تاريخ الوشم .. ٨ ألاف عام من الفن الشخصي
-
أحمد فكري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
من منا لم يرغب بمعرفة ما وراء هذا الفن الذي تحول إلى حرفة لها نقابات ورخص وصالونات خاصة؟ فلنتعرف على تاريخ أقدم الفنون التي تتعلق روحياً بالإنسان ومعتقداته: إنه الوشم.
إن العمر النظري لإكتشاف فن رسم الوشوم على الجسد هو ما يقارب الـ8000 سنة تقريباً، ولكن لكل شيء تاريخ نظري وعملي، وبالحديث عن التاريخ العملي لهذا الفن فقد بدأ فعلياً منذ 4000 عام قبل الميلاد، عند المصريين القدماء، حيث كانوا يقومون بالوشم على موميائاتهم، ويكرسون فكرهم العقائدي والديني من خلال الوفاء لهذه المبادئ عن طريق رسمها على أجسادهم.
تجعلنا بعض المعتقدات والأقاويل والروايات نؤمن تماماً أن رسم وشم كان له هدف منذ البداية يغاير القيمة الفنية التي يظفيها على جسد الإنسان، كما تجعلنا هذه الروايات نؤمن تماماً أن الوشم هو عبارة عن رسم الإنسان لمبدأ ما هو يؤمن به أو عقيدةٍ خاصة به أو ذكرى لأحد أحبائه الغائب عن حياته، بحيث أنه أينما ذهب ومهما حل به ستظل هذه الذكريات والمبادئ مرافقةً له على جسده و أمام ناظريه.
تعد اليابان من الأمم التي بدأت العمل بالوشوم قديماً في عام 400 قبل الميلاد، حيث كانت فكرتهم مشابهة لفكرة الوشم الترسيخية والأساسية، وهي إعلاء شأن المبادئ والمعتقدات وغرزها في الجسد لتخليدها والوفاء بها، وكانوا يستخدمون رسم الوشوم أيضاً للدلالة على المجرمين، ويرسمون وصفاً دقيقاً لملابسات الجريمة للتوصل إلى الفاعل.
ولاكتشاف تاريخ الوشوم، هاجر الكابتن ”جيمس كوك“ في عام 1700 إلى فرنسا، ثم إلى جزيرة تاهيتي أين حط الرحال، هذه الجزيرة التي يتحدث سكانها اللغة ”البولينزية“ وكانوا يطلقون على الوشم لفظ: ”تاتاو“، ومن هنا إقتبس الكابتن الانجليزي هذا المصطلح وجعله سهلاً على أبناء أمته ونقله لهم بلفظ ”تاتو“، وكان حال سكان هذه القرية كحال المصريين واليابانين القدماء، فكانت فكرة الوشم عندهم هي فكرة عقائدية وتتبعا لمبادئ ما وإيمانا بأشياء وترسيخا ووفاء لها عن طريق وشمها على الجسد، وقام الكابتن جيمس كوك بنقل كل هذه الافكار المتعلقة بالوشم عن سكان هذه الجزيرة إلى مختلف أنحاء العالم.
من القبائل التي أُشتهرت برسم الوشوم هي قبيلة الأزتيك، حيث كانوا يرسمون الأشكال الهندسية والتصاميم التي أخذوها عن شعب المايا والإنكا قبل بدء حضارتهم، وكانت وشوم النسر وشكل الشمس ورزنامة شعب المايا من أكثر الوشوم شهرةً في ذلك الوقت، ومن أشهرها على الاطلاق وشم ”الأميرة المحاربة“.
أما الأمريكون الأصليون ”Native Americans“، فقد ركزوا قبل المسيحية القديمة على ضم وشوم تبرز ولاءهم للقبيلة التي ينتمون إليها، وخاصةً قبائل ”الإيروكوا“ وقبيلة ”الشيروكي“، أما النساء فقد كن يوشمن لاظهار ارتباطهن، أي إن كن متزوجات أم لا، أو ليبين انتماءهن لقبائلهن.
وبالحديث عن الثقافات المحلية وموقفها من الوشوم ،فمن الجدير بالذكر قبائل الأمازيغ الذين يقبعون في شمال افريقيا حيث للوشم عندهم مكانة كبيرة، كما يعتبر من أهم الثقافات والعقائديات، ويعبر عنهم بشكل واضح وصريح، لانه تعبير عن هوية الإنسان الأمازيغي وكينونته وحضارته وإنسانيته ووجوده الأكيد فوق أرض ”تامازغا“ الكبرى أو ”أرض شمال أفريقيا“، وغالبا ما كان الوشم مقترنا بالمرأة، والتي كانت تستعمل الوشم للتزيين والتجميل والاحتفال بجسدها شعوريا ولاشعوريا، ومن هنا، فقد اكتسب الوشم في الثقافة الأمازيغية عدة وظائف جمالية، وسحرية، وعلاجية، وجنسية، وأنتروبولوجية، وهوياتية، واجتماعية، ونفسية، ووجودية، وتميزية وكونية.
تم أختراع آلة الوشوم الحديثة عام 1891 على يد مؤسسها ”سامويل أورايلي“ مستوحاة من آلة المرسام التي اخترعها ”توماس أيدسون“ عام 1877.
انتشرت حالياً حرفة رسم الوشوم واشتهرت عالمياً ولم تعد بالموضوع المعقد والمبهم، ومن أوائل الدول المشهورة بحرفة الوشم الآن هي: إيطاليا، وألمانيا، وبريطانيا، وروسيا وأمريكا الشمالية والجنوبية، وبعض الدول الآسيوية التي بدأت بها ثقافة الوشم ولكنها تراجعت مع الأيام ومنها اليابان والصين.
يتم رسم الوشوم بواسطة ماكينة مدورة لها إبرة حادة تتحكم بعمق الوشم ودخوله إلى طبقات الجلد، ويوجد بهذه الماكينة علبة صغيرة معدنية لتعبئة الحبر بها، ويعد رسم الوشم مؤلماً بحسب العمق الذي يريده الشخص، كما أن هناك آلات متطورة جداً يقوم الرسام بالتحكم بها عن طريق دواسة قدم.
ويراعى مع رسم التاتو التعقيم والنظافة وارتداء القفازات، لمنع إنتشار الأمراض الجلدية والتي تنتقل عبر الدم.
إن كنت تريد الحصول على تاتو، يجب عليك التفكير مليا في شكل هذا الوشم والمعاني التي يحملها، لأن التاتو يعبر عن شخصيتك وتوجهك الروحي، لذا توخ الحذر ولا تتسرع لأنه أبدي.
الكاتب
-
أحمد فكري
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال