همتك نعدل الكفة
266   مشاهدة  

الرواية في مواجهة العدو.. لمن النصر؟

مواجهة العدو
  • روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد



تساءل الكاتب الكولومبي يومًا: “أي سر هو الذي يجعل مجرد الرغبة في رواية القصص تتحول إلى هوس يمكن لكائن بشري أن يموت من أجله، أن يموت جوعًا، أو بردًا، أو من أي شيء آخر لمجرد عمل هذا الشيء الذي لا يمكن رؤيته أو لمسه. وهو شيء في نهاية المطاف إذا أمعنّا فيه فلا ينفع في أي شيء؟!”.

بالتأكيد جاء تساؤله هذا قبيل الانتهاء من رائعته “مئة عام من العزلة“.. وهي الرواية التي أحدثت ضجة هائلة عقب صدورها، فتُرجمت للغات لا حصر لها، وكانت سببًا مباشرًا لحصوله على جائزة نوبل عام 1982م، ليصبح الكاتب الأكثر شهرة، وتصبح أعماله الأدبية الأكثر رواجًا بين القراء، وبسببها أيضًا التفتت أنظار العالم أجمع إلى أدب أمريكا اللا تينية، وبذلك تحول أدب أمريكا اللا تينية إلى مصدر للدخل القومي.

هذا ما قدمه النص الأدبي للمبدع وللبشرية كافة. أما المبدع نفسه، وإن كنا نتحدث عن المبدع بشكل عام، دائمًا ما يكون له دورًا نضاليًا بارزًا، ماركيز مثلاً، والذي كان يتساءل عن جدوى ما تقدمه نصوصه، هو واحد من رجال المقاومة إبان الثورة الكولومبية، وربما لا يخفي على أحد علاقته الوثقية بـ “كاسترو” القائد والزعيم المعروف. كما أن ماركيز واحد من مؤسسين “أدب المقاومة” ببلاده، وقد كتب حول تلك الإشكالية روايته “خريف البطريرك” و”ليس للكولونيل من يكاتبه”.

لم يقتصر اهتمام المبدع على الظروف المحيطة به فحسب، بل وكثيرًا ما ينشغل المبدع بقضايا الشعوب الأخرى، وهو ما فعله ماركيز حين أصدر بيانًا للتضامن مع القضية الفلسطينية وشعبه، وهو البيان الذي أعلن فيه استنكاره للممارسات الفاشية والاستعمارية والعنصرية والصهيونية، مبديًا اشمئزازه، وإدانته للمجازر التي ترتكبها اسرائيل في المناطق المحتلة، معلنًا عن إعجابه ببطولة هذا الشعب وصموده أمام الاحتلال الغاشم.

أما الشعب الفلسطيني نفسه، وبالأخص المبدع منه، فقد اتخذ من الفنون وسيلة لمواجهة المحتل، لذلك فإن “أدب المقاومة” ليس غريبًا على القارئ العربي، وقد زخرت المكتبة العربية منذ عام النكبة وحتي اليوم بالعشرات من النصوص الأدبية التي ارتكزت على القضية الفلسطينية وشعبها وما آل إليه.

هذا الاتجاه الأدبي دفع العدو الصهيوني ليستشعر مدى خطورته فلجأ إلى مصادرة الكتب، وملاحقة المبدعين، بل وتصفيتهم في كثير من الأحيان.

ورغم ذلك يبقى “أدب المقاومة” من أقوى وسائل الدفاع عن التاريخ/ الأرض/ ذاكرة الشعوب، أمام عدو يتخذ من تزييف التاريخ ذريعة لاحتلال الأرض والوطن.

وأدب المقاومة وإن كان يعتبر فرع من فروع الرواية غير أنه تحول مع الزمن، وبفضل الأزمات المتعاقبة التي مر ويمر بها الشعب الفلسطيني، إلى جذر له فروعه. ولعل من أهم تلك الفروع “أدب المخيميات” ذلك الفرع الأدبي الذي أثرى المكتبات العربية والعالمية بعشرات النصوص الأدبيى التي تناولت تلك التجارب المريرة من زوايا مختلفة.

هنا سنعرض أربعة نماذج من هذا النوع الأدبي المتفرد لعلنا نفهم لماذا يخشى العدو من الكلمة؟ وكيف تتحول الكلمات إلى سلاح لا يمكن لأحد الوقوف أمامه؟

غسان كنفاني: الأم تدفع بأبناءها لتحرير الوطن المسلوب

غسان كنفاني
غسان كنفاني

لا يمكن الحديث عن أدب المخيميات دون البدء بـ الكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، والذي ولد بـ عكا في 1936م، ثم أُجبر في عام النكبة 1948م على ترك يافا والرحيل برفقة عائلته.

غسان روائي وقاص وسياسي ومناضل، يُعد واحدًا من مؤسسين أدب المقاومة، وحول هذا الشأن كتب “أدب المقاومة في فلسطين المحتلة: 1948- 1966″، والذي استعرض فيه أهم خصائص هذا الأدب، وأبرز الكُتاب.

كما أن غسان قدم للمكتبة العربية العشرات من الكتب التي ارتكزت على القضية الفلسطينية. فقد عاش حياته القصيرة مدافعًا عن حرية وطنه حتى استشهد على يد الكيان الصهيوني في عام 1972م.

في روايته القصيرة المعنونة بـ “أم سعد” والصادرة في 1969م تتجسد رمزية الأم الفلسطينية في امرأة أربعينية، يصفها غسان في روايته “إنها سيدة في الأربعين كما يبدو لي، قوية كما لا يستطيع الصخر، صبورة كما لا يطيق الصبر. تقطع أيام الأسبوع جيئة وذهابًا، تعيش عمرها عشر مرات في التعب والعمل كى تنتزع لقمتها النظيفة، ولقم أولادها”.

تعيش أم سعد في المخيميات بعد تهجيرها من قريتها الصغيرة “الغابسية”، وهي قرية فلسطينية أخليت من أهلها، حيث تدفع أم سعد ثمن الهزيمة غاليًا فهي تلد وفلسطين تأخذ أبناءها.

تقول أم سعد لابن عمها: “اهترأ عمري في ذلك المخيم، كل مساء أقول: يا رب! وكل صباح أقول: يا رب! وها قد مرت عشرون سنة. إذا لم يذهب سعد للفدائيين… فمن سيذهب؟”

الرواية التي لا تتجاوز الـ 30 صفحة استطاعت أن تكشف لنا عذابات شعب عانى – ولا يزال- من قسوة المحتل. ربما ذلك ما دفع القوات الفلسطينية لاغتياله، ربما قوة الكلمة، وصدقها، وقدرتها على الكشف والمكاشفة والمقاومة أيضًا ما جعل العدو  يقتل المبدع/ المناضل. ولكن، هل التصفية الجسدية للمبدع قادرة على إقصاء إبداعه؟ ما حدث مع غسان اثبت العكس تمامًا، ففي الوقت الذي يجاهد فيه المحتل لطمس ذاكرة هذا الشعب العظيم تكون أعمال غسان الأدبية متوفرة في جميع مكتبات العالم، وقد تُرجمت للغات عديدة ليصل صوته، وصوت أبناء وطنه بالضرورة لكل إنسان.

نعمة خالد… رواية البدد “العدو الداخلي أكثر خطرًا على القضية”

مواجهة العدو
رواية في مواجهة العدو

هي الرواية الأولى للكاتبة “نعمة خالد” بعد مجموعتين: المواجهة، والدار إن وجدت.

والرواية تدور أحداثها بمخيم “عين الحلوة” – وهو المخيم الذي انشأته لجنة الصليب الأحمر في جنوب لبنان، عقب العدوان الصهيوني في عام النكبة 1948م، وقد ضم ما يزيد عن 15 ألف نازح فلسطيني بعد تهجيرهم من قرية الجليل قسرًا – حيث قرر مجموعة من المثقفين الشباب بناء نادي ثقافي لهم لتوعية أهل المخيم وبث الحماسة وفتح باباً للثورة، الشباب: سراب، محمود، إياد، نعيمة، سلوي، عفاف….. في مواجهة تحديات المخيم وخصومه وفساده: الشيخ، الأفندي، عصام اللوح.

النص يحكى عن “سراب” الفتاة الجميلة التي تحب محمود منذ الصغر غير أن محمود يتخلى عنها ويتزوج من سلوي، ويتركها فريسة عصام اللوح الذي يعرب عن حبه لها فيتزوجها، تكتشف سراب مصائب زوجها وشريكه “الأفندي” وعلاقتهما بالموساد الاسرائيلي فتعقد العزم على فضحه، فيجبرها على الإقامة الجبرية بالمنزل. غير أنها تتعاون مع أحد رجاله وتتمكن من الهرب، لتجد نفسها في النهاية بصحراء سيناء الواسعة تواجه الضياع والتشتت وتعاني من البدد.

الرواية، رغم أنها الأولى للكاتبة، غير أنها استطاعت بلغة تجمع بين عذوبة النثر وحيادية الواقع وقسوته أن تنسج صراعًا بين أطراف مختلفة، شباب الثورة وتكتلات الفساد واستغلال النص الديني لخدمة العدو، ثم تأتي النهايات موجعة ومفتوحة كجرح غائر لم يندمل بعد.

سراب التي خذلها الأحبة والأصدقاء قبل العدو هي الوطن بأوجاعه، وطن طمح في العودة واسترداد حقه المسلوب مستعينًا بشبابه فإذ بهم يتحولون وينصرفون عنه من أجل مصالحهم الشخصية.

وهو ما يدفعنا للسؤال: هل سيكون مصير هذا الوطن الضياع في صحراء سيناء؟ ربما تكشف الأيام القادمة على صحة النبوءة أو خطأها.

إقرأ أيضا
عزيز الشافعي

الوداع … البطل يقاوم للنهاية

مواجهة العدو
عوض سعود عوض .. كاتب في مواجهة العدو

رواية الوداع، هي الرواية الأولى للكاتب الفلسطيني الكبير عوض سعود عوض، والتي أعقبها بروايتين: غرباء منتصف الليل، ويزهر القندول. بالإضافة إلى عدة مجموعات قصصية هامة.

يحكي النص عن “أحمد” الذي فقد أمه أثر رصاصة طائشة أثناء تهجير العائلة، بينما الأب “الجادلي” اختفي تاركًا الصغير تحت رعاية عمته نوفة.

يكبر الصغير وينتهى من دراسته ويعود مجددًا إلى مخيم خان الشيخ ليمارس التدريس. غير أنه يسقط في حب “وفاء” التي تنتمي إلى تنظيم للمقاومة، وعليه يصبح أحمد واحد من رجال المقاومة بل يتم تعيينه قائدًا للميليشيا المسلحة. تتحرك قوات العدو ناحية المخيم فيصر أحمد ورفاقه على الدفاع عن المخيم.

أحمد نموذج للبطل النموذجي، ذلك القوى الحالم والمثقف صاحب القضية، والذي يرفض الهروب بعد حصار العدو لرفاقه فيقدم بطولاته حتي النهاية.

ارتكز الكاتب على تقنية تعدد الرواي، وراح يتنقل بينا ما بين الحاضر والماضي فتمكن من خلال تلك التقنية أن يقدم لنا أكثر من وجهة نظر، وملاحم أبطالها فُرض عليهم الجهاد في سبيل الوطن لتتكون في النهاية لوحة عظيمة قادرة على بث الحماسة في نفوس المتلقي، وذبحه أيضًا من الوجع.

مخمل: انتصارات في عقر دار العدو

حزامة حبايب
حزامة حبايب كاتبة في مواجهة العدو

منذ عدة سنوات صرح الرئيس الأميركي الحالي “دونالد ترامب” بأن القدس ستصبح في غضون ستة أشهر عاصمة لاسرائيل، القرار الذي استقبله العالم العربي والغربي كذلك باستهجان كبير، وفي هذه الأثناء فازت الروائية حزامة حبايب بجائزة نجيب محفوظ عن روايتها “المخمل” والجائزة تشرف عليها الجامعة الإمريكية بمصر.

وفي ظل هذه الأجواء المشبعة بالغضب والقلق من القرار المشار إليه، اعتلت حبايب المنصة لتحكى للحضور، وللعالم كله، عن معاناة شعب أغُتصب وتشرد أهله قائلة:  “أنا حزامة حبايب، ابنة اللاجئ الفلسطيني حامد محمد حبايب، الذي غادر قريته الفلسطينية طفلاً في السابعة، ممسكاً يد أمه، لاهيًا عن مآل البلاد وناسِ البلاد، غير واعٍ أنه استحال رمزًا لأكبر نكبات العصر.. أنا حزامة حبايب إنما أستعيد البلاد وناس البلاد بالحكاية… أنا بالحكاية أرسم خريطة العودة إلى وطني، إلى بيت هناك كان لي ذات وطن.. إلى بيت هناك سيكون لي ذات وطن”.

والحكاية الفائزة ترصد معاناة النساء بداخل مخيم البقعة حيث حوا، البطلة الرئيسية بالنص، والتي تعاني من وحشية الأب وخنوع الأم فتجد في بيت الست قمر الشامية حصنًا لها وملاذًا من عالم يعج بالكراهية. بداخل هذا البيت، تندمج في عالم الحياكة فتأسرها رائحة الأقمشة كما أسرها صوت فيروز، تكبر حوا، وتسقط في حب مراد بائع أنابيب الغاز، حب عذري يموت كما تموت الأشياء الجميلة دومًا، ليظهر بدلاً منه نظمي اللحام ويتزوج بـ حوا، نظمي نموذج للزوج المتسلط البذيء، تلجأ معه إلى الخيال أثناء المضاجعة فتنجب منه آية التي تُصاب بأمراض نفسية عدة، وقيس الكسول والعنيف والحرامي أيضاً، وكأنها تهرب من أسرة فُرضت عليها في الماضي لتقع في مظلة أسرة أخرى لا تقل عنها في السوء، وكأن حياة حوا سلسلة من الشقاء المتواصل. في النهاية تموت الست قمر وترث منها البيت والمهنة والطيبة ثم تفوز بالطلاق بعد 20 عاماً من البكاء والقهر، تستعيد حوا جمالها القديم حين تلتقي بـ منير الرجل الخمسيني الذي يبادلها العشق، يبدو أن الأمور تسير مع العاشقين إلا أن يعرف الابن -قيس- قصة عشق أمه فيقتلها!

بتلك الحكاية استطاعت الكاتبة أن تقدم رسالتها الفنية/ الوطنية/ الإنسانية أو على حد تعبيرها لحكاية “لقد كانت الحكاية هي الدليل بأني وجدت يومًا. وهي البرهان بأني عشت.. عشتُ حقًا. أنا في كل حكاية، أعود إلى وطني.. قد لا أكون منتصرة.. لكنني بالتأكيد أكون مهزومة أقل. فالمجد للحكاية، المجد كل المجدِ للحكاية”.

الكاتب

  • مواجهة العدو عمرو عاشور

    روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان