اتبع سهام عدوَّك .. كيف نحسم فتنة نصر أكتوبر؟
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال
في مقولة منسوبة للعديد من المشايخ والأئمة- أبرزهم الإمام الشافعي- والحقيقة أنه لا يوجد مصدر يؤكد أن المقولة لشخص بعينه فهي مقولة كما نقول عائمة على سطح بحر الفسلفات الشعبية وغالبًا ما يتوارثها الناس منسوبة للعديد من أصحاب الأسماء الكبيرة واللامعة لإكسابها نوعًا من الوقار والحكمة، لكنها في النهاية مقولة بها من الوجاهة ما يستحق الاستناد عليها في بناء وجهة نظر معينة، وذلك عندما قالوا له كيف نعرف نعرف أهل الحق في زمن الفتنة، فقال : اتبعوا سهام الأعداء فهي ترشدك إليهم . وبغض النظر عن إن مقولة كتلك تحصر الصراع بين لونين الأبيض والأسود، وأن الصراع في حقيقته ربما يكون رماديًا، فالخير والشر ليسوا وحدهم في معادلة الصراع، ربما يكون الصراع بين الخير والخير فتتوه الحقيقة إذا اتبعت سهام الأعداء .. لكن .. أمامنا حالة كان الصراع فيها واضحًا وناصعًا خالي من الفلسفة والسفطة، إما معنا أو علينا فلا توجد منطقة رمادية يمكن الارتكان عليها أو الاختباء فيها أو اللعب على جميع الحبال .. فكل من كان على الضفة الغربية لقناة السويس عقب أحداث نكسة 1967يمكنك اعتباره فردًا من أفراد الجيش المصري، وكل من كان على الضفة الأخرى للقناة يمكنك اعتباره من الأعداء ! .. ومجنون من كان يعتقد أنه يمكنه مَسك العصا من منتصفها، لأنه لا يوجد عصا من الأساس !
وزير الدفاع الإسرائيلي موشي ديان قبل وبعد نصر أكتوبر
وبعد نصر أكتوبر المجيد، العنوان العريض الذي يعتبر (كِش) مَلِك لكل عنوان فرعي صغير، حاول البعض –كطبيعة كل حرب- أن يخرج بعناوين صادمة من هولها سوف تتفاعل حتمًا معها، مثل “هزيمة مصر في حرب أكتوبر” .. أو “حرب اللا نصر واللا هزيمة” .. وهكذا دواليك من عناوين تختلف في نوايا صانعيها بين خبث العدو الذي هو على استعداد تام لصرف المليارات لترسيخ فكرة عدم الهزيمة عن طريق الانفتاح الإعلامي، أو بعض ممن يتبرعون بالعناوين الرنانة لجذب (الريتش) وصناعة حالة مختلفة لأنه لن يقول أكثر مما قال محمد حسنين هيكل مثلًا، فأصبح انفراده الشخصي بالمعلومة شبه منعدم فقرر أن يمشي خلف روايات فرعية لا تستحق حتى الالتفات إليها، واستنادًا إلى المقولة الأولى “اتبع سهام عدوَّك” .. فيمكننا أن نحسم تلك القضية ونغلق تلك الأبواب ونجتثَّ رأس الأفعى الصغيرة من شأفتها، الأفعى التي تحاول التسلل إلى البيت الآمن فتكدّر مزاج أهله .. فسوف نتبع ما قاله العدو بنفسه عن تلك الحرب التي هي أنبل لحظات هذا الوطن وأروعه، واللحظة التي رفعنا رؤوسنا فيها ولم تنجح كل أيام الظلام بعدها في أن نحنيها.
يقول الجنرال ديفيد إلعاذر ” لقد وقعنا في مصيدة خطة مصرية ذكية ونحن بمنتهى السذاجة وقعنا فريسة لخطة الخداع على يد المصريين” .. كان الأوان قد فات على أن تغير تلك الكلمات مصير الحرب، وبالأخص مع رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ديفيجد إلعاذر، وذلك لأن رئيسة الوزراء الإسرائيلي وقتها “جولدامائير” قد قابلته في اجتماع ثنائي عاجل قبل الحرب بيوم واحد، أي يوم الخامس من أكتوبر عام 1973، عندما شعرت ببعض القلق على الجبهة المصرية، وسألته سؤالًا واحدًا :
- جنرال ديفيد .. هل في قدرة المصريين أن يوقعوا هزيمة بإسرائيل فيما لو قاموا بالهجوم؟
وكان رد رئيس الأركان قاطعًا بثقة شديدة :
- إن خط بريلف حصين للغاية، ولن يتمكن المصريون من اجتيازه، وفي حالة إقدامهم على الهجوم فسوف نحول مياة القناة إلى اللون الأحمر بدمائهم
واقتنعت جولدامائير بما أكده لها ديفيد إلعاذر، وذهبت إلى منزلها لتغط في نوم عميق، ولم تكن تعلم أن الآلاف من الجنود المصريين يستعودن الآن لكتابة سطر النهاية لأسطورة الجيش الذي لا يهزم، وكسر الأنف الطويل المتغطرس، ووضع حَد لليالي السوداء، والأخذ بالثأر ووضع كل قوة في حجمها الحقيقي وتعديل مسار التاريخ.
وبينما كان شلومو أرنست واقفًا في خدمته في شمس الثانية ظهرًا لقيادة إحدى الحصون الإسرائيلية في أرض سيناء، سمع صوتًا لم يعتده بلا ترتيب، حيث سربًا من أربعة طائرات المصرية فوق رأسه على حين غرَّة، ويقول “أرنست” : أسرعت داخل الحصن للضغط على ذر إنذار يحذر باقي الحصون مما رأيت .. وبعد ثوانٍ معدودة كانت الحصون كلها كومة من التراب بينما أهرول في الصحراء غير مستوعب كيف فعل المصريون ما يتم التأكيد علينا يوميًا بأنهم ليس لديهم أدنى القدرات على فعله !!! .. حتى الآن لا أصدق ما رأيت!
وعلى الجبهة الإسرائيليلة بعد 24 ساعة من القتال، وصل على متن مركبة عسكرية أحد كبار جنرالات إسرائيل وقائد الفرقة 142، يدعى: أرئيل شارون، ليهرول ناحيته أحد صغار الضباط في حالة من الفوضى هو وباقي أفراد الكتائب الإسرائيلية، ذلك لأن الجميع بين قتيل وجريح ومختبئ بعدما انهار نفسيًا من هول المشهد ويقول له : سيدي، إفعل أي شئ .. لا نستطيع إيقاف المصريين .. لا نستطيع إيقافهم !! ، وكانت المفاجأة أن الجنرال الكبير أرائيل شارون نفسه قد أصيب وسقط جريحًا على يد أحد أفراد الجيش المصري، حتى إن الصحافة الإسرائيلية أطلقت عليه وقتها “صقر إسرائيل مكسور الجناح”.
وعن نظرة الغير عسكريين من المعسكر الآخر للحرب، يقول المفكر العسكري البريطاني أدجار اوبلانس : مما لا شك فيه أن القوات الإسرائيلية حَظَت بدعم غير محدود من الولايات المتحدة للقيام بمئات من طلعات الطيرات اليومية مستخدمة أحدث الوسائل الإكترونية ضد المصريين لصناعة ما يسمى بـ “الثغرة” لضرب نصر أكتوبر للمصريين ، وكسر كل قواعد الأمم المتحدة وتجاهل توصياتها بوقف إطلاق النار، فإننا لا نستطيع القول بأن الجيش الإسرائيلي قد أخضع أيًا من الجيوش المصرية تحت قبضته أو حقَّق أي انتصار ملحوظ في تلك المعركة.
وغير هذا وذاك، هناك سيل من الاعترافات الإسرائيلية عن طريق كتب مذكرات جنرالات الحرب أو الصحف الإسرائيلية أو خواطر من شاركوا في حرب نصر أكتوبر أو “حرب يوم الغفران” كما يطلقون عليها في إسرائيل، والكثير والكثير بما لا يدع مجالًا للشك بأن النصر في هذه الحرب كان حليف الجانب المصري دون انتقاص أو اختذال، نصر باللون الناصع الشفّاف لا باللون الباهت الرمادي .. وهذه هي النتيجة التي وصلنا إليها عندما اتبعنا سهام الأعداء.
الكاتب
-
محمد فهمي سلامة
كاتب صحفي مصري له الكثير من المقالات النوعية، وكتب لعدة صُحف ومواقع إلكترونية مصرية وعربية، ويتمنى لو طُبّقَ عليه قول عمنا فؤاد حدّاد : وان رجعت ف يوم تحاسبني / مهنة الشـاعر أشـدْ حساب / الأصيل فيهــا اسـتفاد الهَـمْ / وانتهى من الزُخْــرُف الكداب / لما شـاف الدم قـــال : الدم / ما افتكـرش التوت ولا العِنّاب !
كاتب ذهبي له اكثر من 500+ مقال