همتك نعدل الكفة
381   مشاهدة  

أحمد الحجار.. كنا الهوى من غير هوان

أحمد الحجار


الفجر لسه بيبتسم بين دمعتين

يومها استيقظت منعشًا، كنت أترقب تلك اللحظة طويلا، سريعا كوب من القهوة مع أذان الفجر، مع ثلاث لفافات تبغ، ودش سريع بماء ساخن في هذا الصباح الشتوي، ثم نزولًا إلى الشارع للبحث عن سيارة تحملني إلى مدينة الإنتاج الإعلامي، ودون أن أدري جلست بجوار السائق ودسست السماعات في أذني، وابحث عن أغانيه، انقد السائق أجرته قبل أن ينطلق، لا أرغب في أن ينتزعني أحدهم من هذا العالم الذي يسري في أذني، لأدرك وبحق أنه بالفعل، الفجر لسه بيبتسم بين دمعتين.

 

في تلك اللحظة أذهب بعيدا، مبحرًا في ذكريات لا تنتهي، لأول مرة أشاهد فيها أحمد الحجار وهو يغني، في تلك الحفلة الشهيرة التي جمعت الأب وأبنيه، بالطبع علي كان النجم الأكثر شهرة، ولكنني فوجئت بالأب وفوجئت أكثر بالشقيق، الواقف في ثبات ورقه ليغني أغنية عود، لتعلق بذاكرتي وأجلس مبهورًا من الأغنية، تخيل طفل لم يتم العاشرة من عمره يجلس على الأرض فاغرًا فاه يشاهد باستمتاع رجل يغني ويقول الوهم مات والذكريات قالتلى حبك بالوجود.

بعدها بأشهر كنت أتطفل على الوالد بأسئلتي حول أفضل الممثلين والمخرجين وجاء دور أفضل المطربين الجدد، ولم اجد اسمه من بينهم لأسأله ببراءة “طب وأحمد الحجار بتاع أغنية عود؟” فيقول دي غنوة واحدة وهو مالوش تواجد على الساحة” ليبدأ الخلاف، لأنفعل تحمسًا لأحمد الحجار واخبر أبي أن الكيف دائمًا أهم وأبقى من الكم، وسيظل أحمد الحجار من أفضل المطربين الذين سمعتهم في حياتي، ليسخر مني حول مدة حياتي تلك التي لم تتجاوز 10 سنوات وقتها وكيف قررت أن أحمد الحجار أحد أفضل المطربين  وأنا بعد لم أسمع مطربين مثلما سمع!

..

عمري اللي راح.. سماح سماح

أنزل في صقيع الصباح من الميكروباص لأبدأ المشوار الأطول من بوابة المدينة لبوابة الأستوديو، لمن لا يعرف أستوديو قناة النهار الذي كنا نصور فيهن يقع في أخر المدينة بمعنى أكثر دقة علي أن اقطع مدينة الإنتاج الإعلامي بالكامل من السور وحتى السور لأصل لمكان عملي، أصل وأطبع الاسكريبت وأوزعه على العاملين أحتفظ بنسخه للبرديوسر ويبدأ باقي فريق الإعداد في الوصول، كنت الأصغر وكنت مسئولا عن الفقرات الفنية والخفيفة والتقارير الخارجية، وفي الهواء كنت اجلس اتلقي المكالمات.

راجعت الاسكريبت وتأكدت أن كل شيء يخص عملي منضبط لأخرج من الأستوديو لأظفر بسيجارة وكوب من القهوة الرديئة وأشاهد عدد من المتملقين لرئيس التحرير، وانتظر، الساعة السابعة والنصف، ربع ساعة بالتمام وتبدأ عجلة الهواء في الدوران، يبدأ ضيوف الفقرات الأولى في الوصول يستقبلهم المتملقين فهم ضيوفهم، وانا أعود للكنترول اقف خلف التليفونات، وانتظر.

مرت الفقرتين الأولى والثانية سريعا كنت قد سافرت لتصوير تقرير خارج القاهرة لقى استحسان البرديوسر في الكنترول مما زاد من غضب رئيس التحرير ومتملقيه، وجعلهم يضمرون شرًا، لينظر لي مصطفى الكيلاني قائلا أحمد الحجار وصل، وكأنها كانت الكلمة السحرية فأنطلق خارجا من الكنترول.

استقبله مع مصطفى الكيلاني وانا مبهورًا فاغرًا فاهي مثلما كنت كطفل صغير، يجلس في غرفة الضيوف فأهرول للبوفيه لأبلغهم بمشروبه وأعود مسرعا، لا أكترث للياقة وأقاطع حديث مصطفى واخبره كم أحبه أحب ألحانه وأحب صوته وأداءه وهو يرد في خجل ورقه وذوق، يدخل عامل البوفيه، وتدور الأحاديث حول الفقرة، ألمح سعادة غامرة في عين مصطفى، فأقاطعه مره أخره واخبره أنني من عشاق أغنية عود، واطلب منه أن أسمعها، كنت على يقين من أنه سيرفض أو يقول انه سيغنيها في الأستوديو ولكنه لم يرد بكلمات، فقط أخرج العود وبدأ العزف وغنى، غني لي فقط بناءً على طلبي أنا، في تلك اللحظة وجدتني أكرر أحمد الحجار أحد أفضل المطربين الذين سمعتهم على الإطلاق.

اقرأ أيضا

المتلازمة المجهولة هي المعني الحقيقي لـ”أنا مهما كبرت صغير”

ياريت تعود

إقرأ أيضا
غادة عبد الرازق

في يوم الاستضافة حصلت على رقمه، تبادلنا أحاديث تليفونية قصيرة، وتصادف أن التقينا في عدد من المناسبات، كنت قد قابلت علي الحجار مرارًا وتكرارًا فخالي أحد أصدقائه وأنا أحد أصدقاء خالي، وتحدثت مع علي عن أحمد بل وأرسلت له السلام مرارًا، كنت أحب الجلوس مع علي الحجار، لكن الجلوس مع أحمد الحجار كان أكثر الأشياء متعة، ما كنت أصادف وألقاه في مكان حتى أتحين الفرصة للجلوس معه والحديث عن الموسيقى وعن الحجار الكبير الوالد إبراهيم الحجار، وعن أثر تلك العائلة الممتعة في الموسيقى المصرية سواء غناءً أو تلحينًا أو تدريبًا.

حكيت له قصة الليلة المحمدية وسألته عن صحتها فأخبرني أنني ذكرتها بالتفاصيل بما في ذلك غضب علي وهجرانه للمنزل، سألته عن شلة شقة جاردن سيتي وحدثته عن عشقي للبروف كامل الشريف فرأيت لمعة حزن، تحدثنا عن عصام عبدالله وحسين الإمام وتجربته مع هشام عباس، وعن قلة إنتاجه وقلة ظهوره، وشكل الغناء في مصر وعن أحمد الحجار الصغير وكيف أنه خير خلف لأفضل سلف، وفي كل مرة نتحدث كان ينقطع بينا الحديث على وعد غير منطوق باستكماله في لقاء أخر.

..

والآن وقد سمعت من المطربين أكثر بكثير مما سمعهم الوالد، أقول بضمير مستريح أن أحمد الحجار أحد أفضل الأصوات التي سمعتها أو سأسمعها على الإطلاق، صوت يشبه صاحبه، فقط استمع لصوته ستعرف شخصيته، هو تلك الرقة والعذوبة والخجل والنقاء المطلق، محترمًا لموهبته وموسيقاه وصوته وعائلته وتاريخها هو -كما قال جمال بخيت في أغنية عود- الهوى من غير هوان.

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
1
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان