ما فعله السيتكوم في جيل الثمانينات.. هل دمر مفاهيمنا عن الواقع؟

«فريرندز»، و«هاو آي مت يور مازر»، و«تو آند هالف مِن»، وغيرهم من مسلسلات السيتكوم الجميلة التي نشأ وتربى عليها جيل الثمانينات وشكلت جزءًا كبير من وجدانه، ولكن!

فريندز .. أيقونة السيتكوم

حينما شاهد الجيل الجديد مسلسل فريندز حينما عرض على شبكة نيتفلكس؛ بدأت تنهال الانتقادات منهم على تويتر، مشيرين إلى بعض المعايير المجتمعية والتي قد تكون عنصرية بل وتافهة أحيانًا، وبعد الغضب من هذا الجيل؛ نظرت نظرة ثاقبة على السيت كوم؛ لأجد أن كلامهم لم يكن بعيدًا عن الواقع كثيرًا.

اقرأ أيضًا 
محمد منير ويحيى خليل .. فين الحقيقة يا خال ؟

مسلسل تو آند هالف مِن أكثر المسلسلات القريبة إلى قلبي، ولكن بعد تحليل المسلسل بعين محايدة و-رغم أنني لست نسوية- ؛ وجدت أن المسلسل بكل المقاييس معادي للمرأة، فكل شخصيات المسلسل النسائية بها علة تجعلها لا تطاق.

الأم أنانية ولا تعتني بأطفالها وتشرب الكحول أثناء الرضاعة والحمل وبطلين المسلسل يكرهان والدتهما ويتمنيان لها الموت، وحينما يُقدم هذا الشعور بشكل كوميدي؛ تكون خطورة تسلله إلى العقول أكبر.

والزوجة السابقة لأحد الأبطال مستغلة ماديًا وكارهه للجنس، وفي نفس الوقت متعددة العلاقات والتي تبوء في النهاية بالفشل بسببها هي، أما الشخصية النسائية الرئيسية الأخرى فهي شخصية مريضة نفسيًا تطارد البطل وتحبه دون أمل وتتصرف تصرفات كلها جنونية.

ومرة أخرى أرى في مسلسل فريندز وهاو آي مِت يور مازر؛ تسطيح للأفكار، حيث أن شخصية تيد وروس وهما الشخصيتان الأكثر ثقافة بين الأبطال؛ دائمًا ما يكونا محل سخرية ورفض من اصدقائه وكأنه هو الخطأ وهم الأصح، وكأن الشخص المثقف هو الذي يجب أن يتعرض للتنمر، وهو الأمر الذي تحول إلى جزء متأصل في المجتمع العربي والغربي، وإن لم يكن السيتكوم هو السبب في ظهوره، فهو على الأقل لم يقلل من وطأته.

أما عن بارني ستينسون وهو من أكثر الشخصيات المحبوبة في هاو آي مِت يور مازر؛ فهو طوال الوقت يروج لنبذ البدناء، والنفور من المرأة بعد أن تتعدى سن الثلاثين، وبالطبع في المسلسل أصدقائه ينهرونه عن تلك الأفعال ولكن في نفس الوقت التأثير النفسي للدراما على اللاوعي وطأته أكبر ولا ندركها، فشخصية محبوب مثل بارني ستترك أثر في قناعاتك سواء شئت أو أبيت.

مسلسل فريندز – وهو الأقرب إلى قلبي بالمناسبة- من المفترض أن يمثل الأصدقاء فيه المجتمع الأمريكي، وكأنهم نموذج مصغر منه، ولكن اختيار الشخصيات والممثلين لم يندرج تحت بند اختيار عينة عشوائية من المجتمع، فلم يكن هناك شخصية اسيوية رئيسية، وأفريقية، ولا حتى لاتينية، وكل الأبطال بيض البشرة، وحتى حينما ارتبط روس بشخصية آسيوية تركها من أجل رايتشل، وحينما ارتبط جوي بشخصية سوداء البشرة، تركها من أجل رايتشل أيضًا.

بشكل شخصي، لا أنكر أن بعض الدروس الإيجابية قد تعلمتها من مسلسلات السيتكوم، مثل دعم الصديق أي كان ما يسعى لتنفيذه مثل فريندز، وإن علاقة الحب الطويلة يمكن أن تكون جميلة ورائعة مثل ليلى ومارشال، وان الفتاة القوية لا يجب أن تكون وحيدة مثل روبن، ولكن في المقابل هناك بعض الأشياء الطفيفة كانت تحبطني أيضًا.

وهو شكل حياتهم اليومي، فكل تفصيلة من حياتهم اليومية تبدو في منتهى الشياكة وتثير بداخلك الشغف ولكن حينما تفعلها على أرض الواقع لا تشعر بنفس الشياكة، وتفصيلة صغيرة اخرى قد يراها البعض تافهة ولكنها على مستوى اللاوعي قد تكون مؤثرة جدًا؛ وهي الشكل الذي يظهر به كل أبطال السيت كوم وحتى الشخصيات غير الرئيسية حيث تجدهم يرتدون ملابس انيقة طوال الوقت ولا تظهر ملابس البيت الا قليلًا، وشعر البطلات دائمًا مهذب ولامع.

إقرأ أيضا

النظام الجديد لدوري أبطال أوروبا.. “أنا فهمت نصفه”!

وإذا ظهرت امرأة بشكلها الطبيعي دون فرد شعرها ودون ماكياج؛ تكون مادة خام للضحك في المسلسل وكأنها منبوذة عن سياق المجتمع، في حين أن هذا الشكل الذي تكون عليه 90 % من البنات والسيدات اللاتي يشاهدن السيتكوم؛ الأمر الذي يسبب إحباط لهن.

وكفتاة عاشت مع والدتها حتى سن الثلاثين وكنت أعيش معها وحدي بعد وفاة والدي، كانت شخصية هوارد وولويتز في مسلسل بيج بانج ثيوري وعلاقته بأمه التي كانت مصدر سخرية كل الأبطال؛ تشكل لي مأزق نفسي دون أدرى لمدة طويلة.

في النهاية أنا لا أقول أن يجب علينا أن نكره السيتكوم ونقاطعه، ولكن ما اتمناه أن نشاهده بوعي فهو يرسخ خرافات عن حياتنا اليومية لن نجدها على أرض الواقع حتى لا نصاب بالإحباط أو باختلاط المعايير.