أهل الكوميديا (8) زينات صدقي .. ليس بالإفيه وحده يحيا الفنان
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد
غريب هو أمر الفن، والأغرب منه الفنان ذاته.. ذلك الموهوب الذي يُصاب بهوس الفن والإبداع فيقرر أن يخاطر بكل شئ من أجل ما يجيده ويحبه.
ربما لذلك نجد العديد من النماذج التي فرت من حياتها القديمة نحو الفن والغموض والحياة غير الآمنة..
نذكر مثلاً نجيب الريحاني وتركه لوظيفته المضمونة كمحاسب بالبنك الزراعي، ثم مطرودا من بيته.
وإسماعيل ياسين الذي هاجر من بلدته الصغيرة بورسعيد، والسفر إلى القاهرة، حيث المعاناة والضياع والنوم على الأرصفة وبداخل الجوامع..
تحية كاريوكا أيضًا بنت الاسماعيلية التي رحلت عن أهلها للبحث عن فرصة فنية حقيقية..
والأسماء لا يمكن حصرها في قائمة… عظماء تخلوا عن حياتهم وأهلهم ووظائفهم من أجل عيون الفن.
زينات صدقي واحدة من هؤلاء.. هي البنت الموهوبة ابنة الإسكندرية، والتي ولدت 1913م بحي الجمارك في حضن أسرة متحفظة، تري أن الفتاة خُلقت للزواج وتربية الأبناء، وخدمة الزوج.
لهذا قررت الأسرة تزويج ابنتهم وهي لم تتعدِ الخامسة عشر من طبيب وقريب لها.. ولكن هذه الزيجة لم تستمر لأكثر من 11 شهراً بعدها جاء الانفصال والإطلاق أيضاً نحو الفن..
البداية كانت مع المنولوج.. وهو الفن المتفرد الذي يستلزم عدة مواهب لا بد وأن تجتمع في المنولوجيست كـ خفة الظل، والطرب، والأداء الكوميدي الاستعراضي.
وهي المقومات التي تفردت بها الفنانة زينات صدقي عن غيرها من الفنانات.. فـ بدأت مسيرتها الفنية كمنولوجيست على مقاهي الإسكندرية، ثم انتقلت إلى القاهرة لتلتحق بكازينو بديعة.
ولبديعة عين جواهرجي الحقيقة، فـ هي مكتشفة النجوم والنجمات كـ فريد الأطرش، إسماعيل ياسين، سامية جمال، تحية كاريوكا.. والقائمة تطول..
وهي أيضاً من اقترحت على زينات أن تكون راقصة، تقدم عروضها بين سامية جمال وتحية كاريوكا..
وقد يبدو الأمر عجيب بالنسبة للقارئ الذي اعتاد على زينات صدقي في دور العانس الدميمة. غير أنها لم تكن دميمة بالمرة.. زينات من جميلات الفن.. عيون خضراء ملونة، وقوام ممشوق، وملامح بارزة حادة.
ولكن، يبدو أن الجانب الكوميدي من شخصيتها، والتي حاولت على مدار تاريخها الفني أن تبرزه من خلال الأزياء والاكسسوارات التي امتازت بها، وتعمد إخفاء ما يدل على جمالها كان له أثره عند المشاهد.
ولنعود لمسيرتها الفنية وتعاونها الأول مع نجيب الريحاني.. وقتها كانت مراهقة لا تزال، وكانت ضمن فريق الريحاني الذي يعمل خلف الكواليس..
وفي مرة، وصادف أن الفنانة ماري منيب مريضة فاعتذرت عن أداء دورها بالمسرحية، وهو ما أوقع الريحاني في ورطة حقيقية.. أين يجد البديل؟
وكانت زينات هي البديل الأنسب حين لمحها خلف الستار تتابع البروفات.. فسألها: “تعرفي تمثلي يا شاطرة؟”.
بالطبع هي خُلقت لذلك…
وكان العرض، وكان الميلاد الفعلي والحقيقي لزينب صدقي التي تبدل اسمها بناءً على اقتراح الريحاني ليصبح زينات صدقي..
ومن حينها، أصبحت زينات صدقي واحدة من أعضاء فرقة الريحاني الذي كلف صديقه وشريكه بديع خيري لكتابة الأدوار المناسبة لها.
وظلت زينات إحدى نجمات مسرحيات فرقة الريحاني حتى وفاته في عام 1949م.
بعدها توقفت لعدة سنوات عن الإنتاج الفني حتى التحقت بفرقة إسماعيل ياسين وأبو السعود الإبياري في عام 1954م..
هذا الثنائي الفني الخطير – سُمعة والإبياري- فجرا الطاقة الكوميدية الكامنة بداخل زينات صدقي..
فالأول – سُمعة- الكوميدان سريع البديهة، والذي يحرص دوماً على ترك مساحة إبداعية لمن يقف أمامه..
والثاني صاحب القلم المتميز الذي انتج أجمل وأخلد إفيهات السينما المصرية سواء مع زينات أو غيرها..
لهذا كان من الطبيعي جداً أن تتضح معالم شخصية زينات الفنية وتنضج لتصبح نجمة الأدوار الثانوية بلا منازع..
وهي النجمة التي ظلت أكثر من ربع قرن تقدم أدوارها للسينما برفقة أكبر النجوم، فـ هي تميمة الحظ لدى أنور وجدي، والكارت الرابح لكل منتج، ونجمة كل عمل تقوم به..
على مدار مسيرتها الفنية قدمت ما يتجاوز الـ 150 فيلما تقريبا.. وكلها علامات نذكرها كما نذكر إفيهاتها كـ ابن حميدو، الآنسة الحنفي، معبودة الجماهير.. وصولاً لأخر أعمالها بنت اسمها محمود.
ورغم هذا الثراء الفني، لم يكن للثراء المادي بنفس القدر مع الآسف.. وهو ما يدفعنا للعودة عن الفن، وربما تقلبات الأيام وغدر الزمان أو قلة أصل الوسط الفني.. لا أعرف على من نشير بإصبع الاتهام.. ما مرت به زينات صدقي في أيامها الأخيرة يذكرنا بمآسي أخري.. من مأساة إسماعيل ياسين، لـ على الكسار حتى يونس شلبي…
ربما ذلك ما دفع الفنان فريد شوقي لأن يبادر بالدعوة لإنشاء نقابة تحمي الفنان، وترعاه مادياً ومعنوياً في أوقات المحن.. فالفنان لا يحيا فقط بفنه إنما بالرعاية والاهتمام والتقدير المناسب لما قدمه من فن بالفعل.
الكاتب
-
عمرو عاشور
روائي وكاتب مقال مصري.. صدر له اربع روايات بالإضافة لمسلسل إذاعي.. عاشور نشر مقالاته بعدة جرائد ومواقع عربية منها الحياة اللندنية ورصيف٢٢.. كما حصل على عدة جوائز عربية ومنها جائزة ساويرس عن رواية كيس اسود ثقيل...
كاتب نجم جديد