همتك نعدل الكفة
1٬400   مشاهدة  

أين كانوا ولماذا اختفوا ؟ ملف عن مطربي الثمانينات والتسعينات: هشام نور وأفضل انطلاقة لمطرب شاب

هشام نور
  • ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال



تعيش الميديا حاليًا على إرث الثمانينات والتسعينات الموسيقي ، تلتقط ما يصلح لإعادة تدويره مرة أخرى، أو تلجأ إلي نسخه كما كان دون تنقيحه أو إعادة قراءته وتفكيكه نقديًا.

رغم محاسن النوستالجيا في منح الجيل الجديد فرصة للتعرف على نجوم كثيرة، إلا أنها نوستالجيا انتقائية إلي حد ما، تقتات على من لازالوا يعيشون في كنف الأضواء، وتتجاهل أبوابًا أخرى انطفأت من حولها أضواء الشهرة والنجومية، لهذا نحن بحاجة إلى كتابة تاريخ الموسيقى المصرية الحديثة بموضوعية شديدة تحديدًا منذ بدء ثورة الأغنية في السبعينات وحتى أوائل الألفية الجديدة، في محاولة لرصد وتفكيك تلك الفترة نقديًا ورد حق الريادة الغنائية لبعض أصحابها الحقيقيين بعد أن اختطفها آخرون وصعدوا على أكتافها.

على مدار عدة تقارير سنعيد فتح ملفات مطربي الثمانينات والتسعينات، وإلي أي مدى وصلت نجاحاتهم الفنية قبل أن نبحث في أسباب اختفاؤهم واحدًا تلو الأخر مع مطلع الألفية الجديدة.

من أين نبدأ؟

عندما فكرت عند من ستكون البداية، كان الخيار التقليدي هو البدء بتسلسل زمني من الأقدم للأحدث، لكني استبعدت الفكرة وقررت الدخول بشكل مباشرة إلي فترة التسعينات أكثر فترات الأغنية صخبًا وزحامًا على الإطلاق، بشرط ألا تكون البداية من مطربي موسيقى الجيل و عرابها حميد الشاعري، حيث عاد بعضهم للحياة الفنية مرة أخرى ورحل البعض بالإضافة إلي أنهم قتلوا بحثًا و اقتاتت الميديا عليهم أكثر من غيرهم، ويظل هناك تجارب غنائية مهمة صنعت مجدها دون الصعود على أكتاف موسيقى حميد الشاعري، الذي كان اسمه يختصر المسافة بين المطرب الجديد وبين الجمهور، لذا قررت أن تكون البداية غير متوقعة ومن تجربة مختلفة جدًا هي تجربة المطرب “هشام نور”.

البداية.

كانت ولازالت القاهرة مدينة الأضواء والنجومية، تتشكل المواهب خارجها وتأتي هي كي تحصد ثمار تلك المواهب أو تأكلها في وسط زحامها الصاخب.

بدأ هشام نور حياته الفنية من الإسكندرية وعلى يد مكتشف المواهب الأعظم فيها القبطان “نبيل البقلي” الذي ضمه وهو لازال مراهقًا إلي فرقة “الحب والسلام” إحدى الفرق التي احتفظت بموقعها داخل الإسكندرية وغزت القاهرة من هناك.

صاحب هشام أخيه الأكبر المطرب “ياسر شعبان” في الفرقة كعازف للبيركشن، ثم انضم بعدها إلى فرقة “صن رايز” أحد الفرق الغربية ولكن هذه المرة كعازف درامز.

هشام نور
في اقصى اليسار يظهر هشام نور أو هشام إبراهيم كما كان يعرف وقتها على غلاف ألبوم “الحب تحت العشرين” لفرقة الحب والسلام

ظل حلم الغناء يطارد هشام كثيرًا في وقت كانت الفرق الغنائية تلملم أوراقها، وعادت السيطرة للمطرب الفرد، وبرغم تعدد منافذ الإنتاج وقتها إلا أن التحمس للتجارب الجديدة لا يأتي إلا بتوصية أو تحمس من شخصية لها نفوذها داخل شركات الإنتاج.

سنحت أول فرصة لهشام عندما رشحه صديقه الموزع الموسيقي “أشرف محروس” للموسيقار الكبير “عمار الشريعي” الذي كان يبحث عن صوت جديد يقدمه في عمل تلفزيوني يضع له الموسيقى التصويرية والألحان، رغم الثناء الذي ناله من عمار الشريعي إلا أن عمار كان يبحث عن صوت شرقي تطريبي أكثر عكس صوت هشام الغربي القح، ووجد ضالته في المطرب “حسن فؤاد” الذي قدمه في تتر أرابيسك الشهير.

سيارة عبد الحليم حافظ تحل أزمة إنتاج أول ألبوم.

لم ييأس هشام نور وواصل مع محروس البحث عن فرصة أخرى، حتى رشحه إلي صديقه الملحن “زياد الطويل” الذي تحمس لصوت هشام وقرر أن يخوض معه مغامرة إنتاج أول ألبوم له.

برغم الكم الهائل من شركات الإنتاج في تلك الفترة، إلا أن هناك شركات بعينها كانت تملك نفوذًا قويًا في الإعلام وداخل لجان الاستماع الموحدة في الإذاعة والتليفزيون، فكانت تجيز أصوات تلك الشركات حتى لو كانت غير صالحة للغناء، على العكس من شركة زياد الناشئة والتي تعنتت ضده فلم تجيز صوت هشام نور على الرغم من الإشادة التي نالها من الموسيقار الكبير “عمار الشريعي” الذي يعتبر لجنة استماع مستقلة.

رفض صوت هشام من قبل اللجنة كان حلقة من حلقات تصفية الحسابات مع الملحن الكبير “كمال الطويل” والد زياد، على خلفية استقالته منها احتجاجًا على اعتمادها بعض الأصوات التي لم تخضع للاختبار، بل وواصلت تعنتها بتفصيل قانون جديد يمنع أي مطرب غير معتمد منها بأن يقوم بعمل إعلانات في الإذاعة والتليفزيون، وهذا كان يفتح بابًا كبيرًا لدخول أموال بشكل غير مشروع لاستثناء بعضها، ناهيك عن التكلفة العالية التي يتكبدها المنتج لاستخراج تصاريح إصدار الألبوم، كل تلك الأمور ستضاعف من تكلفة الألبوم فأدى ذلك إلي قيام زياد الطويل ببيع سيارة المطرب الراحل “عبد الحليم حافظ” التي كان يمتلكها حتي يساهم ثمنها في إنتاج الألبوم.

اقرأ أيضًا

لماذا يغني رامي جمال كلام مسئ .. غالبًا لا يفهمه.  

مش عارف ونقطة الإنطلاق.

لم يكن مقررًا من البداية أن يتولى زياد الطويل تلحين الألبوم بالكامل، لكن بالصدفة استمع هشام إلي بعض الأغنيات التي لحنها زياد ولم تظهر إلي النور، واستغرب من أنها قابعة في مكتبه لم يتحمس لغنائها أحد.

تم الاستقرار على ثمان أغنيات، إلا أن زياد الطويل شعر بأن هناك قطعة ناقصة في الألبوم وتحديدًا الأغنية الـ Hit، فقرر أن يصنع أغنية كي تكون عنوان للألبوم، تم الاتصال بالشاعر “مجدي النجار” صاحب النجاحات القوية وقتها كي يكتب أغنية تصلح هيت للألبوم، فكتب مش عارف واستعان الطويل بالمايسترو طارق عاكف كموزعًا موسيقيًا لها.

صدر الألبوم عام 1991 وسط منافسة شديدة مع مطربي موسيقى الجيل مثل “مراسيل” إيهاب توفيق، “حبيبي” عمرو دياب، “سحرك” فارس ، “كواحل” حميد الشاعري، في الأيام الأولى لصدور الألبوم لم يجد صدى واسعًا في ظل انصراف أغلب الجمهور صوب ألبومات نجوم موسيقى الجيل، لكن مع صدور الكليب الخاص بأغنية “مش عارف” ضربت الأغنية وانتشر الألبوم كالنار في الهشيم لدرجة أن الأغنية كانت أشهر من هشام نفسه.

الغريب في الأمر أن هشام نور لم يكن متحمسًا لأغنية “مش عارف” لكن زياد الطويل أقنعه أنها تلائم مزاجية مستمع تلك الفترة الذي يبحث عن الأغنيات السريعة الخفيفة، التي يتركز موضوعها في الغالب عن الحب والغزل بصياغة بسيطة، ورغم أنها ساهمت بشكل كبير في صنع نجومية هشام إلا أنه حتى الآن يراها أضعف أغنيات الألبوم فنيًا.

بنظرة فاحصة ناحية الألبوم سنجد أنه كان شكل مختلف جدًا عن ألبومات تلك الفترة التي كان أغلبها أثير إيقاع المقسوم والأغاني العاطفية المستهلكة، ونلمح تنوعًا في الأفكار الموسيقية وفي مضامين الأغاني.

“توعديني”

تقف توعديني كبناء شاهق جدًا وتعتبر درة الألبوم ، الشاعر عاطف شاهين يتناول العلاقات العاطفية بشكل جديد ومختلف يتحدث عن علاقة عاطفية غير متكافئة، “توعديني بالمطر ولا اطولشي غير حبة ندى، توعديني بالقمر وأنا وسط ضلمة في الفضا”، لحن زياد الطويل تماهى مع الكلمات بشكل أكثر من رائع.

كان مقررًا أن يقوم بتوزيعها في البداية الموسيقار ياسر عبد الرحمن لكنه كان خارج البلاد وقتها، ثم تحول الأمر إلي “مودي الإمام” الذي كان مشغولًا بوضع الموسيقى التصويرية لفيلم عادل إمام الجديد، فوقع الاختيار في النهاية على عازف الكيبورد في فرقة الفور إم “نبيل علي ماهر” والذي كانت بدايته مع التوزيع الموسيقي.

إقرأ أيضا
حالة خاصة

عاب  الأغنية فقط هو تنفيذها بالكامل بالكي بورد لكن تظل واحدة من الأغنيات المهمة جدًا في تاريخ هشام نور.

YouTube player

“مصدقة”

كانت الأغاني غالبًا ما تصب في قالب شعري واحد يتكون من مذهب وسينيو وعدة كوبليهات، لكن في مصدقة نحن أمام قالب شعري مختلف مستوحى من القصص القصيرة ولكن بتكثيف شديد جعلتها واحدة من أقصر الأغنيات في تاريخ الأغنية الحديثة.

YouTube player

“يادي الأيام”

ذكرتنا تلك الأغنية البديعة بأغاني السبعينات حيث اللجوء إلى مضامين إنسانية تحكي عن الأحلام المؤجلة المكبوتة بفعل فاعل، مع تنفيذ موسيقي غربي كعادة أشرف محروس في التحرر من القالب التقليدي للأغنية المعتمد على لزم تتكرر بحذافيرها دون تجديد.

YouTube player

“بتبهريني”

محاولة جيدة لتجديد الخطاب الغنائي الرومانسي من الشاعر المخضرم “محمد حمزة” بألفاظ ومفردات ابتعدت عن التعبير الحسي كما كان شائع في تلك الفترة “بترغميني أبقى قيس حتى في جنوني ، أنتي هلاكي ولا ملاكي ولا معاكي الأيام جاية يصالحوني”، تناول موسيقي مختلف من الموزع “راجا رايس”

YouTube player

“نساية”

أغنية إيقاعية سريعة تنتمي إلى نفس أغاني الحقبة مع ظهور خاص للموزع “طارق مدكور” أحد أقطاب الموجة الجديدة من الأغنية، مع تناول جيد دون تسطيح من الشاعر “محمد السيد”.

YouTube player

صنع ألبوم “مش عارف ” ثورة فنية، وكان أهم إنطلاقة لمطرب شاب في تلك الفترة وأثبت قدرة المشاريع الجديدة على النجاح دون الاستعانة بأسماء قوية رنانة، وأن المطرب لابد ان يكون له مشروع فني مستقل بعيدًا عن تقليد ونسخ ما يحدث في سوق الغناء الذي يحتاج إلى تجديد دمائه كل فترة. 

“في الجزء الثاني سنواصل الإبحار في مشروع هشام نور الغنائي ونبحث في أسباب اختفائه من الساحة الغنائية”

الكاتب

  • هشام نور محمد عطية

    ناقد موسيقي مختص بالموسيقي الشرقية. كتب في العديد من المواقع مثل كسرة والمولد والمنصة وإضاءات

    كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال






ما هو انطباعك؟
أحببته
8
أحزنني
0
أعجبني
8
أغضبني
0
هاهاها
0
واااو
3


Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
Slide
‫إظهار التعليقات (2)

أكتب تعليقك

Your email address will not be published.







حقوق الملكية والتشغيل © 2022   كافه الحقوق محفوظة
موقع إلكتروني متخصص .. يلقي حجرا في مياه راكدة

error: © غير مسموح , حقوق النشر محفوظة لـ الميزان