أفلام أكتوبر “2” أبناء الصمت.. في مديح الذين لا نلتفت لهم
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
عام 1974 يمكن أن نطلق عليه عام سينما الحرب، في هذا العام عرضت العديد من الأفلام التي تتناول انتصار أكتوبر بشكل أو بأخر ومن بين الأفلام التي عرضت في ذلك العام فيلم أبناء الصمت، قصة وسيناريو وحوار مجيد طوبيا وإخراج محمد راضي، وموسيقى تصويرية بليغ حمدي، تصوير عبدالعزيز فهمي مونتاج عادل منير.
عَدوّان وحربان والكثير من العاديين
في الفيلم نتابع قصة مجدي وخطيبته، مجدي الشاب العادي للغاية المجند على الجبهة خلال فترة حرب الاستنزاف، ليبدأ السؤال الأهم هل كان الاستنزاف فقط في الحرب، أم أن إزالة أثار الهزيمة استنزف جيلا كاملا من شباب مصر؟ الحقيقة أنك تعرف الإجابة من خلال مشاهد الخندق والجبهة، فترى قصص تتقاطع طوال الفيلم، حول أحلام مؤجلة، أحلام لأشخاص عاديين للغاية لا تربطهم أي صلة قبل الحرب ولكن بعد الهزيمة أصبحوا هم العائلة الأقرب لكل فردًا فيها.
التباين بين الطبقات الخلفيات الاجتماعية بين الموظف وخريجي الجامعة والمدرس والغفير، صورة شديدة الواقعية لما فعلته الحرب بهذا الجيل، الكل ترك حياته متوقفة ومعلقة، بينما هم يدافعون عن هذا الوطن وأرضه، هناك فئة أخرى منعزلة تماما عن واقع الهزيمة وبطولات حرب الاستنزاف، تلك الفئة المنهزمة من قبل الهزيمة، والتي من بينها رئيس التحرير.
حربان في الفيلم لا حربًا واحدة، حرب مجدي ورفاقه وحرب خطيبته ضد رئيس التحرير، وكأن صناع الفيلم يقولون صراحة لدينا عدوان، الأول على الضفة الغربية والثاني متغلغل فينا بل إن بعض هؤلاء الأعداء تحولوا إلى قادة في هذه البلد، تلك الإشارة المباشرة لتحميل القيادات في مصر مسئولية الهزيمة بكل تبعاتها وحتى الانتصار.
أبناء الصمت يمكن اعتباره الفيلم الأفضل في سرد وإظهار حالة الترابط التي تجمع بين الجنود في خندق واحد، مشاهد بسيطة وسلسة للغاية بل وطريفة أيضا كتبها مجيد طوبيا بمهارة وصدق حقيقي، كمشهد الوزة التي يأتي بها صابر المدرس القادم من الصعيد كل إجازة لزملائه على الجبهة.
متلازمة الخنادق
من هذا المشهد وبعض المشاهد الأخرى ترى أن عائلات هؤلاء الجنود امتزجت سويا ربما دون أن يرى أحدهم عائلة الأخر على الحقيقة ولكنهم ببساطة يمضون ساعات وساعات في الانتظار والترقب، ذلك الانتظار والترقب الذي كان التيمة الأساسية التي بنى عليها بليغ حمدي موسيقاه التصويرية الأفضل.
في رأيي الشخصي والمدعوم بالمشاهدات المتتابعة بليغ حمدي هو أحد أضعف من قدموا الموسيقى التصويرية للأفلام ولتفادي ذلك يعتمد بشكل أساسي على ما يبرع فيه وهو التلحين الغنائي فيستخدم الكورس والاغنيات كموسيقى تصويرية مثلما فعل في شيء من الخوف، ولكن في أبناء الصمت يقدم بليغ حمدي موسيقى تصويرية شديدة التفرد والتميز والملائمة لحالة الصمت والترقب والانتظار التي يتناولها الفيلم.
الجميل أيضا في الفيلم أن مجيد طوبيا تناول الفيلم من منظور متعدد الرواة، وربما يظهر هذا بشكل أكثر وضوحًا في رحلة نبيلة خطيبة مجدي في البحث عن كيفية استشهاده، تلك الرحلة التي تخوضها لتجمع تفاصيل القصة جزء جزء من عائلة مجدي على الجبهة، ومعها نرى مدى الملل والاستنزاف الذي يعاني منه الجميع، ذلك الملل والاستنزاف الذي يتفجر بمنتهى الصخب في مشهد الختام حيث العبور، حيث لا صمت بعد الآن.
أبناء الصمت هو فيلم عن ذلك الجيل الذي قضى ما يزيد عن 10 سنوات من عمره في الخنادق بين حرب اليمن وهزيمة يونيو وحرب الاستنزاف، يتحدثون بصوت خفيض في الخنادق يتقاسمون الصبر والمجهول وألم الفقد والفراق، اعتادوا على النوم في الخنادق أكثر بكثير من النوم في الغرف، أبناء الصمت هو فيلم عن الجيل الوحيد من العاديين الذين يحق لهم أن يقولوا إنهم ضحوا بكل ما لديهم بلا استثناء من أجل هذا الوطن.
إقرأ أيضاً
أفلام أكتوبر “1” .. هل كانت الأغنية هي الممر؟
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال