الراقصة الشرقية.. هل تسامح الناس مع مهنتها؟!
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد
يعني التسامح البشري، كما تقول المعاجم اللغوية، “الإقرار بأن البشر المختلفين بطبعهم في مظهرهم وأوضاعهم ولغاتهم وسلوكهم وقيمهم، لهم الحق في العيش معا بسلام”
نحن، للأسف، نعيش في عالم لا يؤمن بالتسامح البشري إيمانا مطلقا، وبالتحديد في بلاد كفرت به كفرا بواحا كأن كفرها به الفخر وهو العار والشنار، لم أجد أدل على المعنى المقصود من حالة الجميع مع مهنة الراقصة الشرقية؛ فالرجال يمتدحونها سرا ويذمونها جهرا، ويتمنونها للياليهم لاعنين لياليها في الوقت نفسه، والنساء يغرن منها غيرة عظيمة في قرارة أنفسهن، وعند حديث المجتمع عن النساء التي تغار منهن النساء، يقلن إنهن يغرن من السيدة خديجة والبتول مريم العذراء!
هكذا الناس مخادعون، تسامحهم البشري داخلي، ومبعثه شهواتهم وتمنياتهم وليس الخلق القويم الذي يجب أن يسود، والراقصة مسكينة قدر ما هي مشهورة ومحسودة؛ فلا أحد يثمن ما تفعله بعيدا عن أغراضه وأمراضه!
راقصات كنعيمة عاكف وسامية جمال وتحية كاريوكا وسهير زكي ونجوى فؤاد صنعن مجدا خلد المهنة، وصرن عناوين في الصحف والمجلات والمواقع والكتب، لكنهن، في نهاية المطاف، وجدن الناس يذكرون أجسادهن لا فنونهن، بطريقة مبتذلة أحيانا، ووجدن الناس لا يحترمون تواريخهن احتراما صادقا، ماتت منهن من ماتت (يرحم الله الجميع) وابتعدت عن المجال من ابتعدت، لكنني أظن الجراح العميقة كانت رفيقا لهن بطول المشاوير..
“حبذا الراقصة”.. يقول واحد لصديقه، بعد أن سهرا إلى بواكير الصباح في ناد ليلي عامر بالراقصات، ولكنه يكمل الكلام بعد أن أفاق من السكر: حبذا هي في الحرام، لكن لا أتزوج امرأة تعري لحمها الشهي وتبرز مفاتنها للآخرين!
هذا أنموذج وافر في الرجال، يحبذ الفرجة على النهود والأفخاذ، ويمتدح الزنا، ويرفض حلالا يجمعه بمن تعجبه، ولا يعترف بتناقضه مع ذلك!
تعددت الأقاويل في الرقص الشرقي، ما بين معارض ومعارض، فالمؤيدون ندرة بجملتهم، وأعني بتعدد أقاويل المعارضين، أن البشر تفاوتوا في درجات الاحتجاج، إلا أنهم جميعا وصفوا المهنة بأوصاف قبيحة، ومن يمتهنها بالفسق تقريبا..
“هل تقبلي لابنتك أن تعمل راقصة في مستقبل أعوامها؟!”.. تسأل جارة جارتها التي تحب الرقص الشرقي وتحابي راقصاته، بل تمارسه، بمرح شديد، في أفراح الأهل والأحبة، تمارسه بكامل ملابسها وحجابها أيضا، فيكون الجواب السريع: الموت أهون!
لماذا إذن تهز السيدة أردافها في المناسبات السعيدة؟! وهل ما قالته يعني أنها هكذا تحب الرقص الشرقي حقا وتحابي راقصاته؟! لا جواب عندي، ولا أريد جوابا على الحقيقة، وإنما أطرح الأسئلة التي تفضح واقع نسائنا المؤسف كواقع رجالنا بالضبط!!
لم أكن يوما ضد من يقف من الرقص الشرقي موقفا سلبيا، سيما لو كان يملك منطقا موزونا، ولا ضد من يمتنع عن الإدلاء برأيه في الموضوع من الأساس، كنت، ولا زلت، ضد المتزيدين في القدح والممانعة، كنت، ولا زلت، أرى الراقصات كسائر الخلق قاطبة، منهن الطيبة ومنهن الشريرة ومنهن الخجول ومنهن الجريئة، وهكذا، فقفوا موقفكم الذي تريدون، ولكن حذار من الطعن في الشرف، والحكم على الذي في القلوب من خلال الظاهر الذي يبدو مترخصا في انكشافه، وإياكم والسقوط في دائرة حجب الفنية عن فن لا تفضلونه، فالرقص الشرقي فن، له قواعده وضوابطه وشروطه، والراقصة الشرقية فنانة، موهوبة ودارسة ومدربة، وأخيرا.. بينما تتخلصون من ذنب كبير لا تقعوا في ذنب مماثل!
الكاتب
-
عبد الرحيم طايع
- شاعر وكاتب ولغوي - أصدر ثلاثة عشر كتابا إبداعيا - حصد جائزة شعر العامية من اتحاد الكتاب المصريين في ٢٠١٥ - كرمته وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر ٢٠١٦ - له أكثر من ٥٠٠ مقالة منشورة بصحف ومواقع معتبرة
كاتب نجم جديد