همتك نعدل الكفة
565   مشاهدة  

سوبر مان لن يأتي لكننا هنا.. ما وراء الفيلم الحاصل على الأوسكار “Erin Brockovich”

إيرين الحقيقية وجوليا على بوستر الفليم
  • صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.

    كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال



منذ أكثر من عشرين عامًا أطلَّت علينا صاحبة أجمل ضحكة في العالم جوليا روبرتس بفيلمها الحائز على أوسكار “Erin Brockovich” من إخراج ستيفن سودربيرغ، يحكي القصة الحقيقية لإيرين الأم العزباء لثلاثة أطفال بعد زيجتين فاشلتين والتي انتهى بها الأمر تعاني من أجل الحصول على عمل لإعالتهم، بدون شهادة جامعية ومع معاناتها من عسر القراءة تفشل في تلبية متطلبات الوظائف، ما زاد الطين بِلَّة تعرُّضها لحادث سيارة وفشل محاميها “إيد مسري” في الحصول على تعويض أمام المحكمة.

أم عزباء وبطلة محلية

إيرين الحقيقية
إيرين الحقيقية

تفرض إيرين نفسها على مسري وتجبره على توظيفها في مكتبه Masry & Vititoe المختص بالتعويضات الشخصية، بعد إلحاح تبدأ العمل في منصب سكرتيرة متواضعة سليطة اللسان ومتحررة الملبس مما يجعلها مكروهة بين زميلاتها، في هذه الأثناء تعيش قصة حب مع جارها الجديد الذي يجالس أطفالها نهارًا.

بعد فترة تستقر في الوظيفة الجديدة حتى تصادف إحدى قضايا المكتب المريبة، تتقفى أثرها لتكتشف قضية فساد كبيرة تتعلق بشركة باسيفيك للكهرباء والغاز-PG&E- العملاقة والتي يقدر رأس مالها بمليارات الدولارات، تتوصل إلى مستندات تثبت تورَّط الشركة في تلويث مصادر المياه الجوفية ببلدة هينكلي بـ لوس أنجلوس؛ حيث استخدمت مادة مسرطنة تمنع الصدأ- الكروم السداسي- في أحواض تبريد مضخات الغاز الخاصة بها دون تبطينها، حتى تسربت المادة إلى المياه الجوفية التي تعتمد عليها البلدة وأصبح السكان يصابون بسلسلة من الأمراض المميتة دون سبب.

لاحظت PG&E التسريب وحاولت التستر عليه بمحاولات التنظيف وإقناع السكان أن مادة الكروم السداسي مفيدة وغير ضارة، كما تستَّرت على سجلاتهم الطبية عن طريق تغطية نفقاتها وتعيين أطباء يؤكدون لهم أن تلك الأمراض ليس لها أي علاقة بالكروم. تنجح أيرين في إقناع ميسري صاحب شركة المحاماة بتولي القضية لإيمانها بها، رغم رفضه الدخول في معركة خاسرة ضد كيان ضخم مثل PG&E، كما تقنع أكثر من 600 مدعٍ برفع القضية ضد الشركة لتحصل في النهاية على تعويض 333 مليون دولار في التسوية الذي انتهت إليها القضية دون محاكمة؛ لتصبح المحرك الأساسي خلف أكبر قضية تعويضات في تاريخ الولايات المتحدة.

ما أغفلته هوليوود: إيرين الحقيقية واحدة من ملايين ضحايا تلوث المياه

إيرين خلال وقفة مناهضة لتسميم المستهلكين
إيرين خلال وقفة مناهضة لتسميم المستهلكين

حازت جوليا روبرتس على أوسكار أفضل ممثلة عن أدائها شخصية إيرين في الفيلم الذي حقق إيرادات 256 مليون دولار مقابل تكاليف إنتاج 52 مليونًا فقط؛ لكن الفيلم لم يكون العمل المصور الوحيد الذي استلهم قصته من تلك الحادثة الشهيرة ففي عام 2021 صدر مسلسل “المتمردة” بطولة كاتي سيجال ومن إنتاج abc، يحكي حياة إيرين بعد استكمالها لدراستها كمحامية ومدافعة عن حقوق المستهلك وناشطة بيئية في إطار من الدراما؛ كما صدرت حلقة من مسلسل وثائقي في العام نفسه بعنوان “المتمردة الحقيقية: قصة إيرين بروكوفيتش” من بطولة إيرين الحقيقية ويوثق عودتها لـ هينكلي بعد عشرة سنوات.

لم يذكر الفيلم بعضًا من الحقائق الهامة حول القصة فقد تعرضت إيرين نفسها لمادة الكروم المسرطنة نُقلت في أثرها إلى المستشفى وقضت فترة من الوقت للعلاج، لكن صُنَّاع العمل لم يرغبوا بتصوير البطلة في موقف الضحية، ويرى نقَّاد أنهم لم يرغبوا بجعلها قديسة في نظر الشعب في حين اعتبرها آخرون مجرد نظرة إخراجية.

إيرين الحقيقية ولقطة من الفيلم
إيرين الحقيقية ولقطة من الفيلم

رغم حصوله على تقييمات مرتفعة على معظم منصات المشاهدين والنُقَّاد لاحقته بعض السلبيات التي أُثيرت؛ لغة الحوار البذيئة التي بدت بشدة على شخصية إيرين كانت محط انتقادات كثيرة ترى أنها شوهت القصة الحقيقية التي تميل أكثر للميلودراما، ملابس البطلة المتنوعة بما لا يتناسب مع درجة معانتها والتي اتسمت بالجرأة أيضًا اعتبرها البعض نقطة ضعف فصلت الفيلم عن الواقع، ناهيك عن قصة الحب الجانبية المُفضَّلة في هوليوود.

ذكر السيناريو في جملة عابرة أن إيرين قارئة بطيئة إشارةً إلى إصابتها بعسر القراءة، الأمر الذي اعتبره النُقَّاد نقطة مُهمَلَة كان يمكن أن تضيف قوة إلى شخصية البطلة إذا أُعطِيَت أهميتها كمرض يصعب العمل والتعايش معه، فتسليط الضوء على امرأة تعاني مع القراءة وفي تلك الظروف العسيرة حركت قضية هي الأهم في تاريخ قضايا التعويض الأمريكية أخرج هوليوود عن قوالبها المعتادة، لكنه كان من الممكن أن يقترب أكثر من الواقع ويمس حياة المواطن العادي بتعديلات بسيطة.

حكم أسطوري أم خطوة كبيرة إلى الوراء!

غلاف كتاب إيرين بعنوان سوبر مان لن يأتي
غلاف كتاب إيرين بعنوان سوبر مان لن يأتي

القضية التي رصدها الفيلم ضد PG&E لم تكن الأولى ولا الأخيرة؛ فقد رُصِدَ تورُّطها في تضليل الرأي العام مرة أخرى بعرض نتائج تحليل تنفي وجود علاقة بين الكروم الذي تستخدمه والإصابة بالسرطان في قرى صينية، ولا تزال تلك المادَّة مستخدمة حتى الآن ويمكن رصدها في مصادر مياه تخدم أكثر من 26 مليون شخص في 35 مدينة؛ لأن القوانين المستمرة منذ أكثر من 30 عامًا دون تحديث تسمح بمعدل 0.1 مللي لكل لتر كمعدل آمن، لكن المسموح به في كاليفورنيا حيث وقعت أحداث الفيلم 0.05 مللي لكل لتر وتسعى الولاية لخفضه أكثر.

الحصول على مبلغ التعويض الضخم هذا لا يمثل انتصارًا بالنسبة لكيان يمتلك المليارات مثلما صوره الفيلم، كما أن الحصول على المبلغ عن طريق تسوية دون محاكمة أغلق الباب لمتابعة القضية بشكل جمهوري ولم يُثبِت التهمة على الشركة، حتى أن كبير قضاة المحكمة العليا وصف الحكم بأنه “خطوة كبيرة إلى الوراء”، لأنه سمح للشركة بجعل المحاكمة ذات شروط خاصة مستخدمة نفوذها وأموالها وهو ما يضطر المدَّعون لقبوله بدلًا من انتظار المحاكمة لسنوات.

إقرأ أيضا
تناول النساء للمشيمة

التسوية هنا لم تكن سوى وسيلة إسكات للضحايا وثمنًا بخسًا تدفعه المؤسسات الرأسمالية مقابل الصحة العامة، فالنهاية البطولية التي صدَّرها الفيلم لقصة إيرين لم تكن فقط جزءًا صغيرًا من الحقيقة بل ربما تكون أضاعت سنوات من كفاح الحقوقيين ونشاط البيئة؛ فوفقًا لقوانين التسوية لا يمكن بحال إثبات أو نفي أن الشركة قد سممت هينكلي-أو غيرها من المدن-، ناهيك عن أن النشطاء القانونيين يعتبرون مثل تلك التسويات سببًا في تحول شركات المحاماة إلى السعي نحو الربح.

الأحداث التي وقعت في التسعينات واستمد الفيلم والمسلسل القصة منها كانت مجرَّد بداية فلا تزال إيرين حتى الآن تناضل من أجل حماية المستهلك والبيئة، من خلال توليها قضايا حقوقية والكتابة حول قضايا تلوث المياه المنتشرة بالولايات المتحدة؛ فقد أصدرت مؤخرًا كتاب بعنوان “سوبر مان لن يأتي: ما الذي نستطيع فعله تجاه أزمتنا القومية مع المياه”، إضافةً إلى العديد من المقالات التي تنتقد السياسة البيئية لشخصيات عامة وحكومية آخرهم جو بايدن الذي انتقدت تعيينه مسؤولين متورطين في وكالة حماية البيئة.

الكاتب

  • Erin Brockovich إسراء أبوبكر

    صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.

    كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
3
أحزنني
0
أعجبني
5
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
4


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان