إلى الدكتور محمود سامي قنيبر : إحنا نورك وسكتك .. هنسندك في وحدتك
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
فجأة .. وبدون مقدمات .. وفي لحظة كان للقدر فيها حكمًا على طبيب مصري متطوعًا بإرادته في مستشفى عزل بلطيم ، مشهرًا سيفه في مواجهة وباء كورونا البغيض الذي أتى بوجهه الأغبر على البشرية جمعاء ، وضرب الصحة ، والرزق ، والسلم العام في مقتل في بداية العام المنقضي … وفجأة .. ضاق نفس الطبيب ، وتعرّق ، وارتفع ضغط دمه بسبب الإجهاد والعمل لمدة سبعة أيام بشكل ضاغط ومتواصل .. وكانت النتيجة فقدان البصر .. حتى يختار القدر جندي مناضل من جنود جيش الكفاح ضد الوباء ، ويؤثر على حاسة البصر . ومن هنا تبدأ الحكاية ، وليست نهايتها كما يعتقد كثيرين .
دخل الطبيب ذلك المحبس المخيف الموجود خلف جدار البصر والضوء ، انهالت الحوارات الصحفية ، والتقارير الطبية التي نشرتها الجرائد بخصوص الحالة التي وصل إليها الطبيب .. الطبيب محمود سامي قنيبر .. تواصلت رئاسة الوزراء معه للعلاج في المركز الطبي العالمي .. وكان الطبيب في شدة الحماس في بدايات الأزمة ، وظهر ذلك من خلال الحوارات الصحفية ، وظهر ذلك جليًا في إشادته برسالة فخامة الرئيس السيسي إليه بأن مصر لن تترك إبنها الذي دافع عن شعبه ضد الكورونا .. واكتملت تلك الصورة عندما كان الطبيب واحدًا ممن كرهم الرئيس السيسي .. ولخص الطبيب هذا في جملة في لقاء تليفزيوني مع الإعلامي محمد مصطفى شردي قائلًا : عندما وصلت لمرحلة عالية من الإجهاد في يوم فقدان الوعي أصبحت بين اختيارين .. إما أن أترك المستشفى وأذهب للاستراحة أو أقف لأداء الواجب .. فاخترت أداء الواجب .. أنا كنت من المستبعدين من الإشراف الطبي على كورونا لكنني تطوعت خوفًا من سقوط عدد كبير من ضحايا كورونا !
بعد فترة .. ومرور عام أو أكثر قليلًا .. ابتعدت فيها الصحف عن متابعة الحالة بطبيعة الوهج الصحفي وانطفائه .. وبالتحديد كان هذا بالأمس ، استيقظ المصريون على بوست كتبه الدكتور البطل محمود سامي قنيبر قائلًا : “بدون إثارة للعواطف ومشاعر الخوف والشفقة، أنا بفكر في الانتحار، الموضوع أكبر من احتمالي فعلاً وكل يوم بتظهر له أبعاد جديده لا تحتمل، ليلي يشبه نهاري بستنى الليل ليه مش عارف، واستنى النهار يطلع ليه مش عارف، تايه في بحر كبير من الأوهام” .. وهنا حاول الكثيرين تحويل الموضوع إلى تريند آخر ، وهناك من حاول الطبطبة على كتفي الدكتور ومحاولة تصبيره ، وهناك من حاول المزايدة بكونه بطل وعلى الأبطال ألا تسقط في شباك اليأس ، ومثل هكذا كلام نعرف جيدًا أنه لا يهم الطبيب في مثل هذه أوقات .
لن نحاول التحدث معك يا دكترة بكليشيهات الأمل وغيرها .. لكننا سوف نعود بالشريط للقاء تليفزيوني سابق لك ، قلت فيه : “أنا كنت أعشق قراءة سيّر الأبطال والعظماء ، ودائمًا البطل لديه مشكلة وأزمة منذ ولادته “.. وتحدثت بعدها عن ظروف مولد ابنك يحيى الذي جاء بعد شوقه مدتها 11 عام ولم تستطع رؤيته سوى إسبوعين فقط … لكننا هنا يا دكتور سوف نخبرك مسار آخر من مسارات رسم شخصية البطل .. وهي نقطة “السقوط الكبير” .. حين يخسر البطل كل شئ ويكاد أن يفقد حياته بالمرة ، لكن لسبب ما – ولكونه بطل- يجمع مرة أخرى ما سقط منه عمدًا أو قدرًا مباغتًا .. ويمسك بذارعه التي قطعها سيف العدو ويصنع من ذراعه سيف يحارب به .. مثل ابراهيم حمدتو ، ذلك الملهم الذي تعرض لحادث قطار قطع ذراعيه فقرر أن يقبض على أمله بأسنانه والآن يتم تكريمه كأكثر الرياضيين إلهامًا في العالم .. البطل يا دكتورنا يسقط سقوط لم يسقطه غيره ، لكنها قادر على نفض الغبار من حوله والخروج من تحت الأنقاض قائلًا : مازلت بطل .. وأنت يا محمود سامي أحد أبطال الروايات الذي أنقذ شعبه لتنضم للأبطال الشعبيين الذي سيحكي عنها جيل الشباب لأبنائه بعد عشرات السنوات ، وستخلد في الكتب ، وستلهم كثير من المؤلفين لصناعة بطل مثلك على الشاشة .. كل رجل أنقذته وامرأة هم شعاع يخرج من بصرك حتة ولم تراه يا دكتورنا .. كلنا معك .. إحنا نورك وسكتك .. هنسندك في وحدتك !
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال