أحمد السعدني الذي خرج من قائمة أبناء العاملين لنجومية مستحقة

يزرع ربنا الموهبة في الإنسان ويساعد من يحاول تطويرها، ولو اجتمع الأنس والجن كي يجعلونك تنال قبول الجمهور لن يفلحوا لو لم يكتبه الله لك.

أبناء العاملين الجملة التي كانت تقال على جيل بأكمله من أبناء الفنانين الذين استكملوا دراستهم بمعهد الفنون المسرحية  كي يلحقوا بنفس درب أباءهم، ومن هؤلاء الفنان أحمد السعدني الذي يقول بشجاعة في كل لقائاته أن اسم والده العمدة صلاح السعدني أعطاه دفعة وفرصة بكل تأكيد، ولكن أثبت مع الوقت والاجتهاد أنه موهوب بحق ليمحي من ذاكرة الناس جملة أبناء العاملين ويصبح اسمه وحده كافٍ  للنجومية.

بداية المشوار

كان يميل أحمد صلاح السعدني أن يصبح صحفيا، وله مقال  بالأهرام الرياضي عندما كان عمره 14 عامًا  رد فيه على عمه الكاتب الساخر الكبير محمود السعدني في مسألة كروية، حيث كان عمنا محمود السعدني يشجع الاسماعيلي، فيما ينحاز السعدني الصغير للأهلي منذ صغره. وكان يعيش  أحمد السعدني مع عمه  بفترة من شبابه بشقته بلندن ويكتب له المقالات التي يمليها عليه ليرسلها بالفاكس.

ورغم تفوقه باللغة العربية وتعلقه بمدرسته للغة العربية أستاذة وجيهة في مرحلة من مراحل دراسته بالمدرسة والتي تنبأت أن يصبح كاتبا كعمه، إلا أن هناك شخص واحد كان يرى أن هذا الشاب سيصبح نجما ، وهو الفنان الكبير صلاح السعدني.

وقد عمل السعدني بالصحافة لمدة عام وكذلك بمجاله كخريج كلية التجارة بأحد البنوك في لندن حتى ندهته النداهة لطريقه الحقيقي التمثيل.

وقد ظهر الفنان أحمد السعدني في طفولته بأخر مشهد من مسلسل ليالي الحلمية الجزء الثالث يسند العمدة سليمان غانم ولم يكن يعرف وقتها أن ظهوره سيتكرر على شاشة التلفزيون في أدوار كبيرة وسيصبح نجما تتحدث عنه مصر كلها.

الظهور الحقيقي

عام ٢٠٠٢ ظهر السعدني كممثل لأول مرة وليس مجرد ضيفا بأحد الكادرات، فقد شارك في مسلسل “رجل في زمن العولمة ” للمؤلف والمخرج عصام الشماع، وكان هذا المسلسل بداية لظهور الفنان كريم محمود عبد العزيز   وأحمد فلوكس أيضا.

وقام السعدني بدور عمر الحسيني ابن الأستاذ الحسيني (صلاح السعدني) الذي يمر بفترات ومراحل صعبة مع تجربة حب استثنائية ويقع في مشكلات مرحلة الشباب والتعرف على عالم جديد من حوله واختبار مشاعر الحب التي تأتي دون استئذان.

لم يكن الدور صعبا ، وبدا السعدني في أول ظهور بشاشات التلفزيون شاب طويل ولطيف وخفيف الظل وليس ممثلا بارعا، يناديه العمدة صلاح السعدني أحيانا بأبو طويلة وترى ضحكة مكتومة على وجه كلاهما في علاقة أبوية لذيذة أحبها الجمهور على الشاشة لم تنبأ للشاب الصغير بشيء.

مرجان أحمد مرجان بداية نجم جديد

في أواخر العشرينات من عمره ظهر السعدني بشكل جديد كان للزعيم عادل إمام يدًا فيه. 

وقد كانت هناك محاولات قبل هذا العمل كي يظهر السعدني بعمل من أعمال الزعيم، ولكن لم يحالفه الحظ لظروف مختلفة.

وظهر السعدني بالسينما في دور فاصل بحياته وهو دور الشيخ محمود الذي أخرج قدراته كممثل وخاصة خفة ظله في مشاهد كوميديا الموقف، بل ترك له الزعيم المجال للارتجال، فلا أحد ينسى دعاء محمود “اللهم دمر الفريق الأسود ذو القلب الأسود” والذي كان من ارتجال الفنان أحمد السعدني.

وأصبح من وقتها نجما جديدا له جمهور ومعجبات  وتحولت إيفهات الفيلم لكوميكس على مواقع التواصل الاجتماعي، وكبر الطفل الذي كان يستقبل شرائط الفيديو بتوقيع الزعيم وأصبح هو من يشاركه أفلامه.

ولم يكن هذا هو التعاون الأخير بين الزعيم والسعدني، فقد شاركه السعدني في دور بمساحة هامة بمسلسل “فرقة ناجي عطا الله” عام ٢٠١٢.

الكبريت الأحمر بداية التطور

السعدني إنسان يعمل كل شيء بمزاج، هكذا يبدو. ضعه في جو (رايق) ومجموعة تحبه وبينه وبينهم كيميا -كما يقولون -وستجد منه ما لا تتوقعه.

لذلك برع عندما عمل مرة أخرى مع المخرج عصام الشماع الذي قدمه أول مرة برجل في زمن العولمة.

الكبريت الأحمر بجزئيه كان نقلة كبيرة في حياة السعدني ومشواره الفني.

معتز الضابط الذي يحمل في نفسه الكثير من العقد وتمتع بالمال لا بالعاطفة أثناء التربية فأصبح شخصا ساما بشخصية مركبة تحتاج مجهودا كبيرا من الممثل.

العمل وحده مختلفا يصنف من أعمال الرعب والفانتزيا؛ لذلك تطلب الكثير من المجهود.

شاهدنا السعدني فيه بشكل مختلف وتابع جمهور كبير العمل حتى حقق نجاحا كبيرا، وكان عام ٢٠١٦ صاحب وجها حسنا على نجم يحاول إثبات نفسه بعيدا عن اسم العائلة.

شبندي الدور الذي لا ينساه الجمهور

حق مشروع، وعد، وش إجرام وأعمال أخرى شارك فيها الفنان أحمد السعدني بأدوار مختلفة، وكان ذكاء منه أن يقبل أدوار كضيف شرف أحيانا وأدوار بمساحات مختلفة كي يصبح دائما في ذاكرة الجمهور.

ولكن عام ٢٠١٦ ظهر السعدني مع المخرج محمد ياسين كما لم يظهر من قبل في العمل الرائع “أفراح القبة” 

شبندي الشخصية صاحبة التركيبة المختلفة والدور الذي يحتاج لممثل محترف يعرف كيف يديره بشكل مختلف.

دور القواد الذي لا يعرف سوى مصلحته بالحياة وهو دور مختلف عن الشاب اللطيف الرومانسي.

أضفى السعدني روح مختلفة لشخصية شبندي، روح خفيفة الظل كما يحب دائما في أعماله، فجعله رجلا (مفتريا) صاحب افيهات مضحكة تكسر حالة المرارة والتراجيدبا بالمسلسل، فمن ينسى الافيه الشهير:

عيب يا سنية دي مش اخلاق ارتيستات انتِ فنانة.

وظهرت قدرات السعدني الحقيقية بهذا الدور من حيث استخدام لغة الجسم والصوت دون افتعال، بل وغير من شكله الذي جعل له جمهورا من المعحبات بفترة ما قبل شبندي، فقط كي يناسب شكله الدور.

اقرأ أيضا…ملامح مما قدمه العمدة المثقف صلاح السعدني

بنفس العام نجح  في مسلسل “زي الشمس” في دور عمر لأن الدور كان أيضا مختلفا، فقد خرج السعدني من عباءة الشخصيات الطيبة المحايدة وأصبح يبرع في أداء الأدوار المركبة.

إقرأ أيضا

الخطاب الديني المسيحي وعيد الميلاد .. خلاف قداسة البابا شنودة مع الصحافة

وقبل أن ينتشر مصطلح “توكسيك” كان السعدني يؤدي دور الشاب التوكسيك الجذاب صاحب اللسان الحلو ولكن يخفي الكثير من السمية.

بطلوع الروح والنضج الفني والإنساني

أعمال كثيرة شارك فيها أحمد السعدني قبل مسلسل بطلوع الروح مع المخرجة كاملة أبو ذكري، وكلها لاقت نجاح، حتى الحلقة التي كانت بمسلسل “نمرة اتنين” إخراج يسري نصر الله بعنوان “ماتقولش لحد” كانت من أفضل حلقات المسلسل بلون نوستالجيا التسعينات والحب الحقيقي رغم كل ما يشوبه من تعقيد.

وقبل بطلوع الروح كان دور عنتر المختلف أيضا بفيلم ٢٠٠ جنيه، وتعاون آخر جيد مع يسري نصر الله بمسلسل “منورة بأهلها” . ويبدو أن اسم عمر له نصيب ما مع السعدني، ولكن عمر بمسلسل بطلوع الروح كان مختلفا للغاية.

الإرهابي الذي يتتبع هوسا بفتاة أحلامه ، شخصية مركبة مبهرة على مستوى الدراما أتحفنا بها السعدني وكان دور عمره الذي أشعل مواقع تواصل الاجتماعي بموسم رمضان 2022.

اقرأ أيضا…محمود السعدني روح مصر التي لم تغادر أبدا

وعلى كل المستويات فقد تطور الفنان أحمد السعدني فنيا وإنسانيا كما يبدو في لقائاته مؤخرا، وعلى الرغم من كونه يحاول دائما الاحتفاظ بالخصوصية قدر الإمكان، إلا أن القدر جعله في موقف ما يحكي عن آلامه الشخصية وعن مروره بفترات صعبة.

وبشجاعة عهدها منه الجمهور أصبح يتحدث عن عيوبه وهفواته وأخطائه بأريحية الواثق الذي يؤمن بحقيقة ان كلنا بشر والشاطر من يتعلم من هذه الأخطاء.

ولعل ما مر به إنسانيًا أثقله فنيًا، فإزدادت موهبة السعدني خاصة بالمشاهد التي تمس الوجع الإنساني بوجه عام.

سيب وأنا اسيب المنطقة المريحة للسعدني

على الرغم من مشكلات هذا المسلسل إلا أنني أؤمن أن وصوله لترند تويتر كرقم واحد لأيام سببه جمهور السعدني وخاصة جيل الألفينات.

المسلسل ليس من المسلسلات الجيدة فنيا  ولكن يشبه هذا الجيل الذي يبحث عن خلطة خفيفة حتى لو كانت مليئة بالأخطاء.

وفي الواقع فهناك منطقة  مريحة للسعدني يترك يده فيها ويتصرف بشخصيته خفيفة الظل كما هو ويضيف لمساته، تماما كدور ابراهيم في سيب وانا اسيب وكدوره أيضا في مسلسل شبر مياه ودوره في حلقة “باتكلم جد” 

ويثبت دائما عن طريق هذه الأدوار أنه يستطيع التلون كما يشاء وله جمهور من مختلف  الفئات.

التمثيل يجري في دماء السعدني ليس فقط بالوراثة ولكن بالحب والشغف الذي يتحدث به دائما عن أدواره. وابن الوز عوام ونتمنى دائما أن يجد مياها صافية تناسبه كي يمتعنا بأدائه.