إيهاب توفيق في مسلسل عايشة الدور: استعادة للماضي أم إعلان عن نهاية مسيرة؟

في الحلقة السادسة من مسلسل “عايشة الدور” أستغل صناع العمل حالة الحنين إلى الماضي “النوستالجيا” المسيطرة على أجواء الميديا حاليًا في مشهد موسيقى جمع بين بطلة المسلسل “دنيا سمير غانم” وبين المطرب إيهاب توفيق،المشهد جاء كجزء من حفل عيد ميلاد إحدى شخصيات المسلسل، حيث تم إحياء أجواء التسعينات بكامل تفاصيلها بداية من الملابس التي تعكس موضة تلك الحقبة إلى الديكور الذي حاول نقل المشاهد في اّلة زمنية، وظهر إيهاب توفيق مفاجأة حفل عيد الميلاد حيث قدم مجموعة من أشهر أغانيه في تلك الحقبة قبل أن يختم ظهوره بأداء مشترك مع بطلة العمل دنيا سمير غانم في أغنية جديدة حملت عنوان “هلي يا فرحة هلي”.

إعادة تدوير

أغنية “هلي يا فرحة هلي” حملت أجواء أغاني الـ Hits التسعينية بداية من الكلمات التي كتبها الشاعر أيمن بهجت قمر حيث استلهم روح الشاعر عادل عمر أحد رموز تلك الحقبة بالتركيز على الإيقاع اللفظي مع مفردات بسيطة وقوافي رنانة والسير على نفس نمط أغاني اللامعنى التي ميزت أغنيات تلك الفترة.

هلي يا فرحة هلي – لالي يا نجمة لالي – جاني حبيبي قالي – قاللي لما جاني

أما بالنسبة لـ اللحن الذي وضعه الملحن عمرو مصطفى فقد استخدم مقام الكرد أحد أكثر المقامات المستخدمة في أغاني الـ Hits حتى الأن وأحد أكثر المقامات التي تم ابتذالها في هذا القالب، حيث استخدم مصطفى جمل لحنية قصيرة سريعة، المفاجأة كانت في توزيع نابلسي الذي التزم قالب الأغنية التجارية الخفيفة وتقمص هو الأخر أسلوب عدة موزعين وليس حميد الشاعري مثلما أشار أيمن بهجت قمر على صفحته الشخصية، المقدمة مستوحاة من أغنية “حنتوب” للمطرب فارس من توزيع “طارق مدكور” أحد أهم وجوه التوزيع المصري الحديث، سيطرة شبه كاملة للإيقاع الذي سلم الغناء كما كان معتادًا في التسعينات مع استخدام نفس الحليات الإيقاعية والكوردات الخفيفة من الإلكتريك جيتار، أما جملة الفاصل الموسيقي فهي مستوحاة من بعض توزيعات الموزع حسام حسني بالأخص في تجربته مع المطرب “محمد محي”.

الأغنية بدت في مجملها محاولة فجة لاستحضار روح أغاني التسعينات بشكل كاريكاتيري أبرز سطحية وسذاجة أغاني تلك الحقبة التي  لو وضعناها في مقارنة مع الأغاني الحالية سوف نعتبرها حقبة ذهبية بامتياز.

إلى صناع مسلسل قهوة المحطة : تصحيح الخطأ لا يعفيكم من المسؤولية

فخ النوستالجيا

في ظل موجة النوستالجيا العارمة التي تجتاح المشهد الفني يبرز تساؤل جوهري: هل تحولت استعادة الماضي من كونها اختيارًا ابداعيًا إلى وصفة جاهزة للنجاح السريع؟ وتبدو حالة إيهاب توفيق في مسلسل عايشة الدور نموذجًا صارخًا لهذه المعضلة، حيث تحول من نجم حي إلى أثر فني يعاد استدعاؤه كنجم من زمن مضى.

إقرأ أيضا

الجاسوسية في عهد الرسول ولحظات من الدهشة

لم يزعجني ظهور إيهاب توفيق لكن ما ازعجني هو أنه ارتضى لنفسه الظهور كمطرب من الماضي مما يعزز من فكرة انتهاء صلاحيته الفنية رغم أنه لم يعتزل الغناء بشكل رسمي وحتى عندما أعاد غناء بعض الأغنيات اختار أغاني سبق وغناها في بداياته ونجحت في فترتها لكن لم يسمع بها أحد من جيل الألفية الذي لم يكن قد ولد بعد وقد لا يعرف اساسًا من هو إيهاب توفيق الذي لم يستغل العديد من الفرص الذهبية التي أتيحت له لإحياء مسيرته.

إيهاب توفيق الذي بدأ مسيرته الاحترافية متأخرًا عن عمرو دياب بثمان سنوات كاملة ويصغره في العمر، لكن هناك فارقًا ضخمًا في نجوميتهم نابعًا من استمرارية دياب وحفاظه على مكانته الفنية عبر عدة عوامل منها الذكاء الفني وتجديد أدواته بينما ظل توفيق اسير حقبة زمنية محددة.

النوستالجيا ليست جريمة فنية إذا وظفت بذكاء، لكن تحول الفنان إلى أرشيف حي يستدعى عند الحاجة يمثل إهدار لإمكاناته حيث يتم التعامل معه كشبح من الماضي في حين أن الأجيال الجديدة تستحق أن تعرف هؤلاء الفنانين عبر انتاج فني جديد يثبت قدرتهم على العطاء لكن يبدو أن صناع المحتوى الفني يستغلون الذاكرة العاطفية للجمهور كبديل عن إبداع جديد، وفي ظل رفض بعض الفنانين الخروج من متحف التسعينات الذي حبسوا أنفسهم فيه واختاروا بإرادتهم أن يصبحوا مجرد قطع اثرية في ذاكرة الجيل.