العلمانية هي الحل 03) التدين بيوقف الحال
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
في الحلقة الأولى اتعرفنا على تعريف العلمانية ، وفي الحلقة التانية اتعرفنا على أزمة الدين مع الحداثة، وزي ما اتفقنا هنبدء من الحلقة دي نستعرض التأثيرات السلبية لهيمنة الخطاب الديني على المجال العام، والحلقة دي زي ما باين من عنوانها هنتكلم عن المشاكل الاقتصادية.
في موضوع سابق أتكلمت في عجالة عن تسبب فتاوى الشيخ الشعراوي في كساد مجالات اقتصادية كاملة بدعوى الحرمانية، بس هتكلم هنا عن الموضوع بشكل أوسع وأكتر دقة.
أسطورة الاقتصاد الإسلامي
مبدأيًا محتاجين نفكك وهم اسمه “الاقتصاد الإسلامي”، ونوضح أن الإسلام ماقدمش تصور اقتصادي خاص بيه، ودولة الإسلام، من بدايتها بقيادة النبي محمد في المدينة وطوال عصور الخلافة تبنت النظام الموجود في “عصر الأمبراطوريات الكبرى” والمعتمد على الغزو والنهب والجباية بجانب الريع الإقطاعي. أما بالنسبة للتجارة فكان دور الدولة هو تأمين طرق التجارة جوه حدودها وتاخد مقابل ده رسوم مرور.. يعني دخلها الجاي من التجارة بيكون عن طريق الجباية مش التجارة نفسها.
كمان مهم تفنيد الحواديت الجميلة بتاعت عمر بن عبد العزيز كان بيدور على حد محتاج عشان يطلع له فلوس من بيت المال ماكنش لاقي، وأن عهده كان الرخاء رهيب لدرجة أن القائمين على خزائن الدولة رشوا كميات من الحبوب في الخلا عشان الطيور تاكل.
بعيد عن أن الحواديت مش منطقية والمبالغة فيها واضحة جدا، خلينا في النقطة الأهم.. وهي أن خزاين دولة الإسلام كان اسمها “بيت مال المسلمين“، يعني عمر بن عبد العزيز لما كان بيدور على حد محتاج.. كان بيدور وسط المسلمين بس، إنما غير المسلمين فأقصى دعم ليهم وقت الشدة إنهم يتعفوا من الجزية، أحد أهم مصادر تمويل بيت مال المسلمين.
والحالة الوحيدة المخصصة لغير المسلم للاستفادة من بيت المال هي إنه يكون من المؤلفة قلوبهم، يعني الدولة بتكفي نفسها شره أو بتشتري إسلامه.
مهم كمان نفتكر أن مسؤوليات دولة الإسلام ناحية رعاياها “المسلمين” أقل كتير من مسؤوليات أي دولة النهارده ناحية مواطنيها، من تعليم وصحة ومواصلات وصرف صحي.. إلخ.
وبشكل عام بعد هزيمة الاقطاعيين وانتصار الرأسماليين انتهى عصر الأمبراطوريات الكبرى وبدء عصر جديد فيه شكل مختلف للدولة ومفهومها وكيفية إدارتها ومعاه منظومة اقتصادية مختلفة وأكتر تعقيدا.
عشان أوصل لشرح مبسط مدى تعقيد وتشابك شكل الاقتصاد الحالي سألت الباحث السياسي، شادي العدل: هل ممكن تشرح لنا بشكل مبسط كيفية عمل المنظومة الاقتصادية؟.
الاقتصاد ودومينو الأسواق
الاقتصاد كعلم بالغ التعقيد، فأي منظومة اقتصادية تعمل وفقًا لديناميكية متداخلة ومبنية على تراتبية دقيقة، فعندما نذهب للتسوق من أي محل للخضار ونشتري كيلو من الطماطم بـ10 جنيهات -على سبيل المثال- نجد أن السعر الحقيقي لكيلو الطماطم ليس الجنيهات العشر.
لكن من الممكن أن يكون سعره فقط 2 جنيه، كسعر شامل مكسب الفلاح ورعاية الأرض، لكن بعد الحصد يتم وضع الطماطم في قفص من الجريد.. وليكن سعره 1 جنيه، شامل جمع الجريد وتصنيعه.
فيصبح هناك صندوق لوضع الطماطم ثم تحميلها على عربات نقل، تستلزم المشال وأجرة السائق وسولار السيارة وصيانتها من تغيير زيوت وقطع غيار وخلافه، كما يتم دفع ميزان وكارتة في الطريق لإيصال الطماطم للمدينة.
بعدها يتم تخزين الطماطم عند تاجر الجملة في مخزن يدفع له إيجار وكهرباء وحارس وغيره من التزامات بالمخزن. ثم تنقل مرة أخرى لمكان بيعها.. لتصل لنا بمبلغ 10ج.
مع الوضع في الحسبان أن كل هؤلاء يحققون مكاسب يدفعون عنها ضرائب تدخل مباشرة لخزينة الدولة.
وفقًا لهذا المثال، لو تعطل أي عنصر من عناصر المنظومة فلن تصلنا الطماطم، كذلك إذا تأثرت زراعة الطماطم بالسلب سيتأثر عامل الأقفاص والشيال والسائق وعامل البنزينة والميكانيكي و.. و.. و… حتى نصل لمستورد قطع غيار السيارات. وهكذا تدور عجلة الاقتصاد.
بالفهم البسيط ده لحركة السوق، أو كيفية دوران عجلة الاقتصاد، نقدر بقى نقدر مدى تأثير مصطلح “كساد قطاع” كذا، والكذا هنا مش الطماطم.. دي مجرد سلعة/فرع داخل القطاع الزراعي.
الفن
الخطاب الديني حدانا معادي للفن بشكل حاد وعلني، وفج أحيانا الشيخ كشك ووجدي غنيم نموذجًا، وده طبعًا له آثاره السلبية اقتصاديا، لما نطبق المثال اللي شادي شرحلنا بيه هنفتح قوس ونرص عدد لا نهائي من المتضررين بشكل مباشر من صغر حجم سوق الفن.
فتحت بند الفن كقطاع اقتصادي تندرج مجالات متنوعة وعلاقات كل منها متشابكة ومتشعبة، فمثلا انتشار الفنون التشكيلية يؤثر بالإيجاب على سوق الأقمشة وانتشار الفرق الموسيقية ينعش سوق الخشب.
ملحوظة
سياسيا الفن مهم جدًا، النازي بنى أسطورته بالإعلام المحلي.. وأمريكا كسبت الحرب الباردة بهوليود.. ده حتى عبناصر تزعم المنطقة بصوت العرب وحبب الشعب في الجيش بسلسلة أفلام إسماعيل يس.
عمل المرأة عورة
الخطاب الديني بخصوص الاختلاط وعمل المرأة معادي جدا، وداعم أكتر للتفكير الساذج والمؤذي جدا اقتصاديًا بتاع “البنت مستقبلها في بيت جوزها”.
طريقة في التفكير شكلها طيب بس نتيجتها تعطيل 50% من القوة الإنتاجية للمجتمع وتحويلها لشريان تفريخ كوادر لمهنتين مافيش غيرهم، الخدمة في البيوت أو السراير.
السياحة
ده قطاع تاني الخطاب الديني اشتغل ضده بضراوة، لدرجة أن كان له تجليات دموية في شكل عمليات إرهابية استهدفت القطاع ده بالتحديد.
قطاع السياحة برضه متنوع، وفيه تخصصات تقريبًا كلها الخطاب الديني المتجذر في المجتمع هيتصادم معاها.
فغير السياحة الآثرية والترفيهية اللي خدوا نصيبهم من الحرب، فيه مثلا السياحة الدينية، وده مجال كامل نمتلك منه مجموعة من المزارات المهمة جدًا وحتى المقدسة لمجموعة من الأديان، لدرجة تنافس القدس بجلالة قدرها. بلدنا مجمع أديان مهم إحنا عندنا مثلًا:
مسار العائلة المقدسة
مسار الخروج
اليهود كمان عندهم مزارات مهمة حدانا، زي مولد أبو حصيرة في البحيرة، ومجموعة من المعابد، ده غير بقى مسار خروج بني إسرائيل من مصر، وجبل الطور والتفاصيل الكتير من قصة موسى اللي دارت عندنا.. كل ده ينفع يتعمل مزارات ومش صعب يبقى أشبه بموسم حج يهودي.
مزارات شيعية
الصدفة العجيبة جمعت عندنا حاجتين يخصوا الشيعة:
- كتير من آل بيت النبي مدفونين هنا.
- الشيعة لما قدروا يأسسوا دولة اختاروا عاصمتها مصر، وهمه اللي بنوا القاهرة بما فيها الأزهر.
فبالتالي بلدنا قبلة مهمة جدًا للشيعة، لدرجة أن فيهم فرق منتظرة المُخلص هيظهر عندنا.
وماننساش أن مردود السياحة الدينية مش بس اقتصادي، إنما كمان سياسي.
البنوك و العلمانية
البنك هو قلب شكل الاقتصاد الحديث، بس إحنا لسه ثقافة التعامل مع البنوك عندنا بعافية جدًا، ورغم أن عندنا جيل مدخراته راحت في شركات توظيف الأموال، لسه فيه أجيال بتستحرم تحط فلوسها في البنك بس تديها للمستريحين.
عشان كده مش غريب خالص أن الإسلامجية لما بيوصلوا للسلطة في أي دولة بتنهار اقتصاديًا، ومستحيل تصمد بدون مصدر دخل ريعي، طريق تجارة أو مصدر مواد خام أو مزار ديني. وماعندهومش في أدبياتهم أي حلول منطقية مناسبة للعصر.
وقطاعات كتيرة بالكامل بتعاني من تضارب الخطاب الديني مع مصالحها، وكمان مجالات جوه قطاعات تانية برضه عندها نفس المشاكل، بقدر يستحيل جمعهم كلهم في المقال هنا.
الحلقة الجاية عن العلمانية نشوف الآثار السلبية، لتغول الخطاب الديني على المجال العام، في مجالات تانية زي الطب والبحث العلمي.
العلمانية هي احل
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال