425 مشاهدة
يوميات القلق…القلق من المشاعر
بمجتمعنا العربي نعاني من كبت مشاعرنا، وكذلك إيجاد طرقا للتعبير عنها.
تربينا على أسلوب النقد الدائم لتصرفاتنا والتحذير من الحرام على طول الخط، فأصبحنا نخاف من مجرد مشاعر.
يشعر بهذه الأزمة بشكل أعمق الرجال؛ لأن الرجال تربيتهم تكون قائمة على فكرة أن الرجل كائن لا يحق له أن يعبر عن مشاعره وإظهارها، خاصة لو كانت تتعلق بالحزن أو الحب.
كنت مدرسة بإحدى المدارس اللغات عندما سمعت مدرسة التربية الدينية تنهر طفلا من أطفال الروضة لأنه بكى!
قالت بصوت مسموع للفصل كله: الراجل ما يعيطش.
فجعلت من هؤلاء الصغار رجالا، وحرمت عليهم البكاء. فيما انتظرت انصرافها وقلت للصغار ببساطة، أن الله أعطانا نعمة الدموع كي تطهرنا من الحزن، ولو الراجل ما يعيطش، فلم خلق له دموع من الأساس؟
يوميات القلق…الكمامة لا تزال على وجهي
الحزن والحب والرغبة والغيرة والشعور بالضعف؛ كلها مشاعر عندما نشعر بها نشعر بالقلق.
المصابون باضطراب القلق العام تحديدا تؤرجحهم أفكارهم باليوم الواحد عشرات المرات، وخاصة لو كانت هذه الأفكار حول ما يشعرون به.
الغيرة على سبيل المثال شعور نشعر به أحيانا لأننا بشر، ولكن تربينا أن من يشعر بالغيرة حتما شخص حاقد أو حاسد.
ولكن الشعور بالغيرة أمر طبيعي، غير الطبيعي أن يدفعنا هذا الشعور لحسد الغير على نعمة ما بيده أو إيذائه، بينما يمكن أن تدفعنا الغيرة مثلا لمزيد من المجهود بمجال ما ومن ثم المزيد من النجاح، ويسمونها “غيرة حميدة” لهذا السبب
فكلما كان الشعور مجرد شعور ولم يتحول لسلوك مؤذي، فأنت في السليم.
ونحن لا نستطيع التحكم بمشاعرنا، ولكن نستطيع فقط مراقبتها كي نفهم السر ورائها ومن ثم الشعور يهدأ مثلا بداخلنا.
فجميعنا نشعر بالغيرة ولو للحظات من أحد أو على أحد نحبه، ولكن لم نتربَ على أن هذا أمر طبيعي.
ذات يوم سمع صديقي فتاة يعرفها تنهر طفلها لأنه قال: أنا غيران من صاحبي فلان.
فتدخل صديقي وحاوره بهدوء أن لا عليك يا صغير، ولكن تذكر أنت تمتلك ألعابا أخرى ونعما مختلفة عن فلان زميلك في الفصل.
ببساطة شديدة ودون تعنيف للطفل حاوره أن شعوره يمكن أن يهدأ لو فكر قليلا أنه يمتلك أشياء أخرى..
واصحاب اضطراب القلق العام موعودن بالشعور بالذنب وجلد الذات؛ لذلك عليهم فهم مشاعرهم جيدا وأن يتفهموا أننا لسنا بملائكة.
فالبعض يجلد ذاته عندما يضبط نفسه و وقع في الشعور مثلا بالغيرة.
وكما أن المجتمع يحرم على الرجال البكاء والبوح بمشاعرهم بأريحية، فلدينا أزمة كبيرة عند الفتيات عند شعورهن بالرغبة في شخص ما.
فيرجع أيضا للتربية فكرة أن الشعور بالرغبة في حد ذاته عيب، وان الفتاة خاصة يجب أن تتسم بالحياء، فيما في الواقع لقد فطرنا الله على الشعور بالرغبة في الجنس الآخر.
والوازع الديني لا يجعلنا ننكر البوح ولو لأنفسنا في الرغبة بشخص ما وقعنا في حبه.
فالله لا يحاسب الانسان سوى على سلوكه، لا على مشاعره، وهذا ما لا يعرفه الكثيرون.
واضطراب القلق كما قلنا يتغذى على أفكار جلد الذات وتعنيفها. ومن الاشياء التي تقلل معدل القلق التصالح مع المشاعر دون جلد لذاتنا مهما كانت هذه الأحاسيس.
نحن ناضجون بما يكفي كي نراقب أحاسيسنا ونعرف ما ورائها، فلو شعرنا باحساس غير مريح وتحدثنا مع أنفسنا بثقة المتصالحين الصادقين حول هذا الاحساس وما ورائه، قل الشعور غير المريح وحده.
عندما تصل للسبب الذي جعلنا نشعر بشعور ما، وحاولنا إيجاد حل لما جعلنا نشعر بمثله، تنتهي المشكلة بنسبة كببرة، ويعالجها أيضا الوقت.
فقط عليك أن تهدأ كي لا يصطادك القلق مرة أخرى، وبالمقال القادم سنتحدث عن أكثر من شعور يولد القلق أحيانا لو لم نتصالح معه.
الكاتب
ما هو انطباعك؟
