“الثوابت الوهمية” حد الردة (1) ثابت أم خلافي

حد الردة واحد من أشد الأحكام في الشريعة الإسلامية.. وعقوبته هي الموت ضربًا بحد السيف، وبموجب هذا الحد اغتيل د. فرج فودة وتعرض نجيب محفوظ للطعن وأُهدِر دم سلمان رشدي وغيرهم كتير من الأسماء اللي عاشت أو مازلت عايشة مهددة أن مسلم ما يتطوع وينفذ فيها.. حد الرِدة. مشايخ كبار وليهم جمهور وتلاميذ قالوا بوجوب قتل المرتد زي القرضاوي والشعراوي.

طالع
حلقات سلسلة الثوابت الوهمية

أنا عن نفسي عشت سنين مؤمن بالكلام ده.. صبيت لعناتي على سلمان رشدي وشمت في شتات د. نصر أبو زيد وفرحت لاغتيال د. فرج فودة ولم يحزنني إلا نجاة نجيب محفوظ. بس هل الكلام ده فعلًا مُسَلَم به زي الصلاة والصوم ولا فيه قولان؟..

بعد خروجي -بحمد الله- من مستنقع التطرف الديني شرعت في البحث عن مدى مشروعية هذا الحد اللي خلاني أفرح لقتل وتشريد بشر لا أعرفهم ولا يعرفوني ولا حتى أزوني في شئ، والأهم أني وقتها كنت زي قاتل د. فرج فودة ماقريتش أي حاجة من كلامهم، إنما مواقفي كانت مبنية على فتاوى أسماء لامعة في معسكر التطرف الديني أمثال متولي الشعراوي.. د. محمد عمارة.. وجبهة علماء الأزهر ذات نفسها.

كل الآراء السابق ذكرها تندرج تحت بند “الفقه”، والفقه كفكرة ظهر بعد وفاة النبي، فبوفاة النبي ظهرت الحاجة للتفسير واستنباط الأحكام الدينية، فبدء ظهور الفقهاء والمفسرين واللي كلامهم مش أكتر من فهمهم للمسألة أو رأي كل حد فيها.. على عكس كلام النبي اللي كان بطبيعة الحال قاطع لا يرد عليه، فقط في الأمور الدينية.
بالبحث أكتشفت أن على مستوى الفقه فيه خلافات، فزي ما فيه أسماء حديثة مؤيدة لقتل المرتد فيه أسماء تانية بتعارضه منهم مثلًا شيخ الأزهر السابق الشيخ/ محمد سيد طنطاوي.

كمان فيه أسماء تاريخية حصل بينها خلاف حول عقوبة المرأة المرتدة البعض قال بقتلها والبعض قال بسجنها، وبشكل عام الفقهاء المتفقين على قتل المرتد أختلفوا حوالين تصنيف المرتد.. بالتالي وجوب قتله من عدمه، بعضهم قال أن أي مرتد يستتاب 3 أيام وبعدها يقتل لو لم يتب.. وبعضهم قصر عملية القتل على المرتد اللي يعمل على محاربة الدين فقط، أما المرتد اللي قاعد في حاله فيستتاب وإذا لم يتب ينفى من بلاد المسلمين.
ما سبق من خلافات صحيح مش كبير قوي إذا تمت مقارنته بخلافات فقهية تانية.. لكن يظل خلاف مهم، خصوصًا لما نكون بنتكلم عن حد من الحدود، ومافيش حد تاني من الحدود عليه أي قدر من الخلاف رغم إنهم أبسط منه على مستوى العقوبة (باستثناء حد الزنا اللي هنفرد له جزء مستقل)، فخلونا نتنقل من البحث في الفقه للبحث في مصدر تاني.
خلونا نتعرف على كيفية تعامل صحابة النبي مع المرتدين عن الإسلام بعد وفاته، ودي بالذات تفصيلة من اللي بيعتمد عليها كتير من المدافعين عن وجوب حد الردة، فمن المشهور تاريخيًا أن بعد وفاة النبي قامت حروب كبيرة باسم “حروب الردة” استمرت أغلب فترة خلافة أبو بكر الصديق، الخليفة الأول.

مسمى “حروب الردة” بيوصل بشكل أوتوماتيك إنها حرب قام بيها المسلمين المتمسكين بدينهم ضد مسلمين تانيين أنكروا الإسلام، وفعليا هو ده اللي بيتم ترويجه، فبقت المعلومة المنتشرة هي “أن بعد وفاة النبي فيه مجموعات من العرب كفروا بالإسلام.. فتحركت جيوش المسلمين بأوامر من الخليفة الأول أبو بكر الصديق وحاربتهم وانتصرت عليهم”. والمعلومة المنقوصة دي بتؤخذ في حد ذاتها لتأكيد على صحة “حد الردة”.. لذا وجب تفنيدها، وتوضيح إننا لو شوفنا الصورة كاملة هنلاقيها اللحظة المفصلية اللي اتطرح فيها عند الصحابة سؤال الإسلام دين ولا دولة؟، فاختار أبو بكر أن يكون دولة ونجح في تسييد اختياره/رؤيته/مشروعه، واللي واحد زي عمر بن الخطاب كان ضده وشايف كل قبيلة مع حالها عادي.

إقرأ أيضا

بعيدًا عن كليشية الفسيخ والبيض الملون .. كيف كانت الاحتفالات الحقيقية بشم النسيم؟

هنكتشف أن من الأدق يكون اسمها “حروب الوحدة” أو “حروب التأسيس”، لأن أعداء “الدولة” وقتها مش بس مرتدين عن الدين إنما كان فيه ناس مش مسلمين أصلا وأدعوا النبوة جوه قبائلهم زي “سجاح”، وفيه ناس فضلوا على الإسلام بس أنكروا فرضية الزكاة، وفيه ناس فضلوا مسلمين وما أنكروش الزكاة إنما رفضوا دفعها لبيت المال “المركزي” في المدينة وفضلوا إنشاء بيت مال “محلي” في داخل قبيلتهم.
تفاصيل كتيرة هنحتاج نفرد لها الحلقة الجاية كاملة، بس رجاءً الناس اللي داخلة جديد وبالصدفة دي أول حلقة يقروها.. ضروري جدًا يدخلوا يقروا الاتفاق.