مش سليم و شيخ العرب .. حمزة نمرة .. محاولة جيدة للتمرد على المشروع الأصلي
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
يواصل المطرب حمزة نمرة إطلاق أغاني ألبومه الجديد “رايق” مساء كل أربعاء حيث يصدر بالتبادل مرة أغنية ومرة أغنيتان وجاء الدور هذه المرة على أغنيتان هما “مش سليم – شيخ العرب”.
شيخ العرب.
منذ سنوات أطلق حمزة نمرة مشروع “ريميكس” الذي كان استعادة للأغاني التراثية من كل بقاع الوطن العربي، وصل بهذا المشروع إلي أقصى مراحل تمرد فني تحرر فيه من فلك مشروعه الغنائي الخاص وانطلق يغني اشكالًا غنائية متعددة ومضامين لم يغنيها من قبل، هذا المشروع جذب له جمهورًا جديدًا وكان نقطة انطلاق للتصالح مع فنه بعد أن تم حصره في فئة المطرب الملتزم أو “مطرب التنمية البشرية”.
في أغنية “شيخ العرب” يحاول حمزة بناء تراثه الغنائي الخاص حيث استدعى شكلًا تراثيًا عبارة عن محاورة غنائية بينه وبين “شيخ العرب” الرجل الذي يرمز إليه دائمًا بالحكمة والموعظة حيث يوجه إليه نصائحه وهو نمط شائع جدًا في الشعر الشعبي حيث العليل الذي يشكو جراحه وهمومه أو يلتمس بعض الحكمة من شخص أخر سواء كان الطبيب أو شيخ العرب كما وصفه محمود فاروق في الأغنية.
نلاحظ تطور مذهل في صياغة محمود فاروق الذي كتب الأغنية بلهجة بيضاء “يمكن سحبها على أي منطقة جغرافية” مع استخدام مفردات جديدة على قاموسه الشعري تحمل صيغة كلاسيكية تتماسك مع الفكرة وإن خرج عن السياق في شطر واحد فقط “مقطوعة عنه الحرارة” مع إعادة تدوير نفس الحكم والمأثورات التقليدية التي تعلي من قيمة الأخوة والصداقة وتتحدث عن الدنيا والمال بشكل جديد ودون تكرار.
لحن أحمد الحاج على مقام البياتي “أكثر المقامات الموسيقية المستخدمة في أغاني التراث” وهو اختيار جيد جدًا حيث أعطى لمحة شرقية تماهت مع فكرة الكلمات، اللحن مكون من فكرتين الأولى في المذهب والثانية تتكرر في بقية المقاطع ولو افترضنا أن الكلمات كتبت على اللحن المولود أولًا فيحسب لفريق العمل هو الحفاظ على الاتساق بين الجمل الموسيقية وبين الكلمات وهو أمر لا نراه غالبًا هذه الأيام التي يولد فيها اللحن قبل الكلمات.
توزيع كريم عبد الوهاب غلف اللحن بشكل جيد بداية من تيمة العود القوية “على مقام البياتي” التي افتتح بها الأغنية ثم استخدام إيقاع “عربي” عزز من الفكرة خلفه كوردات من الجيتار مع استخدام الكيبورد في انتاج صوت المزمار إليكترونيًا أعطى ثقلًا لهارموني الأغنية، من الأمور اللافتة في التوزيع هو التنويع في الهارموني في الكوبليهات حيث يتم تفعيل الرتم واستخدام الصقفة الأليكترونية حتى دخول الناي والكوله كمردات للغناء دون استخدام فاصل موسيقي ثابت حيث يعاد المذهب “شيخ العرب يوم ناداني” ثم تغيير الفاصل قبل المقطع الأخير واستخدام مفردة “شيخ العرب يا ابو السباع” مع تنويع من المزمار الكيبوردي الناي والكوله بالتبادل ثم دخول صولو جديد للعود يسلم الغناء بسلاسة في مقطع ” في ناس معادن يا ولدي” ثم إعادة للسينو حتى نهاية الأغنية على طريقة الـ Sudden.
أدى حمزة اللحن بلهجة تميل إلي البدوية من حيث تعطيش حرف الـ ج واستخدام نفس الحرف بدلًا من القاف “جال بدلا من قال وجلبي بدلا من قلبي مجطوعة بدلا من مقطوعة” بطول الأغنية.
مش سليم.
فكرة جيدة من محمود فاروق عن شخص يطارده الماضي وذكرياته الأليمة ويحاول التخلص منه لكن محاولاته في كل مرة يصيبها الفشل وكأنه لم يتحرك خطوة واحدة نحو بر النسيان.
صياغة محمود فاروق تحمل بعض المفردات الجريئة والجديدة عبرت بشكل جيد عن الفكرة ” جزء كان تعبان وخف – وجزء لسه للأسف – كان زمان عفريت دفنته – بعد فترة رجعلي ألف” ” مش يا ماضي لسه سايبك – إيه بقا تاني اللي جايبك – كنت خلاص بقيت كويس – مرة واحدة شريطي سف” “مش قفلنا الصفحة ديا – واتفقنا خلاص يا وحش – مش ردمنا على قديمنا – غطيناه بتراب وقش” “شفتني عايش في وحدة – قلت ترجع واحدة واحدة – كل حبة تغيب وتجي – تنط لي وعاملني عش”
لحن الأغنية أندريا مينا وحمزة نمرة، نلاحظ التنوع والتنقل الجيد والمدرس بين المقامات الموسيقية، الأغنية بدأت على مقام النهاوند حتى ينتقل إلى مقام البياتي في سينيو الأغنية “تاني تاني” ثم يعود إلى النهاوند مرة أخرى في مقطع ” مش قفلنا الصفحة ديا” في المقطع الأخير “عارف إني مش سليم” يتحول بسلاسة شديدة إلي مقام الكرد بجملة لحنية قوية جدًا عبرت عن باّسى عن المقطع ثم يعود إلي السينيو البياتي مع اهات على نفس المقام يختم بها الأغنية.
اختار الموزع أندريا مينا صب اللحن على إيقاع الـ Trap وهو تناسب مع فكرة الأغنية، البداية من الإيقاع مع باص جيتار قوي جدًا وبعض المؤثرات الصوتية في خلفية الغناء، في السينيو تدخل الوتريات المتألفة معها والعود على نفس المقام “البياتي” ثم يأخذ العود دوره كخط أول بصولو عبقري خاطف في تسليم الغناء في المقطع الأول ويختفي في المقطع الثاني ثم يعود مع الأهات في قفلة الأغنية.
لا اريد تكرار ما قلته لكن يلاحظ أن هناك انتقاد للعديد من الأغاني التي أصدرها حمزة نمرة حتى الآن بعضها يرى أنه تخلى عن مشروعه الأساسي والبعض يرى أنه يعيد تكرار نفسه في بعض الأغاني، لكن في النهاية وقياسًا على ما يحدث في سوق الغناء المزدحم بأغاني على شاكلة “سطلانة – اختياراتي مدمرة حياتى – مخصماك” نستطيع أن نقول أن حمزة يحلق خارج السرب بمشروع قادر على احتلال تريندات مواقع التواصل الإجتماعي دون الانجرار إلى نمط الموسيقى السائد هذه الأيام.
عن اتهام حمزة نمرة بسرقة لحن رياح الحياة .. اتركوا الفنان ينجح في هدوء
الكاتب
-
محمد عطية
ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال