أغرب الروايات .. جن يسرق زكاة رمضان وغيلان تأكل التمر
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد
الرواية عمل فنى في الأساس، مبنى على الخيال والقدرة على خلق عالم وهمي غير أنه يبدو صادقًا، فالروائي كاذب ماهر وصادق معًا، ويطلق إخوانا العرب على الكاذب لقب «القَصَّاص»، أي أنه يختلق القصص.
أما في مصر فيقولون «بتاع حوارات»، وهى القدرة على تركيب حوار جيد ومنطقي من العدم.
وأحمد النجار مُحب لفن الرواية، فـ فيه يعرف عوالم أخرى غزلتها عقول مُبدعة وأناس مرّوا بتجارب مختلفة ومميزة استطاعوا أن يعبروا عنها بالحكايات.
والحكايات هي الأخت الشقيقة غير المُتعلّمة للرواية، وأهم ما يميز الحكايات أنها شفوية، بعكس الرواية التي غالبًا ما تكون مقروءة.
والنجار لديه القدرة على معرفة الحكايات المختلَقة من الحكايات الصحيحة، وكان أفضل تلك الحكايات ما تم تدوينه في «ألف ليلة وليلة»، وهى الحكايات التي تعجّ بالجن والعفاريت، والجن والعفاريت مادة في غاية الخصوبة للمبدع، عالم خفي وخيالي وثري.
والنجار يحب الخيال والعوالم الخفية. غير أنه تذكر حكاية أخرى، بل حكايات، من كتاب آخر، ومنها حكاية أبي هريرة مع الشيطان، التي جاءت في صحيح البخاري عن أبي هريرة حين قال: «وكلني رسول الله، صلي الله عليه وسلم، بحفظ زكاة رمضان، فأتاني آتٍ فجعل يحثو من الطعام، فأخذته وقلت: والله لأرفعنك إلى رسول الله.
قال: إني محتاج وعلىَّ عيالٌ ولي حاجةٌ شديدة.
فخليت عنه، فأصبحت.
فقال النبي، صلي الله عليه وسلم: يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك البارحة؟
قال: قلت: يا رسول الله! شكا حاجةً شديدة وعيالاً فرحمته فخليت سبيله.
قال: أما إنه قد كذبك وسيعود، فعرفت أنه سيعود لقول رسول الله، صلي الله عليه وسلم: إنه سيعود.
فرصدته فجاء يحثو من الطعام فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: دعني فإني محتاج وعلىَّ عيالٌ ولن أعود، فرحمته فخليت سبيله، فأصبحت، فقال لي رسول الله، صلّي الله عليه وسلم: يا أبا هريرة، ما فعل أسيرك؟
قلت: يا رسول الله! شكا حاجةً شديدةً وعيالاً فرحمته فخليت سبيله.
قال: أما إنه قد كذبك وسيعود.
فرصدته الثالثة فجاء يحثو من الطعام، فأخذته فقلت: لأرفعنك إلى رسول الله، فهذه ثلاث مرات تزعم أنك لا تعود ثم تعود.
قال: دعني وسوف أعلمك كلماتٍ ينفعك الله بها.
قلت: ما هي؟
قال: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي (اللهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم…) حتى تختم الآية [البقرة: 255]، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربنّك شيطانٌ حتى تصبح.
فخليت سبيله. فأصبحت، فقال لي رسول الله: ما فعل أسيرك البارحة؟
قلت: يا رسول الله! زعم أنه يعلمني كلماتٍ ينفعني الله بها، فخليت سبيله.
قال: وما هي؟
قلت: قال لي: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم الآية (اللهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم…) [البقرة:255].
وقال لي: لن يزال عليك من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح -وكانوا أحرص شيء على الخير- فقال النبي: أما إنه قد صدقك وهو كذوب، أتعلم مَن تخاطب منذ ثلاث ليالٍ يا أبا هريرة؟ قال: لا. قال: ذاك الشيطان».
إنها قصة طريفة بلا شك، ولها مثيلاتها في قصص «ألف ليلة وليلة» الكثير، غير أن الواقع يختلف حتميًّا عن الخيال، وهنا تُقدم الحكاية باعتبارها واقعًا قد حدث بالفعل؛ لذا فقد لزم على أحمد النجار -وهو قارئ جيد يعرف كيف تؤلف الحكايات- أن يتوقف عند القصة ومغزاها، والقصة باختصار شديد…
النبي يطلب من أبي هريرة أن يحرس زكاة المال، فيحاول الشيطان -وهو في هيئة رجل- أن يسرق الزكاة، ولكن أبا هريرة يقبض عليه في كل مرة.
وكان المنطقي أن يسوق به إلى النبي ليقتص من اللص السارق الذى يريد أن يسرق مال المسلمين. غير أن أبا هريرة يتركه في كل مرة لمجرد أنه يتحجج بالفقر وإعالة عياله!
فكيف يتجرأ الشيطان على سرقة مال المسلمين والنبي بينهم؟! ثم أليس للشيطان قدرة على سرقة ما يريد من أمم وشخوص أخرى؟! ثم ماذا سيفعل الشيطان بالأموال؟ هل له حوائج سيقضيها بالفلوس؟! ثم انظر إلى ردة فعل النبي، سيأتي مرة أخرى! فلماذا؟
لسبب في غاية الدهشة يدعو إلى التأمل والضحك، فالشيطان عند أبي هريرة يعمل ضد نفسه، ويخبره عن الطريقة التي يتمكن بها الصحابي الجليل من قهره، بل ويحثه على قراءة القرآن الكريم، بل الأدهى من ذلك أنه -الشيطان- يحدد الآيات التي تؤذيه وتمنعه من ممارسة شيطانيته، فأي شيطان هذا!
ثم تذكر النجار حكاية أخرى مع صحابي آخر، إنه أبو أيوب الأنصاري، حدَّث أنه كانت له عكة فيها تمر، وكانت تجئ الغيلان من الجن -ومنه قول الصحابي: «إذا تغولت الغيلان فعليكم بالأذان».
«إذا تراءت الغيلان أمامكم وظهرت فعليكم بالأذان؛ لأن الأذان يطرد الغيلان»
والغيلان جمع غول، وهو مخلوق خرافي لا نعلم عنه سوى ما جاء في الحكايات، وكذلك «أمنا الغولة». وهى أنثى الغول على ما أعتقد، أما أن الغيلان تأكل التمر وتخاف من الأذان لهي حكاية عليك أن تفكر فيها لثلاث دقائق.. هل فكرت؟ هل فرّت منك ضحكة رغمًا عنك؟! لا تسخر! تلك رواية عليك أن تصدقها يا أسطى أحمد، وأن تغفل عقلك ومنطقك!
ولكن هناك قصة أخرى لن تستطيع أن تهضمها بسهولة، وهى القصة التي دارت بين كعب والجن..
يحكى القصة أبَي بن كعب «أن أباه كعبًا أخبره أنه كان له جرين فيه تمر -والجرين هو البيدر الذى يجمع فيه الطعام- وكان يتعاهده، وكلما جاء يتعاهد هذا البيدر وجده قد نقص، فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابة كهيئة الغلام المحتلم، قال: فسلم فردّ السلام.
فقال: ما أنت جن أم إنس؟
قال: جن.
فقلت: ناولني يدك.
فإذا هي يد كلب وعليها شعر كلب، فقلت: أهذا خلق الجن؟
قال: لقد علمت الجن أن فيهم مَن هو أشد مني.
فقلت: ما يحملك على ما صنعت؟
قال: بلغني أنك تحب الصدقة فأحببت أن أصيب من طعامك.
فقلت: ما الذي يحرزنا منكم؟
قال: هذه الآية -آية الكرسي- فتركته ثم غديت إلى رسول الله، فأخبرته، قال: صدق الخبيث. رواه ابن حبان في صحيحه».
تمعن في تلقائية السؤال: جن أم إنس؟ ثم تدبر عفوية الإجابة: جن! والصحابي لم يهلع ولم يفزع، بل واصل الحديث بهدوء، ويأخذ بيد الجن وينظر فيها ثم يقيم معه حوارًا، وأغرب ما في الحوار سؤال كعب: «ما يحررني منك؟!»، فيرد الجن: آية الكرسي! هكذا وبكل بساطة يسلّم الشيطان نفسه فريسة بلا مبرر! وما المانع ما دام هو شيطانًا طائعًا يتحدث بالصدق وينفذ الأوامر بهدوء! فنِعم الشيطان هو!
أما رواية عبد الله بن مسعود، فـ لنا فيها دهشة.. حين قال: «لقي رجلٌ من أصحاب محمدٍ، رجلاً من الجن فصارعه فصرعه الإنسي.
فقال له الإنسي: إني لأراك ضئيلاً شخيتًا كأن ذريعتيك ذريعتا كلب -تصغير ذراع- فكذلك أنتم معشر الجن أم أنت من بينهم كذلك؟
قال: لا والله، إني منهم لضليع.
يقول الإنسي: أنا أراك ضئيلاً -أي دقيق الجسم- شخيتًا -أي مهزولاً- فهل أنتم الجن هكذا أم أنك أنت ضعيف من بينهم؟
قال: لا والله إني من بينهم لضليع -أي جيد الأضلاع- ولكن عاودني الثانية فإن صرعتني علّمتك شيئًا ينفعك.
قال: نعم.
فصارعه فصرعه، قال: تقرأ: (اللهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم…) [البقرة: 255]، فإنك لا تقرؤها فى بيتٍ إلا خرج منه الشيطان له خبجٌ -أى ريحٌ- كخبج الحمار، ثم لا يدخله حتى يصبح».
إنس كلما رأي جنيًّا ضربه وصرعه! والجن يتوعد له مرة أخرى فيتقابلان على موعد فينتصر الإنسي مرة أخرى، وكعادة الجان فى كتب السيَر، فقد علّمه الجنى ما ينفع الإنسي ويضره هو وباقي عشيرته، أي أنه جني خائن لعشيرته بلا سبب!
وفى روايات أخرى أن الشيطان كان يخاف من عمر بن الخطاب، وأن عمر صارع الشيطان مرة فغلبه!
وتذكر أحمد النجار مئات الروايات التي قرأها، وتذكر أيضًا براعة مؤلفيها. غير أنها مجرد حكايات خُلقت للتشويق والمتعة والمعرفة، ومن الخطر، بل الخطر الشديد، التصديق في الحكايات، وإلا ستتحول إلى وقائع وعادات وتقاليد، فإن الخلط بين الحكاية والواقع، وفصل الخيط الرفيع بينهما سيُفقد العمل الفني رونقه وسيتحول الواقع إلى عبث مثير للضحك والرثاء.
الكاتب
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد