90 مشاهدة
ذكريات حرب الاستنزاف (1-2) هكذا بدأت القصة
أثناء حرب الاستنزاف كنت أخدم في إحدى وحدات الدفاع الجوي برتبة ملازم بقطاع الجيش الثالث بالسويس، وكان سيناريو الأحداث على الجبهة يجري في مجمله بشكل عام في استقرار أوضاع القوات الإسرائيلية بالنقط القوية بطول الضفة الشرقية للقناة “خط بارليف“، والتركيز على استخدام الطيران ذراع إسرائيل الطويلة في قصف مواقع قواتنا بشكل يومي روتيني لمدة عامين.
رغم التفوق النوعي وشراسة العدو اكتسبت تشكيلات الدفاع الجوي خبرات ومهارات هائلة حدت وقللت إلى حد كبير من تأثير وفعالية هذه الهجمات، ورغم هذا التفوق للعدو وسيطرته الجوية ومعاناة ظروف الإعاشة وقلة الإمكانيات في ظل انشغال قواتنا الجوية في أعمال استعادة كفاءتها القتالية ومواصلة التدريب.
في نفس الوقت نجحت وحدات المدفعية المضادة للطائرات في توفير الحماية لمواقع كتائب الصواريخ التي كان يجري العمل في إنشائها على مدار الساعة لإعداد حائط الصواريخ الذي كان أهم عوامل نجاح العبور العظيم.
كانت مرحلة ثرية حافلة بأحداث وبطولات تصلح لإنتاج عشرات من الأفلام والأعمال الدرامية التي كان من الضروري أن تسهم في بناء وتأهيل مجتمع أكثر إيجابية وفعالية جادة للعبور بالوطن إلى آفاق الرقي الأخلاقي والتقدم العلمي بدلاً من هذا الاجتياح المسف المذري لأفلام وإعلام أصاب أجمل وأبهى قيم المجتمع المصرى وأصالته – عن عمد – في مقتل.
بعد هذه المقدمة دعوني أحكى لكم عن لمحة من ذكريات هذه الفترة المضيئة من تاريخ جيل رفض الهزيمة وتصدى بكل شجاعة لإنتزاع الأمل في حياة أفضل من بين براثن أعتى قوى الشر.
ترقيت لرتبة ملازم أول وتم نقلي لقيادة سرية استشهد قائدها النقبب البطل”سعد أمين سليم” في وحدة كان يقودها آنذاك الرائد/ فيليب نصيف زخاري، الذي استقبلني في مكتب العقيد/ أحمد عبدالفتاح الوصيف ثم اصطحبني في سيارته عند حوالي العاشرة مساءًا إلى موقع السرية بجنوب البحيرات وطوال الطريق.
لم يتوقف المطر ولم تتوقف تعليماته بتمام اليقظة والحرص على مواصلة التدريب والحفاظ على صيانة وكفاءة المدافع وأكد على الإهتمام بالروح المعنوية للجنود، نظرًا لشراسة وعنف الاشتباكات المتواصلة، عندما وصلنا تمنى لي التوفيق فأديت له التحية وتوجهت بصحبة حكمدار الخدمة إلى مبيت قائد السرية وهو عبارة عن تقفيصة من أسياخ الحديد مدفونة تحت سطح الأرض – تسمى ملجأ – حيث وجدت بها ضابط احتياط ملازم أول “سامي”.
قابلنى بالترحيب في ضوء فانوس ميداني وطلب لي وجبة عشاء فشكرته وطمأنته أنني تناولت العشاء في قيادة الفرقة، لكن لا مانع من كوب شاي في هذا الزمهرير، وتبادلنا حديثًا وديًا عرفت منه أنه خريج زراعة ومن سكان حي شبرا تزوج منذ ثلاثة شهور، ولم ينزل أجازة لمدة تزيد عن شهر لعدم وجود بديل فطيبت خاطره مطمئنًا أنني سأطلب من سيادة الرائد/ فيليب نزوله باكرًا أو في أقرب دفعة أجازات.
تهيئنا للنوم الذي استعصى عليّ فقضيت ما بقي من الليل قارس البرودة، أستمع شاردًا إلى صوت أم كلثوم وصوت قصفات المدفعية المتبادل بين الحين والآخر حتى تناهى إلى أصوات الجنود ووقع الأقدام إستعدادا لطابور الإجراءات الروتيني الذي تقوم به تشكيلات الدفاع الجوي مع كل أول وآخر ضوء.
خرجت بصحبة سامي تستقبلنا ريح الشتاء الباردة التي زادت من نشاط وحركة الجنود في رؤية لم تساعدني على استبيان ملامح الموقع وطبوغرافية المكان بوضوح فذهبت إلى نقطة الأوامر وتعرفت على حكمدارها العريف مجند/ مصطفى البرعي.
واطلعت على الباروميتر اليومي “حالة الطقس” وألقيت نظرة على خريطة الموقع العام وخطوط سير آخر ما تم رصده من أهداف ليدركني الجندي الساعي فرد/ عبرحيم فرد ـ حسب نطقه ـ، وعندما سألته عن بلده أجاب مبتسمًا “درده”.
وضع أمامي صينية عليها كوب شاي وباكو بسكوت لوكس، واستأذن لاستلام تعيين الإفطار، فقد وصلت عربة التعيين فتبعته وأشرفت على استلام كميات التعيين المقررة للجنود، طبقًا لكشف التفريدة واستكملت استطلاع الموقع بعد أن كشفته شمس الشتاء الباهتة التي تبدو حينًا وتغيب أحيانًا خلف ركام الغيوم الداكنة.
بدأت أتفقد مرابض الأطقم وأماكن تخزين الذخيرة وفي نفس الوقت أتعرف على الجنود وأدون بياناتهم في أجندتي التي لا تفارقني حتى جاء المراقب يبلغنى أن النقيب/ جمال المناخلي على التليفون.
الكاتب
ما هو انطباعك؟
