عفواً حميد الشاعري ليس صانع موسيقى الثمانينات والتسعينيات الأكثر أهمية
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
يجتاح الميديا طوفان من النوستالجيا، فهذا يقدم إعلانًا ترويجيًا بأغنية من التسعينات، وتلك تقدم برنامج تجمع فيه من أطلقوا عليهم نجوم فترة التسعينات، والغالبية تدور في فلك واحد ( موسيقى الجيل ).
لم أتعجب من استضافة المطربة ( أنوشكا ) لحميد الشاعري في أولى حلقاتها على الرغم من أنها ليست خريجة مدرسته الموسيقية، فهي أمور يتحكم فيها رعاة البرنامج بأفكارهم التجارية التي تبتغي الأرباح على حساب أى مضمون وبالطبع لازالوا يروا في حميد مطلبًا جماهيريًا وسلعة رائجة رغم ابتعاده منذ فترة طويله عن الساحة.
بالغت أنوشكا جدًا وقالت إن حميد كان يضلل عليهم وهذا عكس ماكان يحدث فى أغلب الكواليس التى كان “الكابو” فيها الديكتاتور الآمر الناهي، مثلًا عرضت أنوشكا عليه توزيع أغنية لكي تكون باكورة لقاءات فنية بينهما فرفض حميد توزيعها بحجة أنها أغنية سيئة جدًا ولن تليق بها لدرجة أن كرهتها أنوشكا، لتخرج الأغنية بعد ذلك بصوت حميد الشاعري، بل وأشرك معه في غنائها مطربة غيرها وهذا يثبت أن حميد لم يكن يضلل عليهم، بل كان يضلهم أحيانا بنرجسيته المفرطة ولسانه اللاذع.
يحكي علاء عبد الخالق أنه وقت إصداره ألبوم لم يكن من توزيع حميد قابله مصادفة في أحد الأفراح، وكانا على خلاف شديد وتوقع الحضور ألا يكون بينهما أي كلام أو سلام ليتفاجئ علاء بأحضان وقبلات من حميد الذي مال على كتفه كي يقول له ( أحلى حاجه في ألبومك الأخير هو البوستر.. ربما يفسر هذا بأن حميد كان يستخدم ذكاءه الاجتماعي أكثر من موهبته ومن ليس معه فهو ضده ويمكن استثناء علاء من ذلك كونه أول من تمرد عليه في عز نفوذه بالإضافة إلى أنه يمتلك شخصية فنية مستقلة قادرة على اختيار أغنياتها بنفسها دون وصاية فنية من أحد.
لن ننكر النجاحات الكبيرة التي صنعها حميد مع جيل اختفى معظمه، لكن المشكلة تكمن في إعادة تنصيب الكابو كإله الموسيقى المصرية الحديثة وكأن الفترة لم يكن بها سواه، حميد لم يكن سوى زعيم الصدفة بأغنية لولاكي أكثر الأغاني مبيعًا في تاريخ الكاسيت المصري والتي صارت الآن مادة خصبة للتندر والسخرية من فرط سذاجتها.
كانت لولاكي ومعها ميال -هي بالمناسبة ليست من توزيع حميد ونسبت إليه جهلاً- أول فصل من فصول الانقلاب الموسيقي والذي غير مفاهيم كثيرة في السوق الغنائي الذي قرر الرهان على الحصان الرابح تجاريًا، فتوسعت نفوذ الشاعري واتسعت الدائرة من حوله، يتصارع عليه المنتجون ويتم فرضه على كل صوت جديد؛ كي يأخذ بصمة موسيقاه لكن السؤال هنا ما هي نوعية موسيقاه؟ وماذا أضاف حميد للأغنية العربية؟ وماهي البصمة التي وضعها حميد في الجيل لكي يحتل مقعد رئاسة دولة الموسيقي في فتره حكم طال أمدها زيادة عن اللازم.
لايمكن إنكار إنها كانت فترة ناحجة تجاريًا، لكن فنيًا حدث ولا حرج أغاني تهريج وتسطيح وتسخيف وتجارب تلك الجوقة التى كانت تسبح بحمد حميد ليلًا ونهارًا كانت كالسوس الذي ينخر في جسد الأغنية المصرية، وجعلت من كل شخص يغني في حمام بيته مشروع مطرب مشهور طالما يحمل بصمة موسيقى الجيل.
حميد سطح مفهوم التوزيع الموسيقي الذي بُنت عليه ثورة الموسيقى في أواسط السبعينات بنيانها القوي، فظلت ألبومات مثل ” شبابيك ” و ” اعذريني” و “كوكب تاني” تحمل أثرًا طيبًا ومجهودًا موسيقيًا متطورًا من موسيقيين كان من المفترض أن يكملوا المسيرة جنبًا إلى جانب، لكن توازنات السوق كانت تحتم على موسيقي بحجم فتحي سلامة الرضوخ إلى منطق شركات الإنتاج وإلا لا مكان لك في تلك الفترة التي تبحث عن جني ما استثمرته في السوق بغض النظر على أنها تبيع الوهم للجمهور الذي كان يتعاطى مع ما يقدم له، أين كان.
صارت موسيقى الجيل هي التيار الأساسي الذي تسير عليه نهج الأغنية، لم يتم استثمار ذلك النجاح في بداية تغيير شامل للأغنية، بل قرروا استنساخ النجاحات مادام المطرب يحقق أرباحًا خيالية!
لو استمعت إلى ألبومات: إيهاب توفيق، مصطفى قمر، راندا، حنان، علي حميدة، علاء سلام، حكيم، والموقعة ببصمة موسيقى الجيل ستجدها كلها ألبومات تتشابه موسيقاها جدًا؛ نفس المقسوم والصقفة والطبلة ولاشيء غير ذلك، موسيقى غير متعوب عليها تمامًا، بل أن الصولوهات كانت نادرة جدًا وكان يكتفى مع آلة الجيتار بلعب كوردات خفيفة مصاحبة للمقسوم الإليكتروني الصاخب والصقفة والطبلة ولا جمل لحنية رصينة أو هارموني ثقيل.
حميد في البدايات حاول أن يأخذ من روح تجربة ناصر المزداوي، فسمى فرقته باسم المزداوية واستعان بأغنياته في عدة ألبومات ولم يحقق نجاحًا كبيرًا؛ لأن التجربة الأصلية دائمًا تربح، فقرر إطلاق العنان لتجربته الخاصة والتي غلفها ببعض الألحان الفلكورية الليبية التي ادعى أنه أعاد تطويرها بصحبة الشاعر عادل عُمر من كان يعيد صياغة وترتيب كلمات الأغنية الأصلية؛ كى تُكتب باسمه من جديد سرعان مانجحت “وين أيامك وين” وهي الوحيدة التي وزعها حميد في ألبوم ( رحيل ).
الغريب أن المزداوي عندما عاد إلى مصر وقرر إصدار ألبوم مع شركة إنتاج مصرية، لم يستعن بحميد نهائيًا على الرغم من أن الجمهور ربط بينهما لاشعوريًا.
بعد الفلكلور الليبي حاول حميد وضع بصمته على بعض أغنيات التراث المصري والعربي فخرجت ألبومات ” شعبيات 1 و2 “، ” تجنن يا فريد “، ” وحشتينا يا شادية “، “حلاوتك يا فوزي”، “بحبك يافيروز”، مدمرة فنيًا كلها بالصبغة الحميدية الشاعرية الإيقاعية بما لا يساوي باثنين جنيه موسيقى، بعدها بدأت الأقلام تهاجمه.
الحقيقة أن الهجوم كان يحمل نوايا حقد على نجاح وشهرة حميد وليس غيرة محمودة على تدهور حال الغناء المصري فالبعض “استكتر” النجاح عليه دون أن يقوم بدوره تجاه الأغنية المصرية، وآخرون اشتكوا من قلة الفرص في وجود حميد واضطروا في النهاية اللجوء للدولة التي أوقفته عن العمل لأسباب واهية جدًا رغم قدرتها على مواجهته فنياً.
كان لابد محاربة حميد بنفس سلاحه بالفن وليس بالهجوم الذي كان يحمل نوايا “نفسنة” وغيرة فنية انتهت بمصالحة في أوبريت الحلم العربي وكأن شيئًا لم يكن.
بدوره الجمهور الذي يبدي سخطه على مايحدث الآن ويبكي الحال الذي وصل إليه الفن هو نفسه الجمهور الذي رفع موسيقى الجيل إلى سموات عُليا من النجاح والشهرة رغم تشابه الفترتين في الركاكة والسطحية.
الجمهور الذي هاجم شاعر لمجرد استخدامه أسامي البنات في لأشعاره، تناسى أن حميد فعلها من قبل هو نفسه الجمهور الذي يدعي الفضيلة ويهاجم التحرش رغم أن كلمات أغنيات موسيقى الجيل كلها تحريض على التحرش.
يقف هذا الجمهور الآن، كحائط صد ضد أي هجمة ضد فن الثمانينات والتسعينات، ويكفي المرور على أي منصة تحميل أو مواقع رفع إليكترونية لترى البكائيات والكربلائيات على زمن موسيقى الجيل الجميل.
إقرأ أيضاً
كل ما تريد معرفته عن موسيقى الكانتري .. اصلها وتاريخها وطبيعتها
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال