في رأس البر وأوروبا.. كيف أفسدت الحرب العالمية الثانية مصيف المصريين عام 1939م؟
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
الأول من سبتمبر 1939م يبدأ القتال بين ألمانيا وبولندا معلنًا الشرارة الأولى للحرب العالمية الثانية، وقت حاول فيه الملك الشاب، فاروق الأول، الحفاظ على الحياد المصري وعدم التورط في حرب قد تجره إليها بريطانيا. إلا أن المشكلات الدبلوماسية تلك اختلطت بمصيف المصريين الذي اعتادوا قضائه في مناطق هددتها الحرب المشتعلة؛ مما أجبر حكومة علي ماهر باشا على تكثيف الجهود لإجلاء المصطافين ورعايا مصر من الخارج.
قبل حوالي مئة عام اعتاد المصريون قضاء إجازة الصيف في أشهر الوجهات السياحية العالمية، على رأسها لبنان ومرسيليا وبودابست؛ إضافةً للمصايف الداخلية في رأس البر ومرسى مطروح والإسكندرية. لكن المصيف عام 1939م كان مختلفًا عن أي عام، حيث باغتت الشرارة الأولى للحرب العالمية الثانية المصطافين المصريين حول العالم؛ وأصبحت البلاد في حالة ترقب لعودة الرعايا سالمين.
من خلال أرشيف خاص للأهرام نعرض لأول مرة كيف عاش المصريون مصيفهم صبيحة الحرب العالمية الثانية..
رأس البر ولبنان وأوروبا رحلات المصريين لقضاء صيف 1939م
بدأ المصيف تلك السنة من أول يونيو، وكانت لا تزال إعلانات المصايف والرحلات البحرية تعرض على صفحات الأهرام صبيحة الهجوم الألماني على بولندا. المدينة الساحلية الصغيرة بمحافظة دمياط، رأس البر، احتفظت بقدرتها على جذب المصطافين حتى بعد اندلاع الحرب. كانت رأس البر مجرد مدينة هادئة بعيدة عن أي موقع عسكري أو استراتيجي هام؛ وبالتالي لم توضع على قائمة استهداف دول المحور، فأصبحت وجهة لأهم الشخصيات الفنية والأرستقراطية في مصر خلال سنوات الحرب.
عرض مغري نشرته الأهرام في عدد 19746، بتاريخ 1-9-1939م، الصفحة الثامنة؛ عن لوكاندة مارين فؤاد، أحد أشهر فنادق المدينة وقتها، يعد المصاطفين بغرف مضائة بالكهرباء وشقق فندقية. ولا يزال فندق مارين فؤاد قائمًا حتى يومنا هذا برأس البر، لكن باسم جديد هو “مارين النيل“.
فيما نشرت شركة خطوط البريد الفرعونية جدول رحلات الباخرة “محمد علي باشا الكبير” إلى مالطة ومرسيليا خلال شهر سبتمبر. جدير بالذكر أن شركة خطوط البريد الفرعونية هي أحد المحطات التاريخية لتطور البريد المصري، قبل إعلانه هيئة عامة في 1966م.
توتر داخلي واستعدادات للحرب
الوضع الداخلي المتوتر في مصر- والعالم على مشارف حرب عالمية ثانية-كلية لم يؤدي فقط إلى إفساد المصايف، بل ساد اتجاه عام نحو رفع درجة الاستعداد للحرب. بداية من التدريبات على مواجهة الغارات والمناورات العسكرية لحماية المدن الهامة، مثل القاهرة، والإسكندرية، وبورسعيد، والمنصورة، ودمياط؛ وحتى إلغاء حفلة كوكتيل بكلية فيكتوريا– أحد أشهر المدارس الإنجليزية التي لا تزال تعمل حتى الأن بالإسكندرية-.
في خطوة احترازية عمدت الحكومة إلى إجلاء المدنيين من المناطق المأهولة بالصحراء الغربية، على أن يتم توطنيهم في مدينة الإسكندرية على دفعات بداية من مطلع سبتمبر 1939م. في حين طلبت السلطات من البدو الرحل بالمنطقة الابتعاد عن مناطق الخطر، والارتحال إلى الصحراء القريبة من الإسكندرية.
جهود إعادة الرعايا المصريين من الخارج
في الواقع سادت التوترات في جميع أرجاء العالم قبل إعلان الحرب العالمية الثانية؛ فقبل الهجوم الألماني على بولندا صبيحة الأول من سبتمبر، نشرت الأهرام موضوعات تحمل في طياتها قلق دولي ومحلي من حرب وشيكة. الأمر الذي جعل أوضاع العديد من البلدان العربية أكثر ارتباكًا، فقد احتلت الصفحة الأولى من عدد 1-9-1939م خبر إعادة المصطافين المصريين من لبنان، أعقبه في الأعداد اللاحقة متابعات لرحلات عودة الرعايا من أوروبا.
تطرق الخبر إلى الوضع في فلسطين لاسيما وأن المصطافين في لبنان فضلوا العودة إلى مصر برًا عبر الأراضي الفلسطينية، والتي كانت تعيش وقتها حالة من الاضطرابات بين اليهود والعرب. وقد كشفت الأهرام قبل يوم واحد فقط من إعلان الحرب عن مخاوف الشارع الفلسطيني من حرب عالمية ثانية؛ متحدثةً عن تدابير حازمة في قطاع البنوك لطمأنة الرعايا.
جزء كبير من المصطافين المصريين كان يقضي الإجازة الصيفية في بلاد أوروبية مثل قبرص، واليونان، ومرسيليا، وإيطاليا؛ وقد شهدت عمليات إجلائهم بعد اشتعال الحرب العالمية الثانية عقبات مثل إغلاق ميناء مرسيليا في فرنسا أمام الباخرة المصرية “كوثر”. إلا أن جهود السفير المصير في فرنسا وقتها محمد فخري باشا حلت المشكلة، ووصلت الباخرة سالمة إلى ميناء الإسكندرية خلال 24 ساعة.
حملت البواخر المصرية القادمة من أوروبا على متنها عائلات بعض الشخصيات الدبلوماسية، مثل نجل وحرم صدقي باشا، رئيس الوزراء السابق، قادمَين من بودابست عبر أثينا. حيث تحدثت الأخبار عن مرورهم برحلة شاقة بسبب حالة الفزع التي سادت أوروبا؛ وأدت إلى تكدس المسافرين على القطارات المغادرة.
كما تواصلت الجهود لإعادة الطلاب المصريين من ألمانيا وإيطاليا، حيث خصص مجلس الوزراء ميزانية قدرها 6 آلاف جنيه لإجلائهم. أمَّا الطلبة في فرنسا وإنجلترا فقد رأت الحكومة أن وجودهم لا يمثل خطورة مع تعهد الدولتين بحمايتهم.
عودة طارئة للمسئولين من الإجازات
أربكت الحرب المفاجئة حسابات الجميع، فقد نشرت الأهرام في الصفحة الأخيرة من عدد 2-9-1939م صورة لوزير المعارف الفرنسي من مصيفه العائلي على شاطئ فال أندريه المطل على بحر المانش. مرفق بالصورة خبر عودة الوزير من إجازته على عجل إلى العاصمة باريس؛ لحضور اجتماع طارئ لمجلس الوزراء.
كما ذكرت الجريدة في عدد 3-9-1939م اضطرار المسئولين المصريين إلى العودة من إجازتهم أو إلغائها؛ بسبب الحالة المتوترة التي عاشها العالم وقتها.
الكاتب
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال