همتك نعدل الكفة
652   مشاهدة  

تحية سريعة إلى مجموعة ” خمس ورقات” لمحمد العريان

خمس ورقات محمد العريان


تذكرك المجموعة القصصية “خمس ورقات” لمحمد العريان والصادرة عن دار المحروسة بانتمائها إلى سلسال القصاصين الكبار في مصر كيوسف إدريس ويحيى حقي، تحديدا في الشكل الكلاسيكي الذي اختاره، هل الكلاسيكية أو أنواع التجريب تهم في شيء أمام الموهبة والإتقان، في ظني طالما الشكل هو الأفضل لنقل مضمون ما أراد التعبير عنه، فلا يهم، كل ما يبغيه المرء في النهاية هو قراءة قصة جيدة. هذا إذن قاص موهوب محترف، رغم أنها مجموعته القصصية الأولى في قرار يبدو أنه تأخر كثيرا، يتقن اللعبة الدرامية في أبسط وأهم وقواعدها: كيف أحكي حكاية لا ينقصها التوتر.

خمس ورقات

لذا فما أن تشرع في قراءة القصة الأولى حتى تجد نفسك مجبرا على استكمالها. اللعبة البسيطة المؤثرة التي لا تفقد حيويتها مع تكرارها كتيمة عبر القصص: هي بطل يوضع في موقع ضاغط يكشف شيئان: سوط الفقر وصوت الحلم داخله، حلم مضاد لواقعه لا يمكن تحقيقه على بساطته إلا داخل رأسه، يحظى بأمل ما قد يحل بعضا من مشاكله، لكنه يصير ذلك الأمل في خطر داهم، تتصاعد الأحداث دفاعا عن هذا الأمل، الذي تنكشف هشاشته عند الوصول إلى ذروة ذات نهاية مفتوحة، يترك فيها بطل القصة وهو على شفا الانهزام، لكنه يتشبث بكل ما أوتي من قوة بالأمل الضعف، مقاومة دون كيشوتية الطابع نعلم أن لا طائل منها، لكن دونها تفتقد تلك القصص معناها الإنساني.

لا يختلط الحلم بالواقع في ذهن البطل إلا عندما يعبر خط الجنون، وهو ما لم يحدث إلا في قصة واحدة” العملية يوسف”، لكن عن طريق هذا الفارق تظل المأساة حاضرة بدم طازج، القدرة على الحلم والأمل، فيحافظ بتلك الحيلة على شعورك كقارئ بالموجع في الأمر دون أن تميته داخلك الميلودراما، ناجيا من الفخ.

في قصة خمس ورقات مثلا، يحصل بطل القصة على جمعية لا تزيد عن 245 ورقة من فئة المائة جنيه بتعبير القصة نفسها أي ما لا يزيد عن 25 ألف جنيه، ظل يجمعها لمدة 4 سنوات يقتطعها من مرتبه، يحاول أن يعود بها إلى بيته سالما، وعبر صراع بسيط هو توفير ورقة واحدة ثمن أجرة التاكسي، كما يتصرف دوما من يعيش تحت وطأة الفقر، فيضطر إلى ركوب المواصلات العادية بالمبلغ، أثناء ذلك لا يفعل سوى الحلم بما يمكن أن يفعله بالمبلغ، وقبل أن يقترب من المحطة النهائية إلى بيته، يحول محمد القصة إلى مغامرة يرتفع فيها التوتر والتشويق إلى مداه، فأثناء انتظاره للمواصلة الأخيرة، يقرصه الجوع فيقرر أن يستجيب لمتعة صغيرة: أن يأكل تين شوكي، تلك الرغبة التي تكلفه مطاردة مع بلطجية وصراع موت، في النهاية، لا ينجو من الحصار، لكن كل ما يتوصل إليه هو أن يراهن قائد البلطجية على خمس ورقات، يربحهم من يفوز في لعبة دومينو على مقهى، وتنتهي القصة دون أن نعرف مصير اللعبة.

خمس ورقات

إقرأ أيضا
زوجة حسن الصباح

الحكي ببساطة، ينبغي تثمينه أيضا، أولا لأنه ليس أمرا سهلا، بل في حالات كحالة المجموعة القصصية المتميزة لمحمد العريان، تكون دليل عافية الموهبة، فأحيانا ما نضطر ابتلاع الافتعال، نقص الموهبة والإتقان تحت مسمى التجريب، وهو أمر يسئ لقرار التجريب نفسه والذي أعده قرارا فريدا يتخذه فنان ذي مخيلة وجرأة لا تنقصه الرغبة في الاستكشاف بل وتمهيد الطرق.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان