أمركة السينما المصرية (8) الأكشن.. طفل الفيلم نوار الشرعي
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
عام 1903 شهدت قاعات العرض السينمائي ظهور فيلم سرقة القطار الكبرى ” The Great Train Robbery” للمخرج أدوين بورتر، وبعيدًا كونه هو أول فيلم في التاريخ يكتب له سيناريو مقسم لمشاهد، ولكنه يتم اعتباره أول فيلم أكشن في التاريخ، كما أنه الفيلم الذي فتح الباب أمام أفلام الغرب الأمريكي أو الويسترن التي سرعان ما انتشرت لتخرج خارج أمريكا إلى دول أخرى مثل المكسيك وأستراليا، بل واجتذبت في الستينات عدد كبير من المخرجين الإيطاليين إليها فيما عرف لاحقا بأفلام الويسترن سباجيتي.
الأكشن بدأ من الغرب
وعلى عكس المعتاد لم تتأثر السينما المصرية بأفلام الأكشن سريعًا أو في بدايتها، فلا يمكن اعتبار فيلم مثل قبلة في الصحراء كونه فيلم أكشن، بل هو أقرب لفيلم رومانسي اجتماعي يدور في الصحراء، وهذا كان أحد القوالب التي تدور فيها سينما الويسترن الأمريكية، والتي كان لها نجومها وربما أقرب مثال لفيلم قبلة في الصحراء هو فيلم The Winning of Barbara Worth للمخرج هنري كينج وبطولة جاري كوبر أحد أشهر نجوم أفلام الويسترن الكلاسيكية في التاريخ، والذي عرض عام 1926 بينما عرض قبلة في الصحراء عام 1927.
ويمكن القول إن الظهور الأول لمشاهد الأكشن في مصر جاء بنهاية الثلاثينيات ولكنه أيضًا جاء متأثرًا بسينما الويسترن، صحيح أنه بعيد عن لعبة الثروة والسرقة والمطاردات وصحيح أيضًا أنه فيلم يحمل بعد سياسي واضح، ولكن لاشين الذي أخرجه فرايتز كرامب عام 1938، حمل بداخله تقنيات وأجواء هي أقرب تمصير لأفلام الغرب الأمريكية
حينما نعود بالزمن لعصر الفرسان والمبارزات، وتدور الأحداث في القصور والمدن والمنازل القديمة وفي الصحراء، فنحن نتحدث عن الغرب الأمريكي ولكن بثقافتنا، لجأ كرامب لمحاولة محاكاة أفلام الغرب ولكن بشكل مصرين فاستوحى منها الأجواء ولم يستوحى منها القصة ولكن المقصود هنا هو أن كرامب في فيلم لاشين قدم تكنيك ستسير عليه السينما المصرية عقودًا طويلة، صراع ما قبل النهاية، أو المعركة الختامية.
ولكن ماذا حدث بعدما فتح كرامب الباب لأفلام ومشاهد الأكشن في السينما المصرية؟ لا شيء أغلقت السينما المصرية هذا الباب في وجهه لمدة ما يقرب من 7 سنوات، حتى جاء نيازي مصطفى ومعه سيأتي ما يمكن تصنيفه أول فيلم أكشن مصري في التاريخ عنتر وعبلة بطولة سراج منير وكوكا.
ما فعله نيازي مصطفى
ولكن قبل الحديث عما فعله نيازي مصطفى -وهو كثير- يجب في البداية تعريف ما هي أفلام الأكشن أو الحركة، فيلم الأكشن هو فيلم تتواجد فيه أحداث ومشاهد تتضمن مبارزات أو صراعات جسدية أو بالأسلحة ومطاردات، داخل أي قالب أو سياق، فيمكن أن يكون لدينا أكشن رومانسي مثل فيلم الحارس الشخصي ” The Bodyguard” للمخرج ميك جاكسون وبطوله كيفين كوستنر وويتني هيوستن أو فيلم كوميدي أكشن مثل “أخطر رجل في العالم” إخراج لنيازي مصطفى، أو تاريخي مثل فيلم “الناصر صلاح الدين” ففي أي قالب طالما أحتلت مشاهد الصراع الجسدي والأسلحة والمطاردات أصبح الفيلم من أفلام الحركة.
