“أنا والقناع ” محتوى يطيح بالتريند وفستان بدلا من العباية
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة
تقول نوال السعداوي في كتابها امرأة عند نقطة الصفر قالوا: أنت امرأة متوحشة وخطيرة، أنا أقول الحقيقة، والحقيقة متوحشة وخطيرة.
لم تعد الحقيقة متوحشة كما الأيام الماضية بل أصبح التحيز إليها ضروريا بعد أن أصابتنا جميعا حمى الاستقطاب والسطحية وأصبح الطبيعي أن يكون الإنسان إما شريرا يستحق لعن أسلافه أو ملاكا يستحق الحمد ليل نهار، وأصبحت مواقفنا من القضايا كلها بين مؤيد أو معارض، وللحق فلن أغفل دور بعض الإعلام في سكب الزيت على النار، فكان لكثير من البرامج دورا في تحريض الجمهور على الوقوف بعداوة لبعضه البعض وهذا المدخل كان أهم ما شجعني لمشاهدة برنامج أنا والقناع، قلت إذا نزع البرنامج القناع عن ضيوفه سنشهد الحقيقة الإنسانية اللطيفة الفطرية والعذبة التي تحملها دواخل الناس بعيدا عن الأحكام الحدية والصور النمطية التي تحرضنا على الكراهية أكثر من الحب.
ربما تجد عزيزي وعزيزتي القارئ والقارئة أن المقدمة فلسفية زيادة عن اللازم لوصف برنامج منوعات، ولكنك إن تأملت حالنا لوجدت أننا ليل نهار ننتقد البرامج التي ترتكز على صناعة التريند بكل الطرق المنحطة الممكنة من إحراج الضيف أو ابتزازه أو توريطه حيث يريق صناع بعض البرامج كل رمضان ماء وجههم لحصد المشاهدات مع السباب واللعن ويحتفلون في نهاية الشهر الكريم بنجاحهم في السقوط دون أن يقدموا قيمة حقيقية ولا ترفيه.
تعرض قنوات الحياة وسي بي سي إلى جانب منصة واتشت خلال شهر رمضان برنامج أنا والقناع من تقديم منى عبد الوهاب وإنتاج ديجتال ستوديو (DS)
للمنتج بلال الطراوي، البرنامج من إخراج سامي أبو الخير وأشرف على المحتوى مصطفى عمار، موسيقى عمرو إسماعيل، يستضيف البرنامج نجوم من الفن تحاورهم منى بإتقان وأسئلة مدروسة ومعدة بعناية ودراسة لكل شخصية لتخلع عنهم الأقنعة التي تضطرهم الشهرة إلى ارتدائها وتفتش في قلوبهم دون تجريح ليشهد الجمهور على الصورة الأخرى للنجم المشهور والميسور، تكشف وجعه دون استغلال وتناقش مراحل تطوره وحياته الخاصة وفق الحدود ودون ابتذال حتى اختلط على كثير من الضيوف فظنوا من المذيعة منى عبد الوهاب الرغبة في توريطهم لتنهي الحوار بجملة أريدك مرتاحا كما تحب!
قالب البرنامج يحمل تنوعا بصريا غنيا سواء بالديكور وحركة الحضور المضطربة صعودا ونزولا، إلى جانب الألوان المستخدمةمع الأصوات الطبيعية، لتضع الضيف في حالة يصعب معها تمسكه بأقنعته ويجد نفسه أمام المذيعة مضطرا للتخلي عنها مع أول صرخة خوف أو استحسان ويصبح إنسانا وفقط وهنا تتركز متعة المشاهدة مع العبرة لمن أراد التدبر، ونجاح تحضير الضيف جيدا هو بحد ذاته إتمام نصف مهمة حواره بنجاح.
في حلقات من برنامج أنا والقناع حلت الفنانات نيللي كريم، غادة عادل، يسرا وريهام عبد الغفور ضيفات على مقدمته منى عبد الوهاب وفي إجابتهن على الأسئلة بصراحة كان إعادة لترسيخ البديهيات المفقودة، كيف يتطور الإنسان بحكم الحياة ويتغير بحكم الزمن، وكيف تخلت جميع الفنانات عن شعار السينما النظيفة الذي كان مفروضا من المجتمع في وقت سابق، بالمشاهدة قلت كيف اعتبرت النجمات أن قدرتهن علي الرفض هي أعظم ما علمتهن الحياة، هن كبقية النساء في مجتمعنا تجدن وضع أنفسهن أولوية هو نجاح وتجاوز للعقبات التي فرضها المجتمع ضمن تقاليد ضارة واجب التخلص منها.
في حلقة بيومي فؤاد من أنا والقناع توقفت كثيرا عن كشفه السبب الحقيقي الذي يجعله يقبل الكثير من الأعمال في وقت واحد، حتى أصبح محل تهكم وسخرية من البعض، لقد خطر لي السببين الذي ذكر عدم صحتهما في البرنامج رغم بديهيتهما غير أنه لم يخطر ببالي أبدا أن يكون الخجل واحدا من الدوافع التي تقف وراء قبوله الأعمال كلها التي تطرح عليه وهذا يفتح بابا آخر للسماحة وحسن الظن والتردد الاف المرات قبل إصدار الأحكام المطلقة على الناس والتفتيش في نواياهم بدلا من سؤالهم، لقد حمدت الله أنني لم أسخر منه يوما.
في حلقة أنا والقناع مع شريف منير الذي اختلفت مع كثير جدا من مواقفه وتصرفاته خاصة عبر منصات التواصل، ابتسمت وقلت من منا لم يخونه ذكاءه في التعامل مع السوشيال ميديا في بداياته معها من استطاع أن يقف أمام قسوة متابعيه باردا ملتزما بأقصى درجات ضبط النفس؟ لا أحد بلا خطيئة!
وعلى ذكر الخطيئة فقد أعجبني سؤال منى عبد الوهاب لضيوفها عن الخطيئة التي ارتكبوها في حق غيرهم إن أرادوا الاعتراف، في جميع الحلقات التي شاهدتها كان استنكار الضيوف لكلمة خطيئة كبيرا ومعظمهم حاولوا استبدالها بكلمة ربما تحمل ذنبا أقل أو إحساسا أقل بالعار، لكن مقدمة برنامج أنا والقناع كانت تجيبهم أن الكذب خطيئة والخذلان خطيئة، وربما أجد أن شيوع ارتكاب كثير من الذنوب بدأ بسبب تزيينها ووصفها بكلمات تحمل عارا أقل مما يجب أن يلحق بمرتكبها.
أحببت برنامج أنا والقناع وكل لحظات الصدق الخالصة في كل الحلقات التي شاهدتها بكل ما تحمله من حقيقة الإنسان المتناقضة والمتغيرة، هو برنامج “شيك” في حواره وضيوفه ومقدمته منى عبد الوهاب التي سبق لها تجارب حوارية ناجحة في برامج سابقة، أجد وفق رأيي أنا والقناع أجملها على الإطلاق وهو ما يتفق مع تطور الحياة أيضا.
في برنامج أنا والقناع تجد صورة أنيقة ومذيعة بحضور قوي وجمال ليس محلا أبدا لأي خلاف وأناقة تعيد إلى ذاكرتنا الزمن الجميل حين كانت شاشة التلفزيون المصري بحضور مذيعات ماسبيرو الأوائل، ربما احتفظت منى بقليل جدا من جمود كان يفرضه طابع البرامج السابقة وتخلت عنه في بعض المواضع، لكن يظل حضورها مهما ينبئ بنجمة كبيرة في عالم المنوعات المصرية، بعيدا عن التيرتر والعباءات الدخيلة والاطلالات العجيبة وشغل الجلا جلا– وعذرا على استخدامي كلمة إطلالة فهي هنا مقصودة – للتبعية والخواء الذي يصاحب مستخدميها.
نحن أمام ترفيه يليق بالإعلام المصري، يعزز الهوية في كل عناصره وبقالب “فورمات” مشدودة وممتعة.
مبروك لصناع برنامج أنا والقناع، أوصي جدا جدا بمشاهدته ودعم فريقه ليستمروا وغيرهم في إظهار الحقيقة التي بدت غائبة تماما تحت تطبيع تام مع التصنع والسطحية والاستقطاب.
الكاتب
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة