اعرف عدوك!
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة
عقب هزيمة ١٩٦٧م انتشر استخدام عبارة (اعرف عدوك) بين النخبة من الكتّاب والمثقفين المصريين، وكانت العبارة موجزة لأسباب الهزيمة ومقدمات النصر، فالفخ الذي اسْتُدْرِجَت إليه مصر والمنطقة العربية من ١٩٥٦م لم يستند على كفاءة العدو بقدر استناده على سوء تقديرنا الذي كانت نتيجته عدم الجاهزية والاستعداد الذي تتطلبه المواجهة، وبالتبعية كانت الهزيمة هي النتيجة الحتمية لسوء التقدير، وتبعها استغلال العدو لانتصاره الذي سببه تخاذلنا مع إحكام مؤامرته.
“وتحطمت الأسطورة عند الظهر”
لم ينشغل العدو بالاحتفال بانتصاراته فحسب بل حاول أن يجهز علينا بحرب معنوية شرسة استهدف بها سحق إرادتنا والإبقاء على حالة التشكيك في قدرتنا وتثبيت شعور الهزيمة والتأكيد على مشاعر النقص حتى يضمن استمرار نفوذه، وكان من بين أدوات تلك الحرب كتبًا مدسوسة ومزورة قد لا تحمل اسم كاتبها وربما حملت توقيعًا باسم كاتب لا وجود له، و من بينها كتابا بعنوان “وتحطمت الطائرات عند الفجر” يقصد تحطم عدد كبير من طائراتنا المصرية صباح الخامس من يونيه ١٩٦٧م، وحيث أن الناشر هو المنتصر وقتها، ضم الكتاب مئات الأكاذيب إلى جانب بعض الحقائق
فجاءت عبارة “اعرف عدوك” عنونا لحملة تبناها قادة الرأي من الكتاب والمثقفين ليرمموا بها بقايا الأمل ويضعوا العدو في حجمه الحقيقي ويزنوا أخطائنا التي أدت إلى الهزيمة دون تهوين.
فلما تحقق نصر أكتوبر ١٩٧٣م خرج الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين بكتابه “وتحطمت الأسطورة عند الظهر” فبراير ١٩٧٤م ليضع أكذوبتهم بمكانها ويعيد الأمور إلى نصابها، مستعينًا بمصادر غربية وشهادات من قادتهم.
لا عدو واضح ولا حليف يدوم
تغيرت الأمور، يمكن القول أنها تعقدت كثيرًا، فلم يعد العدو واضحًا وباتت الحرب بالوكالة بديلاً عن الجيوش النظامية، في العقد الأخير، فأصبحت مهمة توحيد الصفوف وصلابة جبهتنا الداخلية بالتبعية مهمة بالغة الخطورة والصعوبة أيضًا.
في وجداننا يقبع العدو الأول واضحًا وربما لدى البعض يمكن اعتباره الوحيد، ولا يمكن إنكاره، بل ربما يجب الحذر من التشويش حول جدية خطورته على أمننا القومي، ولا يتعارض ذلك مع احترام معاهدة السلام وكافة الاتفاقات الدولية التي تحكم علاقة مصر الدولة مع إسرائيل – الدولة المحتلة لفلسطين-؛ بينما احتفظ الشعب المصري ونخبه بموقف قومي مختلف، ولم يكن الموقف الشعبوي خارجًا عن إدارة الدولة أو إرادتها في يوم من الأيام- ولن يكون -، ولكن لما استجد عدو جديد مع سقوط الجماعات المتطرفة ومخططات الإخوان المسلمين وضلوع قادة الجماعة الإرهابية في مخططات تقصد السيطرة ليس على مصر فحسب بل على المنطقة العربية، انقسمنا، وفي ذلك يكمن الخطر.
وليكن ما أقوله واضحًا، فالجبهة التي تكونت ضد الجماعات المتطرفة بالداخل، انقسمت بنفسها حول معرفة الأعداء الخارجيين وترتيبهم، فالدولة اليوم لا يمكنها أن تشير برسائل مباشرة إلى أعدائها كما في السابق، فكم من حليف يستخدم عدوًا غير نظامي، وكم من عدو واضح خلق له ألف من الحلفاء تم استخدامهم من قبل آخرين.
ولأن العدو اليوم أصبح “كومبو” بلغة الوجبات السريعة، فقد أصبح تمييزه يحتاج إلى كثير من “الأبديت” مع الوضوح الحذر.
أمام هذا الوضع المعقد، باتت المسئولية الأكبر على أكتاف النخبة من الكتاب والمثقفين من الفنانين وقادة الرأي، في توحيد الجبهة الداخلية والإشارة إلى العدو بوضوح، وبعيدًا عن الموقف الرسمي للدولة، لكنني تابعت بالأمس انقسام النخبة المصرية عبر حساباتهم الشخصية بوسائل التواصل الاجتماعي، حول حادث مقتل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس بمقر إقامته في منطقة تقع شمالي طهران – وفق ما أعلنته وكالة أنباء “فارس” الإيرانية – فلم أعرف هل أقلق حول انقسام المصريين حول ماهية عدوهم وهو ما أعتبره أمنًا قوميًا لا يمكن المساس به، أم أتأمل انقسام النخبة المحسوبة على جبهتنا الداخلية والمتفقة في عدائها للجماعات المتطرفة!
وإذا ضيعت النخبة العدو والحليف، فمن يوحد جبهتنا ويقود المصريين لمعرفة عدوهم، فيهزموه!
الكاتب
-
رشا الشامي
إعلامية حرة، أسست شبكة مراسلي المحافظات في أون تي في إبان ثورة ٢٥ يناير وشاركت في تأسيس وكالة أونا الإخبارية.. عملت كرئيس تحرير ومدير لموقع دوت مصر ثم رئيس لمجلس إدارة موقع المولد والميزان.. صاحبة بودكاست يوميات واحدة ست المهموم بالحرية وإعادة تغيير مفاهيم خاطئة