ولكن أيضًا هناك عدد من السينمائيين يحاول تخصيص هذا التعريف أكثر فأكثر حيث يتم تصنيف أفلام الحركة بناء على حبكتها وبنائها الدرامي وضرورة وجود الحركة والأكشن فيه من عدمها وأهمية تلك المشاهد للسياق الدرامي وهو أمر يطول شرحه وتفسيره ويختلف بين فيلم لأخر، لذلك دأب الاتجاه العام للتعامل مع الأفلام وتصنيفها كونها أفلام حركة من عدمها بميل أكثر للتعريف الأعم.
نعود لما فعله نيازي مصطفى في عنتر وعبلة، في هذا الفيلم كالعادة هناك تأثر واضح بأفلام الغرب الأمريكي، من استلهام الأجواء في الصحراء والفرسان والخيول والمعارك، ولكن بطابعه العربي، ولكن الأهم هو أمر تقني استخدمه نيازي مصطفى، في بدايات سينما الحركة كان يلجئ المخرج إلى عرض مشاهد الحركة بسرعة أكبر من المشاهد العادية، لتبدو في عين المشاهد سريعة وحماسية وذات إيقاع سريع.
الهدف من هذه التقنية بسيط وواضح، في السينما الوليدة كان عالم الخدع مازال بكرًا لم تطوله التكنولوجيا كثيرًا، بالإضافة إلى أن تنفيذ مشاهد الحركة نفسها في المبارزات أو المعارك يحتاج حرص وحذر لتنفيذها كما يجب، فلو عرضت بسرعة تنفيذها لكانت بطيئة ومملة وظهرت بها العيوب جلية وواضحة، فكان اللجوء لفكرة زيادة سرعة عرض المشاهد مقارنة بمشاهد الفيلم الأخرى التي تعرض بالسرعة العادية.
هذا ما فعله نيازي مصطفى في فيلمه عنتر وعبلة، الفيلم الذي فتح الباب أمام الأكشن في السينما المصرية بمعناه لحقيقي، ولكن سريعًا ظهر على الساحة نوع جديد من السينما، وهو الفيلم نوار أو الفيلم الأسود وهو ما تحدثنا عنه في الحلقة السابقة، ليكون أمام صناع السينما في العالم وفي مصر فرصة ذهبية لدمج أكثر من نوع في فيلم واحد لتظهر أفلام الجريمة والحركة.
حينما سيطرت الجريمة
لعل أبرز تلك الأفلام جاءت على يد صلاح أبو سيف عام 1952 وهو فيلم ريا وسكينة، النسخة الأولى من قصة قاتلتي الإسكندرية الشهيرتين، هنا لجأ أبو سيف لدمج أفلام الجريمة مع أفلام الحركة، ربما هي محاولة الدمج الأوضح والأكثر نضجًا ولكن أيضًا الثابت تاريخيًا أن تلك المحاولات ولد على يد أنور وجدي في فيلم “قلبي دليلي” عام 1947، ولكن ربما لأن الفيلم غلب عليه طابع خفيف واستعراضي غنائي لم يتم الاهتمام بالجزء المتعلق بالجريمة والغموض في الفيلم، على الرغم من أجواء الفيلم السوداء والمعتمة خاصة في مشاهد العصابة.
ولكن بالعودة لصلاح أبو سيف سنرى تأثر شديد بالفيلم نوار الأمريكي في تلك الفترة والذي ظهر على يد مخرجين مثل بيلي وايلدر وألفريد هيتشكوك، وغيرهم بتفاصيل الإضاءة والأجواء المثيرة للرجفة وللرعب أحيًانًا أخرى، ومع نجاح الفيلم جاء بعد عامين عاطف سالم ليربط أفلام الحركة بأفلام الجريمة في أحد أيقونات السينما المصرية “جعلوني مجرمًا” عام 1954.
هذا الفيلم الذي ولد معه أول نجم أفلام حركة في تاريخ السينما المصرية، وحش الشاشة فريد شوقي، في هذا الفيلم يقدم فريد شوقي نفسه في صورة نجم الأكشن، ليعززها طوال أعوام أخرى بأفلام هامة وأغلبها يدور في إطار “الجريمة المقترنة بالأكشن أو أفلام الحركة، ولكن سرعان ما سيدخل على المضمار نوع جديد يجمع بين ثلاثية الجريمة والفيلم نوار والأكشن، وهي أفلام الجاسوسية، ولكن لهذا حديث آخر.
الحلقة القادمة أمركة السينما المصرية (9) قامت الثورة فظهرت أفلام الجاسوسية
لقراءة الحلقات السابقة هــنــا
الكاتب
-
عمرو شاهين
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال