أحقر جريمة شرف في التاريخ .. ماتت لأنها كانت تقاوم الاحتلال
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
جريمة شرف مخيفة حدثت في مصر منذ حوالي ١٠٠ عام تقريبا، بعدما تم قتل سيدة مناضلة بحجة التفريط في شرفها وشرف الأسرة ولم تكن سوى مناضلة تحمي أحد الفدائيين من مشنقة الإحتلال.
بدأت القصة عند اندلاع ثورة الشعب في مارس ١٩١٩، والتي صاحبها تشكيل عدة منظمات سرية لتحريض الجماهير ومناهضة الاحتلال، وكانت جمعية “اليد السوداء” واحدة من أبرز تلك الجماعات، حيث جعلت الجماعة واحداً من أهدافها اسخدام العنف الثوري كوسيلة لترهيب أعداء الثورة بخاصة المصريين المتعاونين مع قوات الاحتلال.
وتحديدا يوم ٢٢ فبراير ١٩٢٠ ألقى عضو جمعية اليد السوداء عبد القادر شحاتة قنبلة يدوية على وزير الأشغال المصري المتعاون مع الإنجليز محمد شفيق باشا أثناء مروره بحي غمرة، ولكنه فشل من الهرب من الشرطة التي حاصرت الحي بأكمله وألقت القبض عليه خلال ساعات قليلة، وقال شحاتة في التحقيقات : “أنا الذي ألقيت القنبلة لقتل محمد شفيق باشا لأنه قبل منصب وزير الأشغال بعد استقالة إسماعيل سري باشا، بعد أن رفض أي مصري أن يقبل هذا المنصب”.
لم تكتف الشرطة بهذا الاعتراف الرسمي الذي يغلق القضية ويقود عبد القادر شحاتة إلى المحكمة متهما معترف بإدانته بل هدفت إلى كشف كل منظمة اليد السوداء من خلفه، فحرصت على عمل تحرياتها عن أصدقاءه والأماكن التي يتردد عليها والبيت الذي يسكن فيه.
وتكتشف النيابة أن شحاتة كان قبل هذه العملية مطلوباً للسطات بسبب أعمال ثورية قام بها في المنيا، لكن شحاتة لم يستطع الإجابة عن سؤال المبيت حيث لا يسكن في القاهرة وإفشاء إسم الشخص الذي كان يبيت عنده سيعرض التنظيم بكامله للخطر.
عند هذه النقطة تلقى شحاتة رسالة من خارج السجن تفيد بأن سيدة تدعى دولت فهمي، تعمل ناظرة في مدرسة الهلال الأحمر القبطية للبنات ستتقدم للشهادة وتقول أنه عشيقها وأنه كان يبيت عندها ليلاً، وإنه يجب أن يدلي بنفس الشهادة رغم أن هذا يسيء إلى سمعة كل منهما، لكنها تضحية لا بد منها في سبيل القضية.
وعندما أعيد التحقيق مع عبد القادر أفاد بأنه كان يقضي ليلته في منزل حبيبته دولت فهمي التي استدعتها النيابة لتواجهها بعشيقها المزعوم لكنها رمت نفسها في أحضانه عند دخولها غرفة النيابة هاتفة بصوت عال “حبيبي .. حبيبي” وقبلته قبلة طويلة وأفادت بأنه كان يقضي الليلة بين أحضانها.
وهي الشهادة التي حاولت قوات الاحتلال تغييرها لعدة أسابيع للظفر بجمعية اليد السوداء، وبعد عدة محاولات مع دولت فهمي رفضت وأصرت على الشهادة “الفضيحة” ! فمنعت بذلك السلطات العسكرية البريطانية من معرفة باقي أعضاء الجماعة السرية. حكمت المحكمة العسكرية البريطانية على شحاتة بالإعدام شنقاً، ولكن بعد ذلك استُبدل الحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة التي أمضى شحاتة أربع سنوات منها في سجن طرة إلى أن أفرج عنه الزعيم سعد زغلول عام ١٩٢٤.
خرج عبد القادر شحاتة من السجن ليبحث عن السيدة التي أنقذته حالما بلقائها في كل ليلة من الليالي التي قضاها في سنوات سجنه الأربعة، أحبها وأعاد ذكرى قبلتها الوحيدة الرائعة في شفتيه، لكنه لم يتلق بها أبدا
لأنه عرف من زملائه أن أهل دولت فهمي في المنيا قد قتلوها بعد شهادتها الجسورة أمام النيابة في جريمة شرف هربا في الفضيحة
جريمة شرف ارتكبها ناس بلا شرف
الكاتب
-
أسامة الشاذلي
كاتب صحفي وروائي مصري، كتب ٧ روايات وشارك في تأسيس عدة مواقع متخصصة معنية بالفن والمنوعات منها السينما وكسرة والمولد والميزان
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال