إبراهيم كارم .. حرفي فيومي يُغازل الروح بالطّبيعة والطين
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
بينما تتجول في قرية تونس تجد هدوءً وطمأنينة تعم المكان، قد ينبعث هذا الهدوء من ألوان البيوت التي التصقت وامتزجت فيما بينها تستأنس ببعضها البعض، أو من الفن والجمال المنثور في أزقتها فهي لوحة بديعة مليئة بألوان الحياة الريفية البسيطة والطبيعة الخلابة.
ومن جمال القرية الطبيعي اتخذ سكانها الفن وسيلة لتشكيل هُويتها والتعبير عن ذاتيتهم التي اكتسبوها من البيئة المحيطة فأبدعوا في حرفة صناعة الفخار والخزف وأفصحوا عن دواخلهم بمهارة منقطعة النظير، ومنهم “إبراهيم” الشاب العشريني الضاحك الواثق الذي ما إن تراه وترى إبداع فورًا تقع في غرامها.
“إبراهيم” البالغ من العمر 22 عامًا يعمل في هذا الفن منذ ثمان سنوات، حينما ملئه الشغف لتعلم فن صناعة الفخار والخزف التي تشتهر به القرية.
ومن أعلى “الدواره” يجلس” إبراهيم” وهو يولي طبق الفخار الذي أمامه كامل تركيزه يحدثنا عن حبه الشديد لتلك الصنعة مؤكدًا أن سعادته الكبرى حينما ينهي قطعة زخرفية يرتضيها.
ومع تعلقه بالحرفة لم ينقطع “إبراهيم” عن الدراسة فهو في السنة الأخيرة في كلية الحقوق جامعة الفيوم، ورغم سنوات دراسته التي أوشكت على الانتهاء لم يحبذ “إبراهيم” دراسته أبدًا فلم يستهويه القانون ودراسته يومًا ولكنها ـ حسب قوله ـ شهادة لن يعمل بها فعمله قد بدأه من الوقت الذي قرر فيه تعلم حرفة الخزف والفخار.
انتقل “إبراهيم” من الدوارة إلى الفرن الذي يحرق فيه الخزف بعد أن يمر بكل مراحل الصناعة حيث يضع قطعه الفنية الذي صنعها لمدة قد تزيد عن شهر في هذه الأجواء الشتوية؛ فصناعه الفخار تعتمد في المقام الأول على جفاف الطينة التي يستخدمها حينما تتعرض لأشعة الشمس.
عاد مرة أخرى إلى “الدوارة” يلفها بضربة ساق وبيده يمسك طبق الفخار ويضعه أعلاها حتى يتخلص من الزوائد التي قد تضر بها في مرحلة ما من مراحل التصنيع.
ويعتمد “إبراهيم” على “الطمي” القادم من محافظة أسوان جنوب مصر فهو المصدر الأول لهذه الصناعة قد بعثه النيل كما يبعث الكثير من الخيرات، ليستخدمه ويشكل منه هذه الأواني الخزفية التي يلهث السائحين لشرائها.
ينظر “إبراهيم” بفخر إلى كل القطع التي صنعتها يداه بفخر فلا يتدخل أحد في أي مرحلة من مراحل الصناعة هو فقط من يصنع القطعة منذ أن كانت طينًا إلى أن أصبحت قطعة فنية معروضة في بازاره الخاص، ومشيرًا إلى أنه لا يحبذ المشاركة سوى في مهرجانات معينة فمن وجهة نظره تضغطه وهو لا يحب هذا، يحب فقط أن يعمل بهدوء وتأني حتى تأخذ كل قطعة حقها في الصناعة.
ويقتطع السرد دخول سبعة تلاميذ أكبرهم ١٥ عاما وأصغرهم ١٠ سنوات ينظرون إلى المكان بفرحة وكأن هذه اللحظة هي مكافأة نهاية يومهم الدراسي، وفي أقل من خمسة دقائق قد أبدلوا ملابسهم ووضعوا “المريول ” على ملابسهم الأخرى وذهب كل واحد منهم إلا موقعه الخاص بالورشة.
يبتسم”إبراهيم” في حبور لهم ويحمسهم بكلمات قوية لإنهاء أعمالهم وسط نظرات استغرابنا ..وفك “إبراهيم” هذا الاشتباك واللبس مؤكدًا أنهم يتعلمون هذه الحرفة فأغلبهم يُنهي القطعة الذي بدأها والآخرين يتعلمون بل ويحصلون على ثمن القطع التي يبيعونها في البازار الخاص بنا.. هنا في هذه القرية ؛ قرية تونس محافظة الفيوم “جيل يسلم جيل” فنحب أن تستمر هذه الحرفة في قريتنا لأنها تمثل هُويتنا ومرجعيتنا الثقافية التي نفتخر بها ، كما نفتخر بالاسم الذي صنعته القرية في المهرجانات الدولية على مدار 50 عامًا .
الكاتب
-
مي محمد المرسي
مي محمد المرسي صحافية مهتمة بالتحقيقات الإنسانية، عملت بالعديد من المؤسسات الصحافية، من بينهم المصري اليوم، وإعلام دوت أورج ، وموقع المواطن ، وجريدة بلدنا اليوم ، وغيرهم .
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال