها الخطيبان مرة واحدة كل شهر.
أما عن المستوى الاجتماعي، فلم يمانع رئيس تحرير المصور في أن تكون الزوجة أغنى من زوجها، ولكن بنسبة معقولة، حيث وجه حديثه للزوج الذي قائلا: “أما إن كان الغنى فاحشا، فودع عالم (السيادة) و(التماثل)، واستقبل عالم (العبودية) و(الاستنطاع)”.
كما نصح فكري أباظة الأزواج بتجديد الحياة اليومية، والبعد عن الروتين المتكرر الذي يقتل العلاقة الزوجية، مقترحا أن يأخذ الزوج زوجته لتناول الطعام في مكان مفتوح، ثم يذهبا في نزهة لتغيير الجو، مؤكدا على ضرورة الاحتفال بعيد ميلادها وعدم نسيانه، لكنه حذر أيضا من أن تشعر الزوجة بتفاني الزوج في حبها، مضيفا أنه لا مانع من أن يشعل الزوج نار الغيرة في زوجته ولكن بمنتهى الحذر.
ثم وجه فكري أباظة حديثه للزوجة، ناصحا بأن تكون دائما مرحة ومتأنقة في ملبسها للدرجة القصوى، حيث يحدث ذلك أثرا طيبا في نفس الزوج، ثم أكد الكاتب الكبير على ضرورة عدم تدخل الزوجة في مناقشات الزوج وأقاربه، وأن تكون ظريفة مع الجميع وتنسحب برشاقة عند بدء النقاش بينهم.
نتائج كارثية للوصفة الزوجية
بعد نشر وصفة فكري أباظة للسعادة الزوجية، انهالت الرسائل الغاضبة من الرجل، حيث أتت الوصفة بنتائج عكسية مع معظم الأزواج والزوجات، مما دفعه لتخصيص صفحة أخرى من المصور في عددها الصادر بتاريخ التاسع من يوليو عام 1926، لنشر بعض تلك الرسائل والرد عليها.
وعلى طريقة أحمد زكي التي تحدثنا عنها في البداية، كتب فكري أباظة “هأنذا أنشر طائفة من تلك الرسائل ليعدل القارئ بيني وبين مرسليها، وليعلم المتظلمون الساخطون أنهم لم يطبقوا “الوصفة” بدقة فاستحقوا الجزاء”.
زوج ملحوس وزوجة ألحس
وكانت إحدى الرسائل التي نشرتها المصور من زوج قرر تنفيذ نصيحة فكري أباظة والخروج في نزهة مع زوجته، لكن النتيجة جاءت على عكس ما توقع بالمرة، وجاء نص الرسالة كالتالي “عملت برأيك يا سي فكري وطلبت إلى زوجتي العزيزة أن تصحبني في فسحة خلوية فأجابت رغبتي، ولكنها أخذت معها الأولاد وأم عبده دادتهم، وبعد رحلة طويلة استقر بنا المقام في حديقة بديعة، وشاء نحس الطالع أن شرد أحد الاولاد، فاخذت الزوجة تبكي، وأم عبده تلطم، وبقية الاولاد تصرخ، إلى أن عثرنا عليه وقد سقط عليه حجر فأصيب برضوض وجروح، وهنا بدأت معركة مزدوجة، الأولى بين زوجتي وأم عبده، والثانية بيني وبين زوجتي، وعدنا للمنزل ونحن جميعا في شقاق، ولا يزال الجو معكرا لليوم، فلعنة الله على وصفتك”.
ورد فكري أباظة على القارئ بخفة دمه المعهودة “زوج ملحوس وزوجة ألحس، ما قلت لك أن تأخذ زوجتك مع ملحقاتها،وإنما قلت بالنص أن تخرجا (مختليين) لستعيدا ذكرى الهوى العذري، أما وقد أبيت ألا أن تتولى قيادة (أورطة)، فأنت وحدك المسؤول عن سوء النظام”.
هجوم أزهري
ولم يقتصر الهجوم الذي واجهته وصفة فكري أباظة على الأزواج فقط، حيث أرسل أحد شيوخ الأزهر رسالة حادة جدا لرئيس تحرير المصور اتهمه فيها بالكفر والإلحاد، نشرتها المجلة كاملة، وجاء نصها “لو كنت أيها الكافر الملحد في بلد مسلم تنفذ فيه قواعد الشريعة البيضاء، تالله لقذفوا بك من حالق، والله لرجموك بالأحجار، فما هذه البدع التي تنشرها بين عباد الله يا أحط عباد الله، أهذا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ قسما بذي العزة لئن لم تنته لنطلبن إلى جهات الاختصاص وأولي الأمر أن يضعوا حدا لتعاليمك، والله يتولاك بجزائه في النار وبئس القرار”.
ورد على تلك الرسالة اكتفى فكري أباظة بأربع كلمات فقط، حيث كتب “عليّ الطلاق إنك غبي”، ثم وجه حديثه للأزواج والزوجات طالبا منهم الكف عن مراسلته في هذا الموضوع، والاكتفاء بقراءة ما وضعه من قواعد، وإن لم يقتنعوا بها، “فليبحثوا عن السعادة الزوجية في مكان آخر وليدرسوها على يد أستاذ آخر”.
الكاتب
-
سعيد محمود
كاتب نجم جديد