همتك نعدل الكفة
309   مشاهدة  

مجدي الحسيني .. نسخة مبكرة من الذكاء الاصطناعي!

مجدي الحسيني
  • - شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة

    كاتب نجم جديد



الموقف الذي لا أنساه أنا للفنان مجدي الحسيني، عازف الأورج الفذ، موقف لقائه الأول بفريد الأطرش، وقد رواه بلسانه أكثر من مرة، كان طلب من أستاذه في المدرسة، وكان الأستاذ عازف بيانو معروفا، أن يأخذه معه إلى رؤية أحد المشاهير؛ فأخذه الأستاذ إلى بروفة من بروفات فريد الأطرش، تحديدا بروفة أغنية “ما انحرمش العمر منك يا حبيبي”.. كان عمر الحسيني وقتذاك حوالي 12 عاما.. أستاذه كان هو عازف الصولو للحن.. عزف الأستاذ عزفه المنفرد، ثم غابوا جميعا عن القاعة، وبقي الحسيني منفردا بالآلة الموسيقية.. أذنه، كما ظل يقول دائما، كانت يقظة وحافظة ومتحمسة، وجد نفسه يعزف الصولو بطريقة مختلفة، فيها ما فيها من التدليل النغمي، إن صح التعبير، وفجأة وجد الحسيني فريد الأطرش بمواجهته فاغرا فاه.. ظن أنه ارتكب خطأ ما.. لكن الفنان الكبير أخذه من يده إلى أحمد فؤاد حسن، قائد الفرقة الماسية، قائلا: هذا هو عازف الصولو للحن! اندهش فؤاد حسن، معتقدا أن فريد الأطرش يمازحه، ولكن، بعد أن استمع إلى الحسيني، اعتمده عازفا بالفعل.. وكانت بداية مبكرة للغاية لموهوب صغير مع علامة من علامات الغناء.

مجدي الحسيني
مجدي الحسيني

قبل ذلك بكثير كان الحسيني لافتا للأنظار أيضا؛ ففي سن السادسة بمدرسته عزف أمام وزير التعليم ومن بعده أمام وزير الثقافة ثروت عكاشة. تعلم العزف على بيانو اشتراه أبوه لشقيقته التي التحقت بالمدرسة الفنية، وبالأساس كان مولعا بتأدية الألحان، أصابعه تلعب بمجرد أن يسمع موسيقى الراديو، إلى درجة أن الناس ظنوه ممسوسا أو شيئا هكذا.. في تلك المرحلة لقبوه بالطفل المعجزة، وانضم إلى الراديو ببرنامج أبلة فضيلة وإلى التلفزيون، بعد نشوئه، ببرنامج جنة الأطفال مع ماما سميحة، وبدأ اسمه المدهش حديث السن يصير كبيرا كأنه الراديو والتلفزيون أنفسهما!

الحسيني وحليم- قصة مودة عظيمة
الحسيني وحليم- قصة مودة عظيمة

ولد الحسيني عام 1942 في قرية بني حسين بمحافظة أسيوط (وسط الصعيد المصري وعاصمته) وليس له أصول غير مصرية كما شاع خلاف الحقيقة في بعض المواقع والصحف التي لا تتحرى الدقة في المعلومات، ونقلت السوشيال ميديا عنها الخبر الكاذب بعد ذلك للأسف.. والده كان أستاذا بكلية الزراعة جامعة القاهرة، وكان من معارفه القريبين الملحن القدير زكريا أحمد، وفي بيته كان يقيم ليلة يحضرها الشيخ زكريا بعوده، ومعه الموسيقيون، والابن تلتقط أذنه الألحان، وتلعب يديه كما تلعب أيدي الأساطين، ويتلذذ بالغناء، هكذا كمن يتجهز لشيء باهر في ذات الإطار..

مع الوقت جرى لقاء بالسوبر ستار عبد الحليم حافظ، من خلال صديق الحسيني عازف الجيتار المتفرد عمر خورشيد، كان حليم يحب تطوير موسيقاه ويعشق الآلات الجديدة، سمع بانقلاب الأورج، وأراد ضمه إلى فرقته، كنغمة غربية بين الأنغام الشرقية، بوسعها صنع تكامل جذاب..

يصف الحسيني حليم بالكرم البالغ والبساطة الشديدة، والأهم أنه يصفه بحماية الذين يعملون معه، كم نصحه أن يتنبه إلى المحيطين به، وأن يحترس حتى من الأكل والشرب عند من لا يثق بهم أو لا يعرفهم تمام المعرفة.. اقترب من حليم بشدة.. كان واحدا من قليلين باتوا عنده وصاحبوا إخوته ورافقوه في جولاته الخارجية وأهدوه وفاء نادرا سرمديا كما أهداهم هو عطاياه المعنوية والمادية الوافرة (من بينها أورج حديث لا ينساه الحسيني)

عمل الحسيني مع أم كلثوم صغيرا أيضا، قبل أن يبلغ العشرين، وعمل مع محمد عبد الوهاب، ويمكن القول، اختصارا، أنه عمل مع معظم رموز وقته من سابقيه، كان الأصغر سنا باستمرار، لكنه كان الند الفني الواثق..

توجه الحسيني إلى دراسة الطب، في مرحلته الجامعية، وبعد خطوات قليلة أدرك أنه دخلها غير قاصد؛ فالتحق بمعهد الكونسرفتوار قسم قيادة الأوركسترا، وواصل إلى الختام.

زفاف الحسيني ونهال بحضور عمر خورشيد وصباح
زفاف الحسيني ونهال بحضور عمر خورشيد وصباح

تزوج من الفنانة الرائعة نهال عنبر، غير أنهما انفصلا مع إنجاب ولدهما حسام، بقي حسام الذي كبر والتحق بالمجال الفني أيضا، ممثلا متميزا، شاهد عدل على محبة باقية بين والد يراه عملاقا ووالدة يراها عظيمة وقوية الشخصية.

 

مجدي الحسيني وابنه حسام
مجدي الحسيني وابنه حسام

لمجدي الحسيني سياحاته الفنية العالمية الواسعة، بطول مشاويره، وقد صفق العالم له حتى تعبت يداه، وكرمه، وأثنى عليه، ومنحه الألقاب الفخرية الرفيعة والصفات الراقية المشرفة.. وليس صحيحا، بالمناسبة، أنه ورد في موسوعة جينيس كأسرع عازف أورج في العالم، ولكن الصحيح أنه واحد من أمهر وأسرع عشرة عازفين للآلة في العالم، وقد أتقن الأورج إلى حد أنه كان يعزف على ثلاث آلات في وقت واحد!

مثل فيلما واحدا في مسيرته “حبيبي مجنون جدا”، وفي عام 2008 حصد جائزة

أحسن موسيقى تصويرية عن المسلسل الإذاعي “أميرة الحب والحرب” عن قصة حياة المطربة الراحلة أسمهان، وبالمناسبة فقد تفرغ الحسيني للعزف فوق ما تفرغ للتأليف الموسيقي، ولو كان أخلص لإبداع الموسيقات التصويرية وما إليها لكان جاوز الذين تخصصوا في مثل ذلك واعتلى القمة، وإن كان، بعزفه للموسيقى العالمية والمحلية، بطريقته، تخطى مسافات الجميع وبلغ أعلى القمم بالفعل..

إقرأ أيضا
تحريف المصحف

لا يبدو الحسيني في الصورة منذ أعوام، يبدو خفيا وخافتا، يعود الأمر لاختلاف الظروف طبعا وتغير الأجواء، ودائما ما كان يتحدث هو، في لقاءت عديدة، عن تعرضه لحروب طاحنة وأحقاد شتى، بأمداء وجوده، فلعلها كانت سببا قويا في بعده التدريجي عن الساحة..

لقيته مرة، منذ سنوات بعيدة، في مقهى بوسط البلد بالقاهرة، الأناقة ونضارة الوجه كانتا عنوانه كالعادة، وكانت صحف كثيرة بين يديه، لم أشأ إزعاجه في صدفة المشاهدة الأولى، لكنني في الثانية، وحينها يقنت أن المكان مكانه الأثير، دنوت منه وطلبت أن أشاركه مشروبه الساخن، رحب ببساطة، تبادلنا حديثا فنيا طويلا سر روحه، وحين سألني عن مجالي معجبا بما أبديت، وأخبرته أنني شاعر وكاتب، ابتسم وقال ببساطة أكبر: ظننتك معجبا مميزا فإذا نحن صديقان!! 

يبلغ الحسيني من العمر الآن 81 عاما بالتمام والكمال، يروج سيئون خبر وفاته، بين حين وآخر، ولا أدري كيف تستقبل أذنه الخبر الصادم، أذنه التي اعتادت أن تستقبل الموسيقى وحدها، بصورها المنوعة، وتحولها إلى شيء بالغ الكمال والجمال في اللطف والبهجة والزخرفة.. والأكمل والأجمل أنه حين كان يقوم بعزفها فإنه كان يصير مخلوقا آخر.. كان السيد المنتظر على الدوام يصير إنسانا خارق الحيوية أو طائرا خرافي الحركة، أو، كما أراه الآن بالضبط، وفقا لمصطلحات الوقت، نسخة مبكرة من الذكاء الاصطناعي (متعه الله بالصحة التامة والعمر المديد).

الكاتب

  • مجدي الحسيني عبد الرحيم طايع

    - شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة

    كاتب نجم جديد






ما هو انطباعك؟
أحببته
1
أحزنني
1
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان