حكم المنتحر في الإسلام .. الحكم الشرعي لا يؤخذ من السوشيال ميديا
-
منتهى أحمد الشريف
منتهى أحمد الشريف، باحثة شابة في العلوم الإسلامية، تخرجت من كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
تبادر أغلب الألسنة في السوشيال ميديا عبر الكيبورد إلى إطلاق حكم المنتحر في الإسلام بفهم شعبوي إذ يؤكدون أن من أزهق روحه كافر ولا مغفرة له، متناسين ماهية الكفر ومعناه.
الإسلام وتحذيره من الإنتحار
لا ريب في أن الإنتحار من الآثام العظيمة والذنوب الكبيرة فالنبي صلوات ربي وسلامه عليه حرص على سلامة حياة الإنسان فنتاقل الينا العديد من الأحاديث الشريفة التي حذر فيها من الإقدام على الانتحار، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من قتل نفسه بشيءٍ في الدنيا عُذِّب به يوم القيامة”.
هل الكفر هو حكم المنتحر في الإسلام
لا يستقيم شرعًا جعل الكفر هو حكم المنتحر في الإسلام ولا يجوز رميه بالكفر، فالإنتحار لا يُخْرِج صاحبه من الملة، لأن كلمة الكفر والخروج عن الملة تكون بإنكار معلوم من الدين بالضرورة، أو جحد ونكران ما أدخله فيه، فالمنتحر أمره إلى الله.
اقرأ أيضًا
لماذا قفزت يا صديقي ؟
يقول الله سبحانه وتعالى { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ }، وجاء م في صحيح مسلم من حديث الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه أنه هاجر إلى المدينة معه رجل من قومه، فاجتووا المدينة، فمرض فجزع فأخذ مشاقص له فقطع بها براجمه فشخبت يداه حتى مات، فرآه الطفيل بن عمرو في منامه فرآه وهيئته حسنة، ورآه مغطياً يديه، فقال له: ما صنع بك ربك؟ فقال: “غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وسلم”، فقال: ما لي أراك مغطياً يديك؟ قال: “قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت”، فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهم وليديه فاغفر”، وقد ترجم الإمام مسلم رحمه الله تعالى لهذا الحديث بقوله: “باب الدليل على أن قاتل نفسه لا يكفر”، فما يعتقده كثير من الناس من كفر المنتحر لا دليل عليه بل الدليل على خلافه.
بالتالي فإن المنتحر مسلم يجري عليه ما يجري على موتى المسلمين، مما ينبغي فعله للميت من إكرامه بعد الموت من التغسيل والتكفين والدفن بمقابر المسلمين، ويورث ماله ويترحم عليه ويدعى له، وذلك الأمر أشار إليه الإمام شمس الدين الرملي في الجزء الثاني من كتاب نهاية المحتاج في شرح المنهاج حيث قال “وغسله – أي المنتحر – وتكفينه والصلاة عليه وحمله ودفنه فروض كفاية إجماعًا؛ للأمر به في الأخبار الصحيحة، سواء في ذلك قاتلُ نفسِهِ وغيرُه”.
خلود المنتحر في النار
تأتي مسألة شرعية أخرى وهي خلود المنتحر في نار جهنم والاستدلال عليها بما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم “من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا فيها أبدا، ومن شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا”.
رغم ذلك الحديث لا يجود نص يُجزم بخلوده في النار، فذلك الحديث في صحيح الإمام مسلم، وهو زيادة الخوارج والمعتزلة، غير أن أهل السنة قالوا بعدم خلود المنتحر في النار إلا إذا كان يرى في الانتحار حلالاً، كما أن لفظ الخلود يعني الزجر لا إرادة الحقيقة، ويقوي ذلك أيضًا ما تواتر في الأحاديث من أنه: “يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه”.
الكاتب
-
منتهى أحمد الشريف
منتهى أحمد الشريف، باحثة شابة في العلوم الإسلامية، تخرجت من كلية أصول الدين جامعة الأزهر الشريف
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال