الإسلام رسالة روحية لا سياسية..هل كان علي عبد الرازق ثوريًا أم فقيهًا؟
-
أحمد الأمير
صحافي مصري شاب مهتم بالتحقيقات الإنسانية و الاجتماعية و السياسية عمل في مواقع صحافية محلية و دولية عدّة
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
“هيهات هيهات لم يكن ثمة حكومة ولا دولة ولا شئ من نزعات السياسة ولا أغراض الملوك والأمراء إنما كانت ولاية محمد صلى الله عليه وسلم على المؤمنين ولاية الرسالة غير مشوبة بشيء من الحكم” لم تكن وحدها تلك الكلمات في كتابه المقتضب “الإسلام وأصول الحكم” تؤرخ لحالة الجدل في العلاقة بين الإسلام والسياسة كما بين الدين والسياسة بشكل عام خلال العقد المنصرم التي طرحها الشيخ الأزهري علي عبد الرازق فمن باب أن جوهر الحكم هو السيطرة أو بالإقناع وتداول السلطة السلمي وما إلى ذلك إلا أن الجدل مازال مستمرًا.
الإسلام لا يعرف الثيوقراطية
يقول الدكتور عاصم حفني الأكاديمي بجامعة “ماربورغ” وباحث التاريخ الإسلامي لـ”الميزان” إنه لا يمكن قراءة ما يدور في زهن الشيخ علي عبد الرازق إلا من خلال رؤيته وما أحاط بها عن الدين والسياسة فهي الرؤية التي بلا شك قفزت بشكل سريع على الساحة على الرغم من أن لها أصول إلى حد ما متعلقة بإلغاء الخلافة في تركيا على سبيل المثال وهي لا تدعو إلى أن الخلافة ليست واجبة ولكن قيل إن الشروط التي تتحقق في الخليفة غير متوفرة بمعنى أن ثمة دولة قد ترتئي ما ترتئيه في شأنها السياسي اذا هي كانت خطوة للأمام وهي رؤية مقاربة للعلاقة بين الدين والسياسة التي طرحها الشيخ محمد عبده الذي كان يتحدث عن ان ليس هناك حكومة إسلامية وبأن الإسلام لم يعرف الثيوقراطية يومًا فكل هذه الأفكار تدفع الأمور إلى الأمام.
ويضيف حفني أن الأفكار تنمو وتنضج بحكم البيئة والحقبة ولقد أتى علي عبد الرازق في بيئة كانت تساعد على الحديث عن العلاقة بين الدين والسياسة وكان أكثر رؤية وأكثر جرأة عندما قال:” إن رسالة الإسلام هي رسالة روحية فقط ليس لها علاقة بالسياسة” والوقت الذي جاء فيه كتاب “الإسلام وأصول الحكم” كان الوقت الذي نشبت فيه بعض الخلافات السياسية في المجتمع وهذا ساعد في تحميل علي عبد الرازق بعد الأفكار التي لم يكن يطرحها في كتابه أو حتى يتحدث عنها فالفكرة الأساسية التي يدور حولها الكتاب وتدور حولها أفكار الرجل هو أن لا وجود لشكل معين للحكم السياسي أمر به الإسلام ونفهم من ذلك أن فكرة الخلافة ما هي إلا نظام تشكّل بمقاييس الزمان والفترة التي زامنتها وقد قولت ذلك في إحدى كتاباتي في عام 2010 أي بعد 85 سنة من صدور كتاب الإسلام وأصول الحكم وذكرت أن الخلافة في حد ذاتها ليس إختراعًا إسلاميًا فوجود خليفة في مركز الحكم ويملك ولايات متعددة تحت سلطاته ويرسل إليها عاملون هي نفس فكرة الإمبراطورية يتبوء الإمبراطور كرسي الحكم وهناك ولايات تابعة له وجميعها خاضعة للسلطة المركزية التي يمسك بزمامها.
عمر ابن الخطاب رفض لقب الخليفة
هناك قيصر وهناك إمبراطور وما إلا ذلك يكون مرتبط بالمكان والزمان لكن في حالة الخلافة يؤكد الدكتور عاصم حفني بأنها حملها من خلف النبي محمد تحت إسم الخليفة وهو ما رفضه عمر بن الخطاب الذي فضّل أن يختار لقب ” أمير المؤمنين” ثم عاد لقب الخليفة مرة أخرى بعد عهد عمر وأدخلت ألقاب أخرى مثل السلطان فعلى الرغم من أن علي عبد الرازق لم يتفوه بذلك مباشرة لكن من خلال رؤيته يمكن أن يقرأ ذلك بالتحديد الخلافة الإسلامية منتجًا بشريًا له عيوبه ومزاياه وربما في وجهة نظره كانت الخلافة نكبة للمسلمين والمقصود بكلمة نكبة أنه بعد فترة الخلافة الراشدة وماحدث من صراع عليها وما جاء على رأسها رجلًا إلى من خلال القتال والحروب.
عن العلمانية وفصل الدين
إن الكتاب القصير المكير كما وصفه دكتور العلوم السياسية عمار علي حسن يصفه الدكتور عاصم حفني بوصف مشابه بأنه له تأثيره على الرغم من صغر حجمه الذي لم يساعده على ذكر بعض المصطلحات كمصطلح عزل الدين عن السياسة مثالًا فالقضية واضحة هي أن الإسلام لم يأمر بنظام حكم سياسي معين وحاول الرجل كثيرًا في تفسير الأيات والأحاديث وأتى برأي المعتزلة وغيرهم ولذلك لم يكن يجد المساحة أو الرغبة آنذاك ليستخدم مصطلحات ليست موجودة بالفعل فكلمة “علمانية” التي ترجمت أو فصلت على أنها فصل للدين عن السياسة هي ترجمة ليست دقيقة فوجد لفظ قبل حقبة علي عبد الرازق حيث يعود ذلك إلى ما بعد دخول الحملة الفرنسية عندما قام أحد المترجمون بترجمتها إلى لفظة علمانية وربما كان علي عبد الرازق يعلمه ولكن لم يستخدمه عن قصد لكن لا تعنينا الألفاظ ولكن تعنينا هنا المعاني فطالما أن الإسلام لم يأتي بنظام وشكل محدد للحكم فهذا يعني أن هناك اختلاف بين المصطلحات وهي الفصل بين الدين والسياسة والتمييز بين الدين والسياسة وبين التفريق بين الدين والسياسة.
ثوري أم فقيه؟
وقد قيل عن علي عبد الرازق أنه مجرد ثوري ووصف بانه ليس فقيهًا أو مؤلف من قبل خصومه لدرجة أنهم قالوا إنه ليس صاحب الكتاب على الرغم من أنه صدرت له العديد من المؤلفات والأبحاث وقد عثر على بعض النسخ الأصلية المكتوبة على ورق أبيض فنفي فكرة التعريف لا يوجد دليل قاطع لديها وهي احتمالات من الخصوم فعلى سبيل المثال طلعت حرب أبرز رجال الاقتصاد كانت له ردودًا على رؤية علي عبد الرازق فيما يتعلق بأوضاع المرأة وكتابات قاسم أمين فهو لكونه رجل اقتصاد ولم يشتهر بالتأليف هل يجب أن يقول أحدهم أنه لم يكتب يقول الأكاديمي والباحث في التاريخ الإسلامي.
لم يكن النبي ملكًا أو حاكمًا أو سلطانًا
ويقول محمد أبو العيون الباحث في شؤون الإسلام السياسي لـ “الميزان” إن كتاب “الإسلام وأصول الحكم” لمؤلفه الشيخ على عبد الرازق لا يعد رأيًا خاصًا أو إنعكاسات لبنات أفكار الرجل قد تكون قابلة للصواب أو الخطأ بل هو بمثابة بحثًا شرعيًا مُحكمٌ ومستند على أدلة من القرآن والسنة جميعها تؤكد بأن الخلافة الإسلامية ليست من أصول الدين أو أنها عملًا سياسيًا محض ألبسه حُكام الصدر الأول من الإسلام رداء الدين كي يتمكنوا من السيطرة على المحكومين وتوطيد أركان دولتهم العربية التي يحكمها العرب دون غيرهم ولكن ما يتعلق بقول الشيخ على عبد الرازق:” إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن سياسيًا وأنه كان بعيدًا عن السياسة” فالمقصود هنا أنه النبي كان رسولًا ومُبلغًا من ربه فقط ولم يكن ملكًا أو حاكمًا أو سلطانًا وأن ولايته على قومه كانت ولاية روحية نابعة من أن قلوب المسلمين آمنت برسالته وخضعت خضوعًا تامًا لها.
ويؤكد أبو العيون:” قطعًا لم يكن النبي يجمع بين الرسالة والملك كما لم يُقم دولة والوحدة العربية التي تحققت في حياته كانت وحدةٌ دينية ولم تكن وحدة سياسية بمعنى أن العرب في ذلك الوقت خضعوا لسلطان الدين الجديد بعد أن تقبلت نفوسهم تعاليمه ووجدوا في تطبيقها حياةً كانوا يفتقدونها في الجاهلية وأول مبادئ هذه الحياة الجديدة أنهم صاروا يعبدون إلهًا واحدًا وجميعهم في هذه العبادة أخوة متساويين لا فرق ولا فضل لأحدهم على الآخر إلا بالتقوى والشيخ عبد الرازق هنا كان واضحًا في التأكيد على الحقائق السابقة وخاصة حين قال: “إن النبي محمد ما كان إلا رسولًا لدعوة دينية خالصة للدين لا تشوبها نزعة ملك ولا دعوة لدولة وأنه لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم ملك أو حكومة وأنه أسس مملكة بالمعنى الذي السلطوي أو السياسي أو داعيًا إلى ملك”.
ويضيف الباحث في شؤون الإسلام السياسي:” إذا قلنا إن السياسة اتخذت رداء الدين وإضفاء قدسية على الحاكم بزعم أنه خليفة الرسول في القيام بأمور الدين والدنيا بدأت بتولي أبي بكر الصديق شئون الحكم عقب واقعة سقيفة بني ساعدة التي اختير فيها أبي بكر حاكمًا على المسلمين من قلةٍ لا يشكلون إجماع أو أغلبية الأمة”.
الردة إجتهادات بشرية
وقد جاء في تصورات على عبد الرازق بكتابه الإسلام وأصول الحكم بأن حروب الردة كانت اجتهادات بشرية خاصة أن عمر بن الخطاب اختلف مع أبي بكر في ذلك فالإسلام لا يعرف من قريب أو بعيد ما يُسمى بـ”حد الردة” والنصوص القرآنية واضحة حيال هذا الأمر والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقاتل المرتدين في حياته بالرغم من أن كثيرًا منهم كانوا يسكنون معه في المدينة وما حدث في بداية حكم أبي بكر الصديق أن بعض الناس ارتدوا بالفعل عن الإسلام والبعض الآخر بقى على إسلامه ولكنه رفض مبايعة أبي بكر والخضوع لحكمه وامتنع عن أداء الزكاة للحاكم الذي لم يبايعه حتى يستتب الأمر للدولة الجديدة أطلق على المعارضين لقب “المرتدين” و قوتلوا وقتلوا على هذا الأساس والأدلة كثيرة على أن حروب الردة كانت أمرًا سياسيًا لتوطيد أركان الدولة العربية الجديدة وأن هذه الحروب ألبست ثوب الدين حتى يمر أمر قتل المعارضين دون اعتراض من أحد ويكفينا هنا أن نذكر معارضة عمر بن الخطاب رضى الله عنه لقتال هؤلاء في بداية الأمر ثم مطالبته أبي بكر بقتل خالد بن الوليد لأنه قتل مسلمًا وهو مالك بن نويرة.
الكاتب
-
أحمد الأمير
صحافي مصري شاب مهتم بالتحقيقات الإنسانية و الاجتماعية و السياسية عمل في مواقع صحافية محلية و دولية عدّة
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال