مسلسل “وعود سخية”.. الوقوع في بئر المبالغة
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
انفراد الموهوبة حنان مطاوع ببطولة مسلسل “وعود سخية” إضافة قيمة إلى موسم رمضان 2023؛ إلا أن العمل لم يخلو من السلبيات المعتادة في الدراما المصرية؛ المبالغة في مستوى النكد أدخل القصة في نفق التكرار والسطحية المعتادة، وللأسف قد يمحو هذا إيجابيات قلما نجدها في عصر انفصال الدراما عن الواقع.
حنان مطاوع تقدم واحدًا من أفضل مسلسلات الموسم، بموهبتها الحقيقية وبمساعدة أبطال العمل المتميزين نجد مستوى جيد من التراجيديا المحلية؛ إلا أن اعتماد الدراما على المبالغة يفقدها قيمتها ويسفه من عقلية المشاهد، كما يلقي بظلال الفشل على إيجابيات عديدة لا يمكن إنكارها. خسارة حقيقية أن يفسد المسلسل من أجل بضعة تفاصيل صغيرة الحجم لكنها كبيرة الأثر.
اقرأ أيضًا: مسلسل “وعود سخية” تراجيديا الواقع بطعم موهبة حنان مطاوع
المبالغة في كل شيء (النكد، الشر، الخير..)
يعرض المسلسل قصة عن الظلم الواقع على بطلته (سخية)، الفتاة الشعبية البسيطة التي يتوفى والدها على أثر اتهامات زور تشوه سمعة ابنته وتجعل وسيرتها على ألسنة سكان حيهم الشعبي. البطلة تعرضت خلال الحلقة الأولى فقط لأكثر من فضيحة تمس شرفها، كما تعرضت للخيانة من حبيبها (منصور) الرجل الذي وثقت به، لم تنتهي المأساة عند تشويه السمعة بالزور بل يتوفى والدها كمدًا من عجزه عن الدفاع عنها.
المآسي الواقعة على سخية متلاحقة بشكل مبالغ فيه، لم تنتهي جرعة النكد حتى بعد أن التقت بشخصية ساعدتها، وهي الممرضة التي تعمل بالمشفى الذي توفى به والدها وقد قررت مساعدتها شفقةً بحالها؛ لكنها لم تكد تمكث معنا حلقة حتى توفت بالسرطان تاركةً طفلتها أمانة مع سخية.
المبالغات لم تكن في المأسي فقط بل حتى الطبية والشهامة التي قدمها المسلسل، الممرضة التي ساعدت سخية بعد معرفتها أنها وحيدة واحتضنتها في منزلها، ثم شاركتها المبلغ الذي جمعته لسنوات من أجل ابنتها؛ الخير والجدعنة مفاهيم حاضرة في مجتمعاتنا، لكن هذا الشكل البعيد تمامًا عن الواقع موجود فقط على أوراق السيناريوهات.
الشخصيات الشريرة أيضًا لم تسلم من المبالغة، الشر وصل إلى محاولة قتل سخية بتحريض من خطيبة منصور في صراع دائر حول حبيبها السابق. إما أن رجبية -خطيبة منصور- مختلة نفسيًا تتوق للقتل بأي حجة، أو كرهها للبطلة لتلك الدرجة مَرَضي؛ لأن الحبكة لا يمكن أن تكون بتلك السذاجة. حتى مشهد محاولة القتل في نهاية الحلقة الرابعة مفرط في الاستسهال، القاتل هاجمها في منزلها مقتنعًا أن خنقها بكوفيته سينهي المهمة، لتفاجئه سخية بلكمة حررتها من قبضته، عبث يغلفه عبث.
عودة الشخصية الرمادية وصوت مميز لأغاني المسلسل
لا يمكن إنكار الإيجابيات فقد قدم مسلسل وعود سخية نوعية من الشخصيات نفتقدها في مسلسلاتنا؛ بين الأبيض والأسود الخير الممسوح بالشر أو العكس، الإنسان العادي المصيب أحيانًا والمخطئ في الوقت نفسه. الشخصية الرمادية التي قدمها نور محمد من خلال (منصور) مثيرة للانتباه. قد يرى البعض أن تغييرات الشخصية غير منطقية، في البداية حبيب مخلص ثم خائن حاول انتهازو الفرصة والتعدي على البطلة ليعود مجددًا إلى الندم والاعتذار؛ نفسية مترددة تتأثر بالأقاويل وتقدم على الخطأ ثم تتراجع وتسعى للمغفرة. الرمادية هنا- وإن كانت هي الأخرى مبالغ فيها-، إلا أنها إضافة للعمل كنا نتمنى أن تكون أقل حدة وفي أكثر من شخصية.
فاجئتنا الحلقة الثالثة بأغنية مؤثرة تخللت مشهد دفن سخية لوالدها، بعد إصابته بجلطة متأثرًا بالعار الذي لحق به وأرغمه على ترك الحارة، الأغنية عبرت عن مشاعر فقدان الأب، السند الوحيد لابنته في الحياة، كما تكلمت عن قسوة الحياة عليها والظلم الذي تتعرض له من البشر.
أدت نورهان البغدادي الأغنية بمزيج قوي بين الكلمات والأداء والمشاهد، الشجن والتأثر المعروض في الكلمات بدا واضحًا في الصوت المميز. الأمر الذي لاحظناه منذ بداية عرض المسلسل في تتر المقدمة، والذي كان استغلالًا جيدًا لخامة الصوت والكلمات وتوظيفهم لصالح المسلسل.
في الحلقة الرابعة كانت سخية تتاجر في أدوات التجميل على فرشة في الوكالة، مستخدمة جمل عامية على قافية ركيكة كعادة الباعة الجائلين للفت نظر المارة، الأمر الذي يذكرنا بـ”قمر الوكالة” الفتاة التي انتشرت على مواقع التواصل لفترة. الشخصية بالعباية السمراء وربطة الرأس الشعبية، مع استخدام الجمل البسيطة خفيفة الدم التي تفاعل معها المتابعين؛ لكننا لا نعلم على وجه التحديد إن كان هذا الشبه صدفة أم مقصود.
الكاتب
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال