“قبل الـ 37” لهذا ظل روبرتو باجيو واقفًا بعد النهاية
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
أحب كرة القدم منذ الطفولة ولكنه لم يعلق بذاكرتي لقطة أكثر من لقطة روبرتو باجيو بعدما طاشت ضربة الجزاء الأخيرة خارج مرمى تافاريل حارس البرازيل وظل واقفًا ينظر إلى الأرض بينما لاعبو البرازيل يحتفلون، تلك اللحظة التي قال عنها نجم البرازيل روماريو أنها أنهت نشوة الفوز بكأس العالم لديه.
اقرأ أيضًا
ألبوم ذكريات نهائي المونديال يوم أحببت باجيو وكرهت الديوك
وعلى الرغم أن باجيو لم يكن السبب الرئيسي في هزيمة إيطاليا فإن كان أحرز تلك الضربة، فكان أمل إيطاليا الوحيد في التعادل هو أن يتصدى حارس إيطاليا جانلوكا باليوكا إلى ضربة البرازيل الخامسة، بل إن باجيو لم يكن الوحيد الذي أضاع ضربته، فسبقه اثنان من أهم نجوم المنتخب الإيطالي المخضرمين والذين شاركوا في تتويج إيطاليا بكأس عالم 82 وهما دانييلي مسارو وفرانكو باريزي ولكن باجيو وحده من تلقى اللوم.
الحقيقة أن باجيو هو من حمل الذنب على رأسه، لأنه ببساطة هو من حمل هذا المنتخب حملًا إلى الدور النهائي، باجيو هو منقذ المنتخب الإيطالي من فضيحة الخروج من دور المجموعات وهو من سار بإيطاليا حتى النهائي، هو الذي ظل طيلة البطولة يقال عنه ” ألقوه في البحر وهو مقيد وسيعود وفي فمه سمكة تكفينا جميعًا”
تلك الجملة يمكن أن تلخص مأساة الكثيرين، حينما يقتنع كل من حولك أنك أقوى من أي شيء، لا لشيء ولكن لأنك نجوت، ولأنك نجوت من هذا فستنجو من كل شيء، وبعضنا يفهم هذا ويشعر أنه من الواجب عليه أن ينجو، أن يمر، ألا يحزن، ألا يضعف، ألا يسقط، عليه دائمًا النجاة، وبالتدريج تتحول تلك الثقة المفرطة في قدرتك على النجاة إلى واقع وشيء معتاد فيصبح البوح بالألم أو التصريح بالتعب عبارة عن تخاذل كبير في عيون الاخرين لأنهم تناسوا إنك في مبتدأ الامر “أحدهم”.
أن تكون قويا قادرًا على التجاوز والنجاة، يجعلهم يثقلون عليك، يعلقون بعضًا من أحلامهم على كتفيك، وعليك أن تسير بها، وكلما تقدمت إلى الأمام خطوة، وضعوا فوق ظهرك المزيد من الصخور، وقتها يتحول الأمر لصراع داخلك بين رغبتك في التخلص مما تحلمه على ظهرك، لتسير في مسعاك دون قيود، وبين احساسك بالذنب إذا خذلتهم سواء بالتخلي أو الانهيار.
المؤلم في الأمر، أنهم لا يدركون ما تدفعه من ثمن نتيجة السير بكل هذه الاحمال، لا يدركون ألم المحاولات المستمرة في فك القيد والعثور على سمكة لتعود بها إليهم، بل في بعض الأوقات يتلذذون بزيادة الصعوبات في طريقك ولا يبالون نهائي بما تشعر به فأنت القوي القادر على التجاوز، وكأن الأمر أبدي ولا ينتهي.
حينما أطاح باجيو بالكرة في السماء، لم يكن عن نقص في المهارة، ولكنه كان يصرخ من الحمل الزائد، وحينما أطرق برأسه أرضًا كان يعلم أن الجمع سينسى أنه مجرد لاعب، سينسى الجميع الضربة الأولى التي أضاعها باريزي المدافع المخضرم، والضربة الرابعة التي سددها المهاجم مسارو في يد تافاريل، وسيتذكر الجميع باجيو الذي وضعها في السماء، حينما خارت قواه وتصرف كإنسان بما فيه من ضعفه للحظة، اكتسب لقب ” من أضاع كأس العالم من الطليان”.
كذلك أنا وغيري كثيرون، تناسي من حولنا أننا بشر لمجرد أننا نجونا من المصاعب، لمجرد أن لدينا قلب محارب، ولكن لا يعرف أحد أن درع المحارب يخفي جروح عديدة وألم شديد ورغبة في إنهاء تلك الحرب للأبد، والأهم تلك الأمنية أني يرانا الأخرون بشر وأن يسمحوا لنا أن نسقط أو نضعف دون أن يشعرونا بكل هذا الذنب، دون أن نقف ننظر في الأرض مثلما ظل باجيو واقفًا بعد النهاية.
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال