أشياء لا تضمنها قائمة المنقولات الزوجية
-
أحمد مدحت
كاتب نجم جديد
اعتقدتُ طوال حياتي أن الإنسان يتذكر دومًا لياليه المُزعجة أكثر من أي شيء، أو على الأقل هكذا خلقني الله، ربما يختلف الحال مع الآخرين.
ولقد كانت ليلة مُزعجة لي بحق.
في أحد كافيهات الإسكندرية المُطلة على البحر مباشرة جلسنا، مجموعة صغيرة من الأصدقاء، أو هكذا بدونا، لكنني في الواقع لم أكن على معرفة وثيقة إلا باثنين فقط من مجموعة فاقت عشرة أفراد، متنوعين بين الرجال والفتيات.. الغرض الحقيقي لهذه الجلسة أن نتعرف على الفتى الذي عقد خطوبته منذ أيام- حينها- على صديقتنا.. كانت عروس المُستقبل هي العامل المشترك بين هذه المجموعة، لم أكن أعرف أحدًا غيرها إلا صديق آخر جلستُ لجواره، لعلّي آنس به ولو قليلًا.
اقرأ أيضًا
متخليهوش يضحك عليكي باسم الغيرة .. الدين يحرم تجسس الخاطب على مخطوبته
ومصدر الإزعاج الرئيسي لروحي لم يكن إلا العريس المُنتظر نَفْسه، والذي لم ألتق به قبل هذه الجلسة، تمت الخطوبة سريعًا واقتصرت على حضور الأهل فقط.. بدا لي كُتلة من الكِبر تمشي على قدمين، وتشرب العصير، وتوزع نظرات الاستعلاء هنا وهناك، صورة متجسدة للعدوانية غير المبررة، كأنه في حرب دائمة لإثبات مدى رجولته لعدو وهمي يراه وحده.. في اليوم التالي، عندما سألني صديقنا المُشترك عن رأيي في الموضوع، فأخبرته أنني أتمنى من قلبي أن أصير ساذجًا في نظر نّفْسي، لأن فطرتي تُخبرني أن هذا الفتى من أسوأ نوعيات الرجال الذين يمكن تتمناهم لأختك مثلًا.. الشخص الجيد، الممتلك للحد الأدنى من الاستقرار النّفْسي، لا يتعامل بهذ الاستعلاء مع نادل كافيه لم يرتكب ذنبًا، وبالتأكيد لا يركل بغلظة قطة مسكينة لمجرد أنها أفزعت إحدى الجالسات، بكل تلك القسوة.
سخر صديقي من كلامي، لم يجد فيه إلا “شغل مثقفين” على حد تعبيره.. لم أغضب من سخريته، كنتُ أعلم أن عريس المستقبل نال استحسان معظم الجالسين، لكني لم أمنع نَفْسي من التعجُّب عن كيف لم يلتفتْ أحد لما أزعجني.. مرّت الأيام، ونسيتُ الأمر بمرور الوقت، ولم يبق منه في ذاكرتي إلا إحساس الانزعاج؛ يُزعجني الشر الكامن في التفاصيل.. بعدها بفترة قرأتُ للشاعر “ويستن هيو أودن” قائلًا: يكون الشر دائمًا غير ملحوظ وبشريًا تمامًا، فهو يشاركنا فراشنا، ويتناول الطعام على مائدتنا.
جولة صغيرة في باب الحوادث في مواقعنا الإخبارية ستُخبرك كيف أن الشر دومًا كامن في التفاصيل، وأن أبشع الجرائم تُرتكب من أناس لا يمكن أن تتوقع منهم أن يقوموا بفعل شنيع مثل القتل والتحرش الجنسي والسرقة، بل واغتصاب المحارم أيضًا، وقائمة البشاعات تطول.. بشاعات يرتكبها بشر عاديون جدًا في الغالب، أو هكذا على الأقل يبدون للأنظار.. الصورة النمطية للمُجرم التقليدي غالبًا ليستْ موجودة إلا في أفلام السينما الرديئة، الشر يتجول بيننا يوميًا، يسير بجانبك في الشارع، وربما ترتطم أصابعه بيدك صدفة، ومَن يعلم! ربما يجلس بجوارك في الميكروباص، كما جلس ذلك الطبيب منذ أيام بجوار فتاة لم تتجاوز التسعة عشر عامًا، في أحد المواصلات العامة في مصر، وبدأ في “الاستمناء” وهو ينظر لها في شبق جنسي.. يمكنك أن تبحث بنّفْسِك في الأخبار، لو كنتَ ترغب في التأكد والاستزادة، خصوصًا أن المجرم أقر بجريمته في تحقيق النيابة، أي أن صورة المتحرش الجاهل ذو الملابس القذرة، لم تَعد واقعية بما يكفي.
الشر مُركَّب، كما هي طبيعة الإنسان بشكل عام.
وفي مجتمع يعاني على كافة الأصعدة، مما أدى لتهتُّك حاد في نسيجه الإنساني، لا يمكنني أن أستغرب رغبة أب يسعى لضمان حق ابنته عند زواجها، فيطلب من العريس أن يوقع على “قائمة منقولات”، قد تتضمن ما أحضرته الفتاة فقط من لوازم لبيت الزوجية، وأحيانًا ما أحضره العريس أيضًا، صحيح ان مسألة أن تأخذ الزوجة ما أحضرته وما أحضره الرجل أيضًا- عند وقوع الطلاق- يبدو لي أمرًا ظالمًا للرجل، إلا أن الأمور تجري هكذا.. والدافع الرئيسي هو رغبة الأب في تأمين ابنته، التي ستخرج من حضنه لبيت رجل يعلم الله وحده مدى صلاحه.
والمشكلة هنا ليست في وجود “القائمة” من عدمها، الأزمة تكمن في أن البعض يعتبرها ضمانًا كافيًا ينوب عن كل شيء آخر.. ويتناسون أن الزوج الصالح، لابد أن يكون في الأساس إنسانًا جيدًا؛ فلا تتوقع من قلب لم تعرف الرحمة طريقًا إليه أن يتحمل مرض ابنتك مثلًا، أو يترفق بها في فترة حملها، وخلال أيام المعاناة الشهرية.. لا تنتظر من نَفْسٍ لم تعرف إلا الأخذ على الدوام، أن يُقدّر صاحبها ما تبذله زوجته من أجل راحته، فهما عظمت تضحياتها، لن يراها إلا حقوقًا مُكتسبة له.. الضمانات المادية لا تضمن بالضرورة الأمان وراحة البال، بل إنها مع الشخص الخطأ تُصبح كرة من اللهب تتحرك في كل اتجاه، وتحرق كل شيء بالتدريج.
الشر الكامن لدى إحداهم لا يمكن تحجيمه بضمان مادي، مهما عظم.. وأي حياة مشتركة تلك التي تستحق أن تستمر، لأن أحدهم خائف من قضاء بضع سنوات في السجن؟!
يُحزنني ان أجد الكثيرين من المُقبلين على الزواج، يتزوجون بالفعل وهم لا يعرفون عن شريك حياتهم المُنتظر إلا أقل القليل، أقل حتى بكثير مما يعرفونه عن أصدقائهم.. ينشغل المعظم بقضايا وتجهيزات مُعقدة، في فترة ما قبل الزواج، تهون جوار التعارف الإنساني، والذي من المُفترض أنه الهدف الرئيسي لفترة الخطوبة.. بل إن البعض يُقدِمون على تفعيل الزواج، بعدما يكتشفون في الشخص الآخر ما يشيب له الرُضّع، إلا أنهم ينتظرون أن الأمور ستنصلح بمعجزة ما بعد الزواج.. ولو لم تحدث المعجزة بعد إتمام الزواج؟ ننجب طبعًا! فلسبب ما، يظن الكثيرون أن الإنجاب يخفف من حدة الخلافات الزوجية.
– إيه ده؟ منفعش بردو؟
يبقى نطلَّق.. وأهي محكمة الأسرة موجودة، والقايمة موجودة.. وألف ألف مبروك.
على الهامش: لو كان الفضول متملكًا منكَ بخصوص ما قصصته في البداية عن الجلسة المُزعجة إياها، فقد سارتْ الأمور على عكس ما يجري عادةً، ولم يكتمل الزواج، يبدو أن القدر كان رفيقًا بصديقتنا في نهاية الأمر.
الكاتب
-
أحمد مدحت
كاتب نجم جديد