“أندرو تيت” كاره النساء الذي يقدسه المتدينون
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال
اشتهر اسم أندرو تيت منذ العام الماضي، حين بدأت مقاطع البودكاست الخاص به تجد صدى واسع بين الشباب المسلم. آراء مثيرة للجدل تعمد الملاكم الأمريكي التركيز عليها قبل أشهر قليلة من إعلانه اعتناق الإسلام؛ وسعت قاعدته الشعبية بين المسلمين من ناحية باعتباره شخصية عامة تناصر دينهم، وبين منتقديه الذين يلقبونه بـ”كاره النساء” من الناحية الأخرى.
نظرة سريعة على قصة حياة أندرو تيت قد تكشف الكثير عن وصوله لتلك الحالة المثيرة للجدل والاشمئزاز على حد سواء. وفقًا لتصريحاته السابقة عانى تيت من طفولة قاسية مع أخيه ووالدته بعد طلاق والديه وهجرتهم لبريطانيا، ورغم تحقيقه ألقابًا عالمية في الكيك بوكسنج، الرياضة التي مثلت أولى مراحل شهرته؛ إلا أنه قرر تركها والخروج إلى متابعيه بثوب جديد.
بدأت شهرته بفضيحة وتزايدت بهجومه على ضحايا الاغتصاب والتحرش
في 2016 كانت بداية ظهور أندرو تيت بشخصيته المعروفة حاليًا، حين شارك في برنامج الواقع “Big Brother” بنسخته البريطانية، وطرد منه بعد أسبوع فقط عقب انتشار مقطع صادم له. حيث ظهر تيت في فيديو وهو يضرب امرأة بالحزام ويصفها بالعاهرة، طالبًا منها إحصاء كدماتها. فيما بعد ادعى تيت أن المقطع الذي أثار الرأي العام ضده كان بالتراضي، وأنه لا يزال صديقًا للفتاة التي ظهرت معه. وبالفعل لم توجه لتيت أي اتهامات، إضافةً لنشره فيديو لامرأة ادعت أنها صديقته السابقة وأن ما حدث خلال المقطع كان بموافقتها.
ظهر تيت في رومانيا بعد الفضيحة التي جعلت حياته داخل بريطانيا غير ودودة، اختيار غريب فسره عبر فيديوهاته بأنه اختار أكثر البلاد أمانًا بالنسبة له، معبرًا عن رغبته في مواصلة حياته في مجتمع لا يتعامل مع بلاغات التحرش بجدية.
مع مرور الوقت كانت نبرة تيت الكارهة للنساء تتعالى في فيديوهاته، التي يخاطب من خلالها الشباب بشكل خاص. واصفًا نفسه بالمدافع عن الذكورية، حرص المؤثر الشهير على التحقير من أدوار المرأة المجتمعية؛ حين روج لأفكار تقصر دورها على رعاية زوجها ومنزلها، وتعتبر الرجل ممتلكًا لها. كما أشار في عدة مناسبات إلى أن جرائم الاغتصاب والتحرش تتسبب فيها المرأة، وأن النساء يدعون الرجال لذلك.
بعد اتهامه بالإتجار بالبشر والاغتصاب مسلمون يدافعون عن تيت باعتباره ضحية مؤامرة
محتواه الذي غالبًا ما يكون تحفيزي للشباب في أعمار المراهقة، امتزج بأفكار أقل ما يقال عنها أنها تحرض على العنف ضد المرأة، وقد انتشر أكثر بعد مغازلة المسلمين بامتداح الدين الإسلامي. وإن كان المدح مقتصرًا على إعجابه بالقيم الذكورية التي لا يخشى المسلمون إعلانها، إلا أنه نجح في جذب عدد لا بأس به من المريدين العرب.
كان يبدو من تصرفات تيت للوهلة الأولى أن الرجل يبحث عن الشهرة بأي شكل، معتقدًا أن مداعبة فئة متدينة من المسلمين ستضمن له الانتشار بوجود غطاء مثالي يشجع أفكاره المنحرفة. في أكتوبر 2022 أعلن تيت إسلامه من دبي، ومن هنا أصبح أيقونة لدى بعض المسلمين الذين اعتبروه قادم لفضح مؤامرات الغرب ضد دينهم.
لعب تيت على مشاعر المسلمين بدعمه لنظريات المؤامرة التي يعشقها البعض، وزادت نبرة الحديث عن تلك المؤامرة التي تسعى لرده عن الإسلام، بعد نفيه من وسائل التواصل الاجتماعي (فيسبوك، يوتيوب، إنستجرام). ومع ذلك استمر في نشر محتواه لعدة أشهر، حتى أعلنت الشرطة الرومانية اعتقاله مع أخيه الأصغر تريستان للاشتباه في إتجاره بالبشر والاغتصاب.
مقابلة أندرو تيت مع البي بي سي.. نصف ساعة من التلاعب
تتحدث وسائل الإعلام عن إدارة تيت وشقيقه شبكة إتجار بالبشر، تستقطب الفتيات وتستغلهن في العمل الجنسي عبر منصات “تيك توك وأونلي فانز”، تحت التهديد. وثقت البي بي سي عدة شهادات لضحايا رفضن ذكر أسمائهن، وواجهت بها تيت في أول حوار يجريه بعدما أفرجت السلطات الرومانية عنه ووضعته قيد الإقامة الجبرية.
المقابلة التي أجرتها معه البي بي سي واستمرت حوالي نصف الساعة لم تأتي بأي جديد، بأسلوبه المتلاعب المعتاد وحركاته الانفعالية نفى تيت كل الاتهامات الموجهة إليه، بل وأنكر كلامه السابق الذي يتحدث عن سيطرته على النساء في حياته وإجبارهن على تنفيذ رغباته. نصف ساعة كاملة من التلاعب واللف والدوران، الذي لطالما أتقنه تيت واعتدنا عليه في فيديوهاته المقنعة للغاية.
لم تثبت التهمة على تيت حتى الآن وبالطبع لم تنتفي، لكن متابعوه من المسلمين لا زالوا يحاولون تصديره كضحية لمؤامرة تسعى لرده عن الإسلام. “يكرهونه لأنه مسلم” هكذا يؤمن مريديه من شبابنا، مع أنه ليس أول ولا آخر شخصية معروفة تعتنق الإسلام، لكنه أصبح ضحية لفكرة دسها ببراعة قبل أن تبدأ الاتهامات بملاحقته.
المدافعون عن أندرو تيت ينجذبون لأفكار مشوهة معتبرين أنفسهم في حرب للدفاع عن الإسلام. استخدام الدين لفرض أفكار مريضة موضة دائمًا ما تجد مريديها بسهولة بين المراهقين، وسط فقدان الشعور بالأهمية والقيمة يأتي تيت وأشباهه بقضية تشعرهم بوجودهم. ومن هنا تبدأ براعم متطرفة صغيرة في غزو مجتمعاتنا. باسم الدين والإسلام تشتعل الحرب على المرأة، في حين ينعم تيت وأصدقائه بالثراء السريع.
الكاتب
-
إسراء أبوبكر
صحفية استقصائية وباحثة في شؤون الشرق الأوسط، نشأت تحت مظلة "روزاليوسف" وعملت في مجلة "صباح الخير" لسنوات.
كاتب برونزي له اكثر من 100+ مقال