همتك نعدل الكفة
98   مشاهدة  

أمركة السينما المصرية (4) أنور وجدي “1” ظهور النجم الأمريكي

أنور وجدي


ربما مسيرته السينمائية ليست طويلة من حيث المدة، ولكنه في رأيي هو الفنان الأكثر تأثيرًا في تاريخ السينما المصرية وفي مسارها، هو طريق اختصر الكثير من سنوات التطوير في السينما ونقلها لمصاف السينما العالمية وعرف بها العالم، أنور وجدي الشاب الذي فشل في الذهاب إلى هوليوود فقرر أن يصنع هوليوودًا خاصة به في مصر، لتصبح مصر هوليوود الشرق.

أنور وجدي مشروع أنور وجدي الأول

أنور وجدي
أنور وجدي

السينما صناعة ترفيهية، إذن فهي في المقام الأول صناعة، عملية لها أسس ومراحل وتراكيب تخرج لنا منتجًا فنيًا لابد أن يكون له سوق، وجزء من صناعة السينما صناعة نجومها، وأنور وجدي هو صانع النجوم الأول في مصر، ولكن من هو النجم الأول الذي صنعه أنور وجدي؟ والإجابة أن أول من صنعهم أنور وجدي هو أنور وجدي نفسه، فبه عرفنا مصطلح فتى الشاشة الأول ومعايير النجومية، ومعه أيضا عرفت السينما المصرية ما عرف لاحقًا “بالخلطة السينمائية”.

بالطبع أنور وجدي لم يأتي بنظرية أن بطل الفيلم لابد أن يكون متناسق الملامح، ولكنه صنع لأول مرة في السينما المصرية أول نجم وسيم، فما قبل أنور وجدي سنجد أن أبطال السينما كانوا من إما مطربون يعتمدون على صوتهم وشعبيتهم في الغناء، وإما ممثلين مثل حسين صدقي وسراج منير وبدر لاما وغيرهم، لم يكن من بينهم ممثلا وسيمًا، الوسامة الذكورية.

كلارك جبيل
كلارك جبيل

أنور وجدي كان بالطبع محظوظًا بملامحه، ولكنه أدرك مثلا أن وسامته الذكورية بحاجة لنموذج حي يسير على دربه، فكان اختياره لكلارك جبيل ليحاكيه في تصفيفة الشعر والشارب، وهذا ليس محاكاه شكلية فقط، ولكنه صنع لنفسه “بيرسونا” شخصية فنية خاصة به يقدم نفسه للجمهور فيها، النجم الوسيم الأنيق ذو الوسامة الذكورية الثري، تلك الصورة الذهنية لم يكن يفكر فيها أحدًا من الممثلين في تلك الفترة، ولا يدرك أنها جزء من الشخصية الفنية لأي فنان، فصورته جزء من صناعته، صناعة النجم، تلك التي لمحها أنور وجدي من متابعته للسينما الأمريكية.

كيف تصنع الصورة الذهنية لنجم؟

أنور وجدي - لقطة من أحد أفلامه
أنور وجدي – لقطة من أحد أفلامه

أنور وجدي هو الممثل الأول الذي يفصل صورته الذهنية كنجم عن أدواره، فمن سبقوه من نجوم كانت صورتهم الذهنية لدى الجمهور هي صورتهم في الأدوار، ولكنه بعقلية سينمائي قح، أدرك أنه بحاجة لخلق صورة ذهنية مختلفة لينتقل من أدوار الشرير والفتى العابث إلى أدوار البطل، ذلك هو التحول الأهم في مسيرة أنور وجدي، وعنق الزجاجة في مشروعه الأول لتحويل نفسه إلى نجم شباك.

لذلك لم يغامر وراهن “وكان على حق” على النموذج الأمريكي في صناعة النجم، ولكن رهانه هذا لم يتوقف عند الصورة الذهنية فحسب، بل على شكل الأدوار التي يقدمها أنور وجدي في أفلامه التي تحمل اسمه، فأهمية اختياره للأدوار والحفاظ على وتيرة النجاح كانت حاضرة لذلك ستجد بعض التفاصيل التي يصر على وجودها أنور وجدي في أدواره التي كان فيها بطلًا.

