إلى من يجيدون البكاء : الفريسكا والجدعنة أكثر جدوى
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
لا وقت للبكاء ، عنوان قصيدة للعبقري أمل دنقل أراها تصلح للطبيب بائع الفريسكا .. يقول في نهايتها :
رأيت في صبيحة الأول من تشرين
جندك .. يا حطين
يبكون،
لا يدرون ..
أن كل واحد من الماشين
فيه .. صلاح الدين !
بوجه مبتسم وقف الطالب ابراهيم عبد الناصر راضي رجب حينما سأله رجل يحمل كاميرا : اسمك ايه ؟ .. أنزل صندوق الفريسكا من على كتفيه اقترب منه، وبتتابع الأسئلة قال الطالب أنه مجموعه في الثانوية كان 99.6 وأنه يستعد إلى بدء الدراسة بكلية طب بشري في الموسم الجامعي القادم .
بعد انتشار الفيديو القصير بساعات قليلة كانت ردود الأفعال الإيجابية قد انهالت بشكل مكثف على صاحب الفيديو ، الطالب الجدع الذي لم يحمل عُقد التصوير أمام الكاميرا ، الطالب الذي لم تتوقف إرادته عند ظروفه وقرر أن يدوس بقدميه وابتسامته على ظروف عاندته ، والحقيقة أن ابراهيم واحد فقط من نماذج كثيرة تعج بها حواري وقرى مصر لكن لم تواتيهم فرصة للتصوير أمام الكاميرا .. عند هذه النقطة يجب أن ينتهي الموضوع .. أليس كذلك ؟ – بالتأكيد لا
لدينا من الكربلائية في مصر ما يكفي لتصديره لدول العالم أجمع ، هناك مجموعة ممن نصبوا أنفسهم “ترمومتر” الحالة الاجتماعية قرروا أن يحشروا الطالب المجدع في قالب المظلوم الحزين الصابر رغمًا عن أنفه على حاله ، غير مدركين تمامًا التأثير التخريبي على الطالب وزملائه والحالة العامة .
ما إن صعدت سيرة الطالب المجتهد وتربعت عرش التريند، إلا إننا وجدنا تعليقات مدسوسة وغير مدسوسة مثل : “هكذا حال المجتهد في مصر” .. “لو أنه في بلد أخرى لكان وكان ” .. هم لديهم القدرة على لي عنق أي موضوع وتحويلة لقضية مظلومية واستخدامه في تصفيات الحسابات السياسية منها والاجتماعية أحيانًا ، أو الرغبة في البكاء لمجرد البكاء .. غير مدركين – أو مدركين- تمامًا أن مثل هذا الاتجاه في الكلام يمكنه تحويل الطالب المجتهد الذي رفع سيف الهمة والجدعنة في وجه الصعاب ، والذي نتمنى أن يصبح كل شاب مصري في نفس همته ومقدار عناده ، هذا الكلام قادر على تحويله إلى شاب كثير الشكوى ، شاب يضيع عمره في البكاء ، يستنزف مجهوده في الشكوى والبكاء .. يقول أديب نوبل نجيب محفظ : “لا تجعل شهوة الكلام بديلًا لشهوة العمل” ، وما يريده هؤلاء أن يفقد ابراهيم شهوة العمل ويستبدلها بشهوة البكاء ، فقط لكي يصنعون المجال الكئيب الذين لا يتعايشون إلا من خلاله.
على صعيد آخر من الكربلائية هناك تعليقات إن صح أن نطلق عليها “البكائيات الصامتة” وتتم عن طريق الفجاجة في توصيف حالة الشاب، “انظروا الشاب الذي يحمل الفريسكا هناك .. سيكون طبيب في السنة القادمة ” هذا ما يجرح الطالب أيضًا لأنه لم يطلب منّا أن نتعاطف مع حالته ، الصدفة فقط من قادتنا لرؤية هذا الجمال ولا يريد الشاب شئ غير أن نقول : الله .
يجب أن يتعلم الجميع كيف يفرق بين التعاطف والتشجيع ، المظلومية والظروف ، الكفاح والبهدلة ، الجدعنة والجلوس جنب الحيطة !
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال