تريند الدليفري “ملابس البيت” .. مما يتكون دماغ مندوب التوصيل؟
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لا كلام من الإسكندرية حتى أسوان إلا حول هذا التريند الصادم، وتفاصيله، وعمقه، وأبعاده المتعددة سواء على المستوى الديني أو النَسَوي أو الاجتماعي عمومًا .. وملخص ما حدث بالضبط هو واحدة من السيدات قد طلبت (أوردر) ملابس كملايين الأوردرات التي تطلبها السيدات يوميًا لكن ما حدث عند هذا الطلب تحديدًا هو العَجَب الذي يجعلك تقف مشدوهًا، ذلك عندما تواصل مندوب توصيل الطلب مع السيدة مستفسرًا منها عما إذا كانت سوف ترتدي تلك الملابس داخل المنزل أم خارجه ذلك لأن الأبعاد الشرعية قد تقف في طريق توصيل الأوردر لأن المندوب لديه التزامات (دينية) ربما تمنعه من التوصيل .. وكتبت صاحبة (الأوردر) تلك الواقعة وكان ما كان حيث رفض المعظم هذا السلوك، لكن كثيرين حاولوا بلورة تلك الواقعة على إنها سقطة أخلاقية من المندوب الذي لم يحترم الخصوصية .. لكن الحقيقة أكبر وأعمق من ذلك .. فدماغ هذا الرجل واحد من ملايين الأدمغة التي تحمل نفس المعتقدات والأفكار ما يعكس ذلك على السلوك .. وهذه رحلة قصيرة سوف نبحر فيها حول الكُتَل الثلاثة الرئيسية التي تكوّن هذا المحيط.
أولًا : الاستحقاقية
يشعر –(الأخ من دول) – الذي يحمل تلك الأفكار بالاستحقاقية والفوقية على جموع هذا المجتمع الذي هو غالبًا بنسبة تقارب الـ 100 % عاصيًا إن لم يكن كافرًا .. ونسبة بسيطة جدًا من هذا المجتمع – وهم أفراد أسرته ومشايخه وبضع آخرين – فقط هم الفصيلة الناجية من القطعان التي سوف تُلقي في النار حدفًا لا محالة .. لذلك لم لا أكون مستحقًا لأن أدير هؤلاء الأغبياء الذين أضاعوا أنفسهم بالجري خلف التليفزيون والإنترنت (والعياذ بالله) .. لما لا أقوّم سلوكيات هؤلاء الذين يسمعون كلام الفنانين وتطربهم أصوات المطربين بدلًا من أصوات الفقهاء ! إذًا سوف أقوم بذلك ما استطعت طالما في المنطقة الآمنة بلا اصطدام بالمزعجين !
ثانيًا : الطبقية
يعتمد هذا (الأخ) الواعظ على اصطياد (الزبون) البسيط، الزبون الذي لن ينال منه إذا وقع في جريمة اختراق خصوصيته .. فلنتخيل معًا لدقيقة أن عنوان هذا الطلب كان لأحد سكان (مدينتي) أو (التجمع الخامس) .. أو هذا الطلب باسم واحدة من المشاهير على التليفزيون أو التيك توك مثلًا .. كيف كان سيتعامل المندوب الهُمام الذي يحمل على عاتقه عبء الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟ .. أنا وأنت والمندوب نعرف الإجابة .. لذلك فالطبقية محرك رئيسي للوعظ ومكوّن أساسي من مكونات دماغ المندوب.
ثالثًا (والأهم) : من أمن العقاب أساء الأدب
“مالقتش حد يلمني” .. هذا المثل المصري الشهير الذي جاء كإجابة على لسان فرعون عندما سألوه عن سبب (فرعنته)، ولا (فرعنة) أكثر من تلك التي تنصب رجلًا مفتشًا في النوايا وواعظًا للناس ومستفسرًا منهم عما إذا كانوا سيرتدون ملابسهم داخل المنزل أو خارجه .. لكن ما حدث بعد انتشار تلك الواقعة كان على ما يبدو قراءة جيدة من المندوب .. حيث أن الجميع أشعل فتيل السخرية الذي يحرق الحق والباطل معًا انتصارً للإفيه .. وتناسى الجميع أو نسي مطالبة الجهات المسؤولة والمالكة لشركة النقل أو جهة المتجر بالتحقيق المباشر والعاجل في تلك الواقعة التي يجب أن نقف عندها ونبكي دمًا بدلًا من الدموع .. لا نسخر ونسخر حتى يضيع المضمون!
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال