سيرة الملكة أمينة .. رهينة الصورة الذهنية عن قارتها

مقدمة لابد منها

صناع الدراما مش ملزمين يقدموا الأحداث التاريخية بحذافيرها زي ما حصلت، يوسف شاهين لما عمل فيلم الناصر صلاح الدين كان عنده رؤية متماهية بشكل أو أخر مع المشروع القومي العروبي.

فقدم صلاح الدين في صورة القائد العربي المثالي، وقدم كمان شخصية عيسى العوام، المقاتل المسيحي المخلص والمقرب جدا من القائد المسلم. لأنه دراميا عايز يقدم صورة حية لشعارات زي “الدين لله والوطن للجميع” وأن القومية العربية تساع الجميع… إلخ.

في حين الواقع التاريخي مافهوش التفاصيل دي نهائي، صلاح الدين كان كُردي وشخصيته بعيدة تمامًا عن المثالية الإنسانية بتاعت الفيلم. وعيسى العوام كان عربي مسلم.. يعني ماكنش فيه معركة فاصلة يوم عيد الميلاد وتم تأخيرها في لحظة تعانق صوت جراس الكنائس مع صوت أدان الفجر.. ولا أي كلام من ده.

أهمية التصنيف

تركيبة دراميًا حلوة ومتنفذ كويس، خلطة فنية مهمتها إنها توصلّنا مضامين صانع العمل عايز يوصلهالنا، بس مش مرجعية تاريخية نبني على أساسها مواقفنا وتصوراتنا عن العالم.

مهتم تدور على التاريخ عبر الأعمال الفنية، يبقى مافيش غير التركيز في نوع العمل.. أو تصنيفه، فيلم درامي.. يبقى ماينفعش، إنما لو كان العمل مصنف “تاريخي” أو كان أساسا “ديكومنتري” أو “ديكيودراما”.. كده تمام تقدر تعتمد عليه بنسبة كبيرة، تفضل دايمًا فيه نسبة للسهو والخطأ في كل المصادر.

الكلام نقدر نسحبه على مسرحية ريا وسكينة أو فيلم وا إسلاماه أو فيلم “الملكة أمينة” المعروض حاليا على منصة نيتفيلكس.

قوة الصورة المتخيلة

الصورة المتخيلة أو الصورة الذهنية المسبقة ليها تأثير كبير ع العقل البشري، خصوصًا العقل الجمعي.

حدانا مثلا إحنا كمجتمع من ضمن ثوابته “السلبية” أن الأنثى لازم تكون تابع لذكر ما وده لإنها غير قادرة على الاختيار الصحيح أو مواجهة مصاعب الحياة، وضل راجل ولا ضل حيطة، وهاتيلي راجل أكلمه،.. إلخ.

بالتالي شئ طبيعي جدًا أن يكون عندنا نسبة كبيرة من الستات سواقتهم بعافية، لأن سواقة العربيات هي عملية قيادية بحتة.. وغالبا الشخص “أي شخص” ثقته بنفسه مهزوزة مش هيكون بارع فيها.

بعيد عن دقة النسب.. وبعيد كمان عن أن السواقة حدانا أشبه بخناقة في خمارة القط الإسود، ماحدش فاهم مين فيها مع مين؟ ولا مين على مين؟ ولا يقدر أي حد “حتى المخرج” يتوقع مين ممكن يقوم يهبد اللي جنبه بكرسي.. وليه؟

خلينا نركز على تفيلة أو مثال محدد، جربوا كده تنشروا فيديو لواحدة سِت سواقتها عبيطة جدًا.. وفيديو تاني لسِت غيرها سواقتها جامدة جدًا، وتابعا بنفسكم التفاوت بين كم التفاعل على كل فيديو، ده غير أنهي فيديو الناس هتتعامل معاه بوصفه رصد “طبيعي” للواقع وأنهي هيتم التعامل معاه بوصفه طفرة عن “الطبيعي”.

الملكة أمينة في الدراما

فتاة صغيرة ابنة ملك زازو، كبير الممالك السبعة، لها أخت وحيدة بتموت خلال واحدة من المعاركة المتنفذة بشكل ردئ. كل شئ يخص قسة أمينة الدرامية مرتبط بالسحر، الصورة الذهنية/المتخيلة عن أفريقيا.

المقاتل اللي بيتولى تدريبها هو ابن أشهر ساحرة، هي نفسها محصنة بتعويذة سحرية، الأسير اللي بتحبه هو راخر محصن بتعويذة سحرية، لسبب مبهم بتروح تقابل الساحرة أم مدربها فتطلب منها مساعدتها في جلب دم من بير معين لاستكمال تعويذة سحرية تضمن لأمينة استكمالها مصيرها المنتظر… وهكذا لغاية ما في الأخر تخوض معركة مع مستشار أبوها الخاين اللي اغتاله أستولى على عرشه، بس ماتنجحش في قتله غير بعد ما تبطل التعويذ السحرية اللي بتحميه من الموت.

ويبدء الفيلم “الروائي” بجملة تعريفيه للمرحلة التاريخية، بدون أي أبداء أي تعريف تاريخي دقيق بالتفاصيل.

تصويبات تاريخية

أمينة كان ليها أخ ذكرأصغر منها اسمه “كرامة”، ماجتش سيرته في الفيلم، وهو اللي ورث العرش بعد أبوهم ما مات بشكل طبيعي، مش مسموم ولا حاجة.

ماكنش فيه ما يمنع أمينة إنها تكون ملكة، أه كان فيه أولوية لأخوها بوصفه ذكر، بس لما مات تولت السلطة بدون مشاكل، عكس ما ظهر في الفيلم من رفض مجتمعي للفكرة وأنها دخلت حرب أهلية عشان تسترد عرش أبوها المغتصب.

أه الحاجات دي كانت حلوة في الدراما وشيقة كده ومسلية.. بس مش حقيقية بتاتا.

والأهم أن أمينة كانت أميرة لمملكة مسلمة، فهل تفضيل أخوها الأصغر عليها ده ابن ثقافتها المحلية ولا نتاج الثقافة الوافدة مع الإسلام؟، ده سؤال الفيلم ماجوبش عليه ولا طرحه أساسًا.. ولا أصلا شاور على أن المملكة دي عايشة تزاوج بين ثقافتها المتوارثة وبين ثقافة العرب، بدو جنوب غرب آسيا، الواردة مع الإسلام.

إقرأ أيضا

ماذا ترك الاحتلال البريطاني في مصر؟

الدراما V.S التاريخ

القصة التاريخية للملكة أمينة مختلفة تمامًا عن قصة الفيلم وأحداثه، حتى أن قصة مملكة زازو نفسها مختلف عن ما ورد في الفيلم الروائي بشكل كبير جدًا.

مملكة زازاو… الإسلامية

واحدة من 7 ممالك شكلت المجد العسكري لقبائل الهوسا في نيجيريا، أيام ما كانت مسيطرة على طرق التجارة جنوب الصحراء، وكونت ثروة من تجارة الجلود والمنسوجات والملح والكولا.

الهوسا هي أكبر التجمعات العرقية في نيجيريا، حوالي 25% من السكان، وتتمركز في شمال نيجيريا (حيث تجليات حركة بوكو حرام حاليًا)، ومن رحم تلك القبائل ولدت الملكة أمينة حوالي عام 1533 في مقاطعة زازاو المسماة حاليا بزاريا. (وللهوسا وجود في مختلف بقاع القارة).

ما لم يرد في الدراما

رغم أن عصر أبوها كان يمتاز بالسلام والرخاء عن طريق الاهتمام بالتجارة.. إلا أن الملكة أمينة قادت، قبل ظهور حركة بوكو حرام بقرون، حروب كتير ضد جيرانها للأسباب اقتصادية ودينية في نفس العبوة، أو زي المثل الشعبي ما بيقول: حِجة وتجارة.

أمينة التاريخية

الأبنة الكبرى لملك زازاو، ليها شقيقين أصغر منها، ولد وبنت، البنت بتختفي في ظروف غامضة والولد بيستلم العرش بعد أبوه. وبيموت بعد عشر سنين.. فتستلم أمينة السلطة بلا مشاكل أو موانع بسبب النوع.

في سن مبكرة أتدربت عسكريًا، وفي شبابها خاضت معارك مع شقيقها “كرامة” لتوسيع المملكة تحت شعار “نشر تعاليم الإسلام”.

حكمها استمر أكتر من تلاتين سنة، اهتمت خلالهم بتطوير الجيش وتحديث التسليح.. فدخلت صناع الدروع والخوذ الحديد، كمان صممت بنفسها الأسوار لحماية مملكتها ومستعمراتها، وعدد من الأسوار دي لسه عايش لغاية النهارده ومعروف باسم “أسوار الملكة أمينة”.