فحرصه على الظهور بمظهر الشهم ذو الجدعنة والطيبة، والذي يعطي عن طيب خاطر لكل من حوله، والعفيف غير الطامع أو الحاقد، كانت صورة مخالفة لأغلب أدواره قبل مرحلة النجومية، وفيها جزء أمريكي، فكرة البطل نفسها، ولكن بنكهة مصرية، وهذا هو سر من أسرار نجاح أنور وجدي، فكرة إعادة تهيئة نظرية البطولة الخارقة في حقبة ما قبل السوبر هيرو، لتناسب مجتمع مثل المجتمع المصري، كانت وقتها براقة واستثنائية، والأهم نسج البطولة من القيم التي يجلها المجتمع ويقدرها، وذلك يشير لفهم أنور وجدي لذائقة الجمهور، وهي موهبة كانت سببًا رئيسيًا في نجاحه، وفي قدرته على توجيه السينما بكاملها لاتجاه مختلف وجديد.

البطل على طريقة أنور وجدي

الفنان أنور وجدي
الفنان أنور وجدي

في نظرية أنور وجدي للبطل، تلك التي وضعها في أعماله، يحرص أنور وجدي على وجود عناصر أخرى بجوار منها القوة العضلية، فدائما ما يدخل أنور وجدي في أفلامه في صراع بدني مع الأشرار أو أعوانهم، ويهزمه على نظرية البطل الدرامي، أن يضعف ثم ينهض كالعنقاء من ضعفه لينتصر، فيكتسب حب الجمهور وتعاطفهم.

كذلك خفة الدم والمرح، أنور وجدي في كل أفلامه ستجده يميل لأن تكون هناك مشاهد هو مشارك فيها مرحة ومضحكة، مع بعض التعبيرات التي يستخدم فيها عينيه وهي نقطة شديدة الأهمية، كذلك حركة جسمه، كل هذا يفعله دون أن يطرح نفسه كممثل كوميدي ولكنه يطرح نفسه دائما كممثل شامل يصلح لكافة أشكال البطولة.

إقرأ أيضا
بطن الحوت

التضحية، من أهم ملامح أنور وجدي، فكرة أن البطل يسعى لأمر إنساني يضحي بالعديد من الأشياء من أجله، التضحية بالثروة من أجل الحب في فيلم ليلى بنت الفقراء، التضحية بتحميل نفسه عبء طفل في ياسمين، التضحية من أجل أمر إنساني يتلامس مع قلب الجمهور وعواطفه ومشاعره، جزء أخر من خلطة نجومية أنور وجدي كممثل.

ويغلف وجدي كل هذا بأداء سينمائي، أنور وجدي من الممثلين القلائل الذين فطنوا أن تكنيك التمثيل أمام الكاميرا مختلف كليًا عن خشبة المسرح، لذلك ورغم المبالغة في التعبيرات أحيانًا ولكن أنور وجدي يقتصر كل انفعالاته في وجهه، فلا يشيح بيديه أو يغالي في التمثيل، في الوقت الذي كانت تعاني فيه السينما المصرية من داء اسمه الأداء المسرحي، وهو داء طبيعي فممثلين المسرح هم من تحولوا للسينما، فتحولوا بخبراتهم وطريقتهم، وكان أمامهم وقت للتعديل وإعادة الاكتشاف، ولكن وجدي كان سباقًا لهذا.

تلك الخلطة بعناصرها الثلاثة وإطارها الفني هي الركيزة الأساسية التي صنعت لدى الجمهور فكرة ونموذج فتى الشاشة الأول وجعلت أنور وجدي نجمًا في خالدًا في تاريخ السينما المصرية، جعله أول بطل سينمائي وأول فتى شاشة أول، وأول مشروع سينمائي قائم بذاته ولكن مشروع أنور وجدي لما يقف عن حد الممثل، فما نقله عن السينما الأمريكية وأدخله في صلب السينما الأمريكية بدوره كمخرج ومؤلفًا أكبر بكثير مما قدمه كممثل.

الحلقة القادمة
أمركة السينما المصرية (5) أنور وجدي (2) السينما تمشي على قدمين

لقراءة الحلقات الماضية هــنــا

الكاتب






ما هو انطباعك؟
أحببته
0
أحزنني
0
أعجبني
0
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
0


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (0)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان