سينما صلاح ابو سيف
-
إسلام محمود نصر
محام وباحث في الشئون الثقافية والفكرية
إذا عددنا أو حصرنا من شكلوا وجدان وذاكرة هذه الأمة واقتراعنا عن الشخصيات التي انتزعت إهار المصريين خلال القرن الماضي على سبيل المثال لا الحصر، جمال عبدالناصر والسادات، أم كلثوم، نجيب محفوظ، بليغ حمدي ومحمود الخطيب فهذا الاختيار بلا شك أو نزاع يتضمن أحد عباقرة السينما مخرج الواقعية صلاح أبو سيف .
ويقول الناقد السينمائي طارق الشناوي إن صلاح ليس مجرد مخرج عظيم أو أستاذ ورائد للواقعية ولكنه أحد بناة السينما المصرية
لم يحترف أبو سيف ويبدع في الإخراج السينمائي فقط بل تخطت موهبته إلى فن كتابة السيناريو، فمعظم أفلامه كان كاتباً للسيناريو والحوار أو شارك في الكتابة.
وما لا يعرفه الكثير أن لأبو سيف كتاب عن فن كتابة السيناريو بعنوان “كيف تكتب السيناريو” إصدار 1981.
ذلك المصري الذي نجح نجاحاً جلياً في تجسيد واقع المجتمع وصراع الخير والشر، قد بدأ حياته السنمائية مخرجاً لفيلم كوميدي اسمه نمره 6/ العمر واحد من بطولة إسماعيل ياسين وأنهاها بفيلم كوميدي بعنوان السيدة كاف1996 من بطولة سناء جميل وعبد المنعم مدبولي.
يخيل للبعض أن لقب مخرج الواقعية انتزعه صلاح أو سيف للتشبيهات التي كان يحرص عليها في بعض أفلامه مثل مشهد حمدي أحمد في فيلم القاهرة 30 وظهورة بقرنين اسقاطًا على دور الزوج الديوث الذي يقبل هذه المهمة في مقابل وظيفة بديوان الوزارة تنتشله من الفقر وتمنحه وجاهه اجتماعية أمام أقرانه، لكن هذه ليست واقعية إنما هي رمزية.
الواقعية التي جعلت أو سيف متفرداً وأظهرت نباغته التي تجلت عندما قام بإخراج فيلم الزوجة الثانية بذات المكان التي جرت فيه أحدات القصة الحقيقية وكذلك عندما اختار سناء جميل لتجسيد زوجة العمدة التي سوف تقبل مرغمة “بضره” بعد أن كانت سيدة الدوار الأولى، ولإقناع المشاهد بأدائها سأل صلاح أو سيف سناء “وقال لها ماذا إذا تزوج عليكي لويس جريس أنا عاوزك تمثلي كأنه ده حصل.”
وذكر أو سيف في حوار تليفزيوني أنه قام بدراسة القرية ليكون المشاهد “عايش مع فلاح حقيقي”
أو في مشهد أخر في فيلم بداية ونهاية، وصدمة عمر الشريف عندما علم بعمل اخته في بيت مشبوه وجلبها المال سفاحاً والذي كان يتطلع لمستقبل مشرق ومصاهرة عائلة مرموقه يتخلص بها من براثن الماضي المقيت بأحواله وأشخاصه، إذ به من هول الفاجعه يضرب سناء جميل على وجهها ويسبب لها صمم في أحدى أذنيها، تحقيقاً وليس تمثيلاً.
هذه الصلة بين صلاح أو سيف والمشاهدين تولدت وتوثقت ليومنا هذا بفضل اهتمامه بتقديم فن يليق بذوق وبصر وسمع المشاهدين نتج عنه أن أفلامه أصبحت من ذاكرة الأمه، لم يسقط في مستنقع الغرور وفرض أوهامه ومخيلات عقله لتنعكس على فنه، بل جاءت معظم أفلامه لتجسد الصراع بين الخير والشر الصالح والطالح، والنهاية الحتمية للعناصر الفاسدة في المجتمع بأسلوب متميز جعلت مثلاً أفلام كالوحش والفتوه وريا وسكينه وشباب امرأه برغم مرور أكثر من سبعين عاماً على عرضها ومشاهدتها عشرات المرات فأن المشاهد يتطلع بشغف وتشوق لمشاهد النهاية لواقعية تجسيد الأحداث والحبكه الدرامية والإقتناع والرضى عن مكونات الفيلم من أداء تمثيلي وسيناريو متقن يتوافق مع بيئة ومكان التصوير وقصة مشوقة ومخرج عبقري فذ أسر المشاعر وأقنع العقول
فالفيلم عند أو سيف له عناصر تدور في فلك أنه وسلية تجسيد القصة للجمهور، فقد عرف صلاح أبو سيف الفيلم في كتابه فن السيناريو بأنه:
“الفيلم هو قصة تحكى على الجمهور في سلسلة من الصور المتحركة. ونستطيع أن نميز في هذا االتعريف ثلاثة عناصر:
- القصة – وهو ما يحكى
- والجمهور- وهو من تحكي له القصة
- وسلسة من الصور المتحركة: وهي الوسيلة التي تنقل بها القصة إلى الجمهور.”
وقد عبرت أفلام صلاح أو سيف عن الحارة المصرية بخصائصها ورموزها في أفلام مثل الأسطى حسن والسقا مات وحمام الملاطيلي.
ويصف السينمائي الدكتور حسين عبد اللطيف أفلام أبو سيف بأنها تعد وثيقة فولكلورية يمكن من خلالها دراسة حياة المصريين خلال الفترة التي تركزت عليها الأحداث السينمائية.
لا تخلو أفلام أبو سيف من الرادع الديني المرتبط بالموروث الديني والثقافي المصري لمجابهة الطمع الدنيوي، حيث برز هذا في فيلم الزوجة الثانية عندما طلبت “فاطمة” المغلوبة على أمرها -التي جسدتها الراحلة سعاد حسني- من الشيخ تابع العمده في زيارتها “للبندر” لشراء ملابس العروس بأن تزور المقام (مقام سيدي أحمد البدوي رضى الله عنه) وبكت أمام المقام ودعت ربها فإذ يأتيها الفرج في التو واللحظة بأن طمئنها شيخ الجامع بأن طلاقها وزوجها بالاكراه باطل، فتتصرف بناء على هذه الفتوى وتنتصر على العمده الظالم الذي يموت قهراً بعد أن ظن أنه فاز بالعروس الشابة الحسناء التي سوف تجلب له الولد والشباب والمتعة.
وأيضاً في فيلم حمام الملاطيلي، فبعد أن رأى البطل جبيبته مقتولة والدماء تغطي وجهها وتسيل على جسدها وكان بالأمس يمارس معها الفحشاء إذ به يستفيق ويراجع نفسه ويذهب باكياً لمسجد سيدنا الحسين رضى الله عنه وعلى وقع نداء المجذوب “اصحي يا مصر، اصحي يا مصر” ويقرر البطل الرجوع للإسماعيلية على جبهة القتال أثناء حرب الاستنزاف.
ولأبوسيف فلسفته ورؤيته عبر عتها في كتابه عن كيفية كتابة سيناريو إذ اوضح بأنه “القصة نهر لا ينقطع من التطورات ولكن مشاهد الفيلم تمثل بعض الحوادث في هذا النهر الدافق والفيلم قصة تحكي فيها بعض المشاهد ولا تحكي بعضها الآخر والجزء الذي تحكيه هو ما يظهر في المشاهد والجزء الذي تحذفه يحدث بين المشاهد.”
إقرأ أيضاً
انفراد: السيناريو الأصلي فاضي وسيناريو دعاء حلمي هو الحقيقي .. عن شقة نمرة ٦ أتحدث
الكاتب
-
إسلام محمود نصر
محام وباحث في الشئون الثقافية والفكرية