سعيد شعيب: يجب تحويل مؤسسة الأزهر إلى مركز أبحاث
سعيد شعيب في حواره لـ موقع الميزان :
– يجب تجريم استخدام النصوص في نشر الكراهية والإرهاب
– حكام دول الشرق الأوسط يحاربون الإخوان في الشرق الأوسط ويدعمونهم في الغرب
– الجماعات المتطرفة انهزمت تنظيميًّا عسكريًّا فقط.. لكنها انتصرت أيديولوجيًّا
– مواجهة أصحاب خطاب العنف أمنيًّا ضرورة.. لكن لا بد من احترام حقوق الإنسان
“الخلافة” مشروع استعماري بدأته قريش منذ 1400 عام لاجتياح العالم مثل التتار
سعيد شعيب.. أحد صناع الصحافة الإلكترونية في مصر، حيث عمل مدير تحرير موقع اليوم السابع،وكان مستشارا لتحرير العدد من المؤسسات الصحفية والاعلامية، كاتب وباحث في الشؤون الإسلامية، صدر له العديد من المؤلفات في هذا الصدد، منها ما نشر بالعربية مثل “المسلمون في كندا وتحدي العيش المشترك، وإسلام أردوغان” ومنها ما نشر بالإنجليزية مثل “خطر الإسلام السياسي على كندا مع تحذير لأمريكا” وهو أيضا كاتب غير متفرغ بمعهد جيتستون الأمريكي، وباحث مشارك في معهد ما بعد ثورات الربيع العربي -جامعة مونتريال – كندا.
عدو لدود لجماعات الإسلام السياسي، خاصة الإخوان، كرس قلمه كثيرًا لنقض الجماعة ودحض أيديولوجيتها، يرى أن الحل للدول العربية والإسلامية يتلخص في تحقيق دولة علمانية ديمقراطية حرة، ورغم ذلك يرى أن أتاتورك ليس علمانيًّا، انتهزنا فرصة وجوده في مصر وكان لنا معه هذا الحوار.
– لماذا راهنت على الصحافة الإلكترونية؟
المستقبل للصحافة الإلكترونية، وهذا ما أكده الواقع، بل المستقبل لفكرة المنصة الواحدة التي تشمل كل أنواع الصحافة “التلفزيونية والدراما والسينما” فالعالم يتجه بشكل مباشر إلى أن يصبح كل شيء محمولاً على هاتفك، والصحافة الورقية سوف تنتهى تمامًا من العالم، إلا إذا كنت تريد نسخة من موضوع معين.
– هل حقًا تؤثر مواقع التواصل الاجتماعي في الصحافة الإلكترونية؟
نشرتُ دراسة حول هذه المسألة، وكيفية التخلص من سطو السوشيال ميديا ومواقع البحث مثل جوجل وغيره.. فمواقع التواصل والبحث تأخذ المنتج الخبري مجانًا، ثم تتحكم فى أمرين مهمين جدًّا، الأول عدد القراء الذين يصلون إلى الموقع، والثاني الإعلانات التي تصل إلى القارئ.
ودارت الدراسة حول أهمية تطوير المواقع الخبرية برمجيًّا بحيث يمكنها التفاعل مع القارئ، مثل مواقع التواصل الاجتماعي، ليعرف الموقع اهتمامات كل قارئ وتفضيلاته، ويُظهِر له المواد بناء على اختياراته السابقة، كأن يكون القارئ مثلاً مهتمًّا بأخبار الاقتصاد، فيعرض له أخبار هذا القسم أولاً.
لكن الأزمة أن المواقع الإخبارية لم تطور فكرة التفاعلية مع القراء، وهي إن تطورت سيتجه القراء إلى المواقع الإخبارية مباشرة، وليس عن طريق السوشيال ميديا التي تتحكم في ما يُعرَض للقراء.
وقد عرض الأستاذ خالد صلاح، فكرة لم يهتم بها الكثير للأسف، وهي عمل تكتلات من المواقع الإلكترونية والمنصات الإخبارية، من أجل التفاوض مع جوجل وفيسبوك وتوتير ويوتيوب، لبناء علاقة متوازنة من الناحية المادية.
وأرى أن هذا هو الحل للحفاظ على صناعة الخبر، لأنها للأسف مهددة في العالم كله، رغم أهميتها، فهي ضرورة أساسية لبناء أي دولة ديمقراطية، لأن صانع الخبر يُخبر المجتمع بما يحدث.
كيف ترى وضع جماعة الإخوان الآن؟
كل الجماعات الدينية مثل الإخوان وداعش انهزمت تنظيميًّا وعسكريًّا، لكنها للأسف انتصرت أيديولوجيًّا، فتنظيم داعش مثلاً، رغم هزيمته عسكريًّا، أثبت أنه يمكن تأسيس ما يسمى بـ”دولة الإسلام” المزعومة، وقد فشل هذا المشروع نتيجة لتدخل دول عظمى لردعه، لكن الأيديولوجيا ما زالت قائمة، وهي ببساطة تقوم على أن الإسلام دولة وخلافة.. وتوجد جماعة تسعى للتطبيق بقوة السلاح مثل داعش، وجماعة أخرى مثل الإخوان تستخدم آليات المجتمع للوصول إلى تحقيق تلك الأيديولوجيا.
ومما يزيد الخطر في الشرق الأوسط، أن الدول تعلم المسلم عبر المؤسسات الدينية وغير الدينية ان الإسلام دولة وخلافة ، وفي نفس الوقت عندما يلتحق أحد المواطنين بمن يحقق له مشروع الخلافة مثل “داعش” أو الإخوان يُلقى القبض عليه. وهنا يمكن القول بأن المؤسسات الدينية في الشرق الأوسط هي التي تجهز الجنود لتلك الجماعات، فلا تجد الإخوان أو داعش تبذل أي مجهود حيال هذا الأمر، لأن عقلية المواطن مشبعة بهذا الفكر من الأساس، لذلك أوكد أن هزيمة الجماعات الدينية كانت عسكرية فقط.
إذًا كيف نهزم الجماعات الإرهابية أيديولوجيًّا؟
بنشر نسخ جديدة من الإسلام تقول إن الدين ليس دولة ولا خلافة، ولم يكن كذلك ولا يجب أن يكون. والنسخة المنتشرة من الإسلام في العالم كله بها أزمة كبيرة، فمثلاً المسلمون في السودان خرجوا بالملايين يرفضون دولة الإسلام، ويرفضون الخلافة، وفي العراق أيضًا خرجوا بالملايين يرفضون دولة الإسلام سنية أو شيعية، فضلاً عن لبنان حيث خرج المواطنون بالآلاف يرفضون نموذج الدولة الطائفية، والدولة الإسلامية الشيعية التي هي في أساسها دولة الإسلام أيضًا، ومن ثم نرى أن هناك حراكًا بعد ثورات الربيع العربى لرفض هذا النموذج، وعلى الدول أن تشارك الجماهير هذا الحراك، عبر المساجد والمنصات المختلفة، وتؤكد على أن الإسلام لم يكّن دولة ولا خلافة، وإنما الإسلام استخدمه بعض قادة قبيلة قريش لصناعة دولة وامبراطورية، وكي يحصلوا على شرعية دينية لاجتياح العالم، مثلهم مثل قبائل التتار. فالخلافة كانت مشروعًا استعماريًّا من الدرجة الأولى، والإسلام أرقى من أن يؤسس لذلك، وأكثر إنسانية من أن يرضى بالسبي والنهب وتدمير الحضارات.
فلنتحدث عن مصر.. كيف تواجه عناد الأزهر في هذا الصدد؟
لو رجعنا بالزمن 10 سنين، لوجدنا أن تحديث الإسلام عمومًا لم تكن مثارة في مصر، إذ كانت المؤسسات الدينية التي تتبنى أيديولوجية الإسلام الاستعماري، هي التي تحتكر الإسلام والمسلمين لكن كل هذا حاليًّا صار محل نقاش على الملأ، مثلما نجح إسلام بحيري في تحويل التحديث الديني إلى موضوع شعبي، وحطم أسطورة الأحاديث، ورشيد هلال في المغرب الذي حطم أسطورة البخاري، ومحمد المسيّح الذي يبذل جهدًا كبيرًا في الكشف عن مخطوطات القرآن.
ومن هنا يمكن القول إن احتكار المؤسسات الدينية للإسلام وشروحه انتهى، بفضل وسائل الإتصال الجديدة (سوشيال ميديا واليوتويب وغيرهم) فلا يستطيع شيخ الأزهر -مع كامل الاحترام له- أن يحتكر الإسلام. وهنا يجب علينا أن نشكر تنظيم “داعش” لأنه قدم النسخة الاستعمارية من الإسلام بالحرف، ما جعل كثيرًا من المسلمين يرفضون القتل والسبي، ويرون أن ما حدث في الأندلس وغيرها كان استعمارًا، ويتساءلون: كيف نستعمر الآخرين ونرفض أن يستعمرونا؟ وكنت قد كتبت من 25 سنة أن الأندلس استعمار استيطاني، ولم يصل صدى ما كتبت إلا بعد ربع قرن.
وما شكل الإسلام الذي يجب تصديره للناس؟ وبمن يناط؟
إسلامات إنسانية، ترفض بحسم استخدام النصوص المقدسة في تبرير التمييز والعنف والكراهية وترفض التمييز بين الناس، تجعل المسلم يعيش سعيدًا ومحبًّا لنفسه وجيرانه وللحياة. وهذا دور المفكرين والكتاب مثل الذين ذكرتهم، وغيرهم ممن يقدمون نسخًا إنسانية من الإسلام، مثل الدكتور نصر حامد أبو زيد، وفرج فودة، وعلي عبدالرازق، ومحمود محمد طه، وحاليًّا إبراهيم عيسى وإسلام بحيري وخالد منتصر وغيرهم.. وكل مسلم يختار ما يعجبه من أطروحاتهم.
وماذا عن دور الدولة؟
انا أحلم بأن تجرّم الدولة – بقوة القانون- استخدام النصوص المقدسة في نشر الكراهية والعنف والإرهاب، وألا تستخدم في المساجد الآيات والأحاديث التي تحتوي على مثل هذه الأمور، فالمكان الطبيعي لكل ذلك هو مراكز الأبحاث فقط، ومن يستخدم أيًّا من هذه النصوص التحريضية ضد الآخر يدخل السجن.
وكيف سيقرأ الناس القرآن والأحاديث؟
استنادا إلى القيم الكلية للإسلام، مثل قيم الحرية والعدل والمساواة.
ألن يمنح هذا للمتطرفين فرصة لتكفير المجتمع؟
هناك خطأ كبير منذ وقت مصطفى كمال أتاتورك، الذي لم يكن علمانيًّا بالمرة، وقد ذكرت هذا في كتاب “إسلام أردوغان” بالتفصيل، فكل من حكموا الشرق الأوسط بعد سقوط الإمبراطورية الاستعمارية العثمانية لم يفككوا الأيديولوجيا الدينية المنتجة للكراهية والعنف والإرهاب، الأيديولوجيا التي تؤمن بان الإسلام دولة وخلافة.
بل وسعوا إلى شرعية دينية لحكمهم، “أردوغان” وكل الإخوان والإسلاميين في تركيا تخرجوا من المدارس التي تبناها ورعاها أتاتورك، وفي دولة اتاتورك كان المواطن التركي السني هو الذي يحصل على حقوقه كامله ، في حين ان التركي العلوي والكردي والمسيحي وغيرهم من الدرجة الثانية.
ونفس نموذج أتاتورك طبقه جمال عبد الناصر، وصدام حسين، وغيرهما بدرجات متفاوتة، فبعضهم كان يعتبر نفسه رئيسًا مسلمًا لدولة مسلمة، عبد الناصر مثلاً، خلافه مع الإخوان كان حول مَن يحتكر الإسلام، وهنا يكسب الإخوان، لأنهم يريدون تطبيق دولة الإسلام بالكامل، وهذا لا يطيقه أي مسلم، مثلما حدث في سوريا، حيث ألقى المواطنون بأنفسهم في البحر هربًا من تلك الدولة الدينية، وأملاً في الوصول إلى دول علمانية حرة.
لكن النظام الديمقراطي من شأنه السماح بانتشار الجماعات الدينية.. فكيف نواجه ذلك؟
المواجهات الأمنية ضرورية، لكن لا بد من أن تحترم حقوق الإنسان. وكما سبق أن أشرت، لا بد من قانون يجرّم في كل مكان استخدام النصوص المقدسة في تبرير العنف والكراهية، وبهذا تكون الدولة قد جردت المتطرفين من أهم أسلحتهم على الإطلاق. فعندما يقول أحد إن الخلافة عظيمة، يُتَّهم بأنه يحرض على السبي والقتل والإستعمار ، وبذلك ستكون الدولة ضربت ايديولوجيا الإسلاميين في مقتل، وبالتالي لن يتبقى أمام المسلم العادي شيء غير الإسلام الإنساني المبني على القيم الكلية الإنسانية للإسلام.
إذًا هل تقول بأن الدولة العلمانية هي البديل الأفضل؟
يجب أن أوضح أولاً أننا لسنا في عداء مع الغرب كما تصدّر تلك الجماعات، إنما الذي بيننا وبين الغرب صراع سياسي عادي وطبيعي مثلما يحدث في كل الدول، وكل الدول الغربية وغير الغربية التي طبقت النموذج العلماني أصبحت الآن دولاً عظمى، مثل اليابان وألمانيا وكوريا، وكل من حاد عن هذا النموذج العلماني الديمقراطي الحر فشل. لماذا نصر على الفشل؟!
وكيف يمكننا الوصول إلى دولة علمانية؟
مبدئيًّا يجب أن نقصي فكرة أن الدين -سواء الإسلام أو غيره – بإمكانه إقامة دولة، فعلى مر التاريخ تسببت الأديان التي تم استغلالها لإقامة دولة في تخريب العالم وارتكاب الكثير من الجرائم، ويتضح ذلك في الدولة البيزنطية المسيحية، عندما ذبحت المصريين غير المؤمنين بالمسيحية! فالمشكلة ليست في الأديان، وإنما في استخدامها واستغلالها في أنساق سياسية لا شأن لها بالدين.
على الجانب الآخر.. كيف ترى من يرفضون الدين من الأساس؟
البشر مختلفون، ومن حق كل شخص أن يرى ويعتقد ما يشاء، لأن الإيمان في معظمه غير عقلاني ، فأنا مثلاً لا أستطيع أن أرى نفسي غير مسلم، هذا حقي، وفي المقابل من حق غيري أن يرى أن الأديان لا تمثل له قيمة.. القضية هي عدم تحويل الدولة من جانب المؤمنين بالدين إلى دولة دينية، وكذلك عدوم تحويل الدولة من جانب الذين لا يؤمنون بالدين إلى دولة تفرض الإلحاد. فالمراد هو دولة تقوم على أسس المواطنة، وليس على أسس دينية أو تطرف إلحادي، ودور الدولة هو حماية حق المواطن في الاعتقاد.
ما تقييمك لثورات الربيع العربي؟ وهل يجوز تسميتها بـ”الربيع” بعد ما آلت إليه الأمور؟
طبعًا، فهي ثورات مجيدة، والشباب الذين قاموا بها كان طموحهم تحقيق دولة العدل، وقد فشلت هذا الثورات لأن القائمين عليها كانوا أكثر دكتاتورية من الحكام الذين قامت ضدهم هذه الثورات، فالفكرة لدى البعض كانت إزاحة نظام من أجل أن يحلّوا محلّه فقط، وليس السعي إلى بناء دولة ديمقراطية حرة، مثلما حدث في مصر مثلاً، تصارع على السلطة الإخوان واليساريون وغيرهم، وكل منهم يمتلك نموذجًا يريد فرضه على الشعب.
الناصريون مثلاً يريدون إقامة دولة عربية، والإسلاميون الخلافة، كلاهما ينظر الي مصر ليس باعتبارها وطن، ولكن مجرد محطة لمشروع “استعماري”.
من محاسن ثورات الربيع العربي أنها أوضحت لنا صورة الإسلاميين الحقيقة، فلم يعد باستطاعتهم تصدير الوهم لنا بأن لديهم مشروعًا سيغير حياة الناس إلى الأفضل، لأنهم حكموا وفشلوا، وإن كنت أرى أن الإسلام السياسي يحكم الشرق الأوسط بالفعل منذ 1400 سنة، من الوقت الذي قرر فيه بعض قادة قريش أن يصنعوا إمبراطورية ويفرضوا الإسلام بالسلاح.. لكني أرى أيضًا أن ثورات الربيع العربي بداية لنهاية هذا الحكم.
ما الدافع وراء تأسيسك للمعهد الكندي للدراسات الإسلامية؟
تفكيك الأساس الديني والتاريخي المنتِج للكراهية والعنف والإرهاب، ومحاولة نشر نسخ إنسانية من الإسلام، بالتعاون مع النخب الأكاديمية والسياسية والصحفية، وسوف نعمل أيضًا على رصد ومقاومة الانتهاكات التي تقوم بها الجماعات الإسلامية ضد دالدولة، وأقول الدولة وليس النظام، فمن حق أي أحد أن يعارض النظام، لكنهم يمارسون انتهاكات ضد الدول التي تعارض مشروع الإسلام السياسي، فمثلا مصر تدمرت سمعتها في السياحة بسبب الإخوان المسلمين، فقد نجحوا في وضع مصر بقائمة الدول غير الآمنة، متساوية مع اليمن وليبيا. وطبعًا من أهم أهداف المعهد كسر احتكار تلك الجماعات للدين.
كيف تقيم ما دار بين الدكتور الخشت وشيخ الأزهر؟
الدكتور عثمان الخشت، رئيس جامعة القاهرة يسعى لأنسنة الخطاب الديني، وهذا عمل عظيم، وفي رأيي -مع كامل الاحترام لشيخ الأزهر- يجب إنهاء مؤسسة الأزهر وتحويلها إلى مركز للأبحاث والدراسات، لا علاقة له بالتعليم ولا سلطة دينية له، ويقدم هذا المركز اجتهاداته، ونحن كمجتمع نقبلها أو نرفضها، على ألا تكون هذه الاجتهادات ضد الإنسانية.
فعندما يخرج شيخ الأزهر مع احترامي الشديد له ويقول إن الإسلام كانت له قدم في الأندلس واخرى في الصين، فهذا معناه أنه يصرح ضمنيًّا للمسلم بأنه لن يكون مسلمًا إلا عندما يغزو العالم، وكنت اتمنى ان يفخر الدكتور الطيب بأن الإسلام دخل في بعض دول آسيا بالمحبة وليس بالسلاح، فالإسلام دخل ماليزيا أكبر الدول الإسلامية في العالم بالمحبة.