“الأخ العزيز اللي بيسحبنا معيز “.. عن جريدة كانت تسخر من الحمير و رجال الدين والساسة في مصر
-
أحمد الأمير
صحافي مصري شاب مهتم بالتحقيقات الإنسانية و الاجتماعية و السياسية عمل في مواقع صحافية محلية و دولية عدّة
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
في أواخر القرن التاسع عشر لم يكن الأمر غريباً على المصريين أن تصدر جريدة محتواها الجرأة و الطابع الهزلي الذي يعبر عن الأسلوب المصري الساخر المعهود بل كانت تحمل اسم “حمارة منيتي “لتلقي الضوء على حياة الحمير والتبكيت على أساليبهم الروتينية الحمقاء بنبرة تتناول الكثير من مواقفهم هذا ما فعله صحافي مصري يُدعى محمد أفندي توفيق في أول إصدار للحمير في عام 1898.
الدعابة على نمط الحمقى
إنها الجريدة الساخرة التي أسماها الصحافي المصري أنذاك “حمارة مُنيَتي” عُنيت بأخبار هؤلاء الكائنات بطريقة الدعابة على نمط الأشخاص الحمقى والتنكيت عليهم حتى تمادت في تقديم محتواها مع الوقت فأصبحت تسخر بشدة و تتهكم على الشخصيات العامة ولا لم تخلو الجريدة التي تستعين بالحمير للتنكيت على الأشخاص أن تتناول الأحداث بأسلوب جريء ساخر بكل حرية وهاجمت كبار الشخصيات السياسية وعلى رأسهم الخديوي عباس الثاني ورجال الدين على رأسهم مفتي الديار المصرية آنذاك الشيخ محمد عبده.
يبدو أن النقد بالسخرية كانت عادة وحرفة صحفية تمتعت بها الصحافة في مصر في عهد الخديوي عباس بطفرة في إصدار الجرائد الساخرة إذ يقول الكاتب المصري عبد الرحمن بكر في مقدمة كتابه ” الصحافة الساخرة في مصر”:” على جدران المعابد وفي رسوم البرديات القديمة ظلت أحلام الحرية ترود الشعب المصري هذا الشعب الذي لا يقبل الظلم ومهما دفعه كهنة كل العصور إلى تقديس الحاكم والرموز هذا التقديس الذي كان يصل في عهد الفراعنة إلى حد العبادة فإن طاقة احتماله كانت تدفعه بالتدريج إلى النقد الخفي والسخرية المستنيرة.
هزلية فكاهية انتقادية أسبوعية
عن جريدة “حمارة مُنيتي” يضيف الكاتب عبد الرحمن بكر في الكتاب ذاته أكثر من 150 صحيفة صدرت في هذا التوقيت وفي نهاية القرن الثامن عشر خرجت للدنيا جريدة ′حمارة مُنيتي′ تقدم أسلوب سياسي فكاهي لمالكها محمد توفيق الذي كان ضابطاً في الصفحة الأولى لـ”حمارة مُنيتي” كتب صاحبها ضابط الجيش السابق سعرها وهو 30 قرشاً عن الاشتراك لمدة سنة واحدة أما سعر النسخة الواحدة فكان ثمنها قرش صاغ مصري ووصف النقد غير العلني الذي تبنته صفحات الجريدة بأنها “جريدة هزلية فكاهية انتقادية أسبوعية” وكتب توفيق في افتتاحيتها : “الحمد لله زين السماء الدنيا بمصابيح والقلوب بالسرور والتفريج وجميل الضحك عنواناً للانشراح وتمثالاً للمسرة والنجاح سبحانه من إله واحد يعز من يشاء ويذل من يشاء وهو على كل شيء قدير وبالإجابة قدير أما قبل فبينما كنت جالساً ذات يوم على يسار لحيتي واضعاً ظهري بين أنفي وخصيتي…”.
يبدو أن صحيفة الحمير كان يتولي محمد أفندي توفيق سياستها التحريرية بنفسه مستعيناً في مع بعض المساهمات من القراء وابتكر الرجل العديد من الشخصيات وقّع بأسمائها على مقالاته مثل السيد عذاب وميلص أفندي وعم كبريت وكان اصدارها يتم بجملة ′اتفرجي يا جارة على كلام الحمارة′ الذي كان يُكتب ملاصقاً لاسم الجريدة في كل عدد”.
على رأسهم نيوتن و لورانس العرب .. تعرف على أشهر الأشخاص اللاجنسيون
ورقها شناوي وحبرها قطاوي
في العدد24 وصف محمد توفيق مجلته قائلاً: “جريدة هزلية أسبوعية فكاهية تشتمل على ضحك ولعب ومفارقات كوب في كوب ورقها شناوي وحبرها قطاوي وجنسها حصاوي وكلامها من عند الحاوي ما يقرأها إلا الغندور ولا يحملها إلا البعرور صاحبها فنجري والأنس فيها علقايم والحظوظ علعايم والأزجال نبرها والتهاويس يا محلاها!”.
وعن حكاية محبوبته التي كانت سببًا في تسمية الجريدة ينكت ويبكت الرجل قائلًا: حمارتنا لا ترفع الستارة ولا تشبك في السنارة إلا في مين يدفع مهرها وهي في أول شهرها عن ثلاثين قرش، أو خميس قفص حرش. وأما متأخر الصداق فيكون عبارة عن أوراق طلاق أو إعلانات للتجار أو إنذارات بالبهار تنشر على نفقة أصحابها من شبابيكها لباباها والأجرة عرقسوس خمير وشبكتك حرير يام الخلول وعلى الله القبول”.
كيف نجحت مصر في تمثيل القارة الإفريقية في المحافل الدولية خلال عهد الرئيس السيسي
كان سبب تسمية الجريدة طريفًا للغاية وهي محبوبته التي كان توفيق يهيم بها وكان يمني نفسه بمقابلتها ورؤيتها دائمًا ويعترض طريقها وعندما تأتي بحمارتها تركبها وتهز عليها قدميها كان يغازل حمارتها بأبيات من الشعر ولذلك برز اسم جريدة “حمارة منيتي”التي سخرها للسخرية من الباشاوات ورجال السياسية والدين.
ع الأخ العزيز اللي بيسحبنا معيز ويفوتنا في مهاميز
لكن الدكتور شوقي ضيف يسرد في كتابه المطولبعنوان “الفكاهة في مصر” أن توفيق أفندي تعرض بالتهكم على الخديوي عباس حلمي الثاني وشخصيات أخرى فيقول: منذ إصدار عددها الأول نجد محمد توفيق يعرض بالتهكم لعباس الثاني والشخصيات السياسية الكبرى وعندما حاول الخديوي عباس التقرب للمحتل الإنجليزي عن طريق السفر إلى إنجلتراقام بتنكيته ولمزه ومن ذلك مقالة بعنوان ′رقوة بهايم وقلب هايم بس العزايم ملهاش وجود′ وتحت هذا العنوان كتب ′يا بركة عاشورا وفوق وش الفطورة بالجوز وبالطورا يا عم يابو قورة ع الأخ العزيز اللي بيسحبنا معيز ويفوتنا في مهاميز، ويروح بلاد الإنجليز واحنا واكلين بهاريز والواحد مش واخد من الدنيا دي حاجة، غير لطم الخواجة، أسيادنا النظار (الوزراء) قايدين فيها راكية نار دايما ليل ونهار، يا سند العواجز، يا مجوهر يا حمص، خايف بطني تمغص′”.
تطرقت “حمارة مُنيتي” إلى أبيات شعر تسخر من رجال الدين أيضًا من الكهل الذي لا يليق به أن يمثل الشريعة الإسلامية على حد تعبيرها وطالب الأفندي أن يترك العجوز منصبه ومذهبه ويصير خواجه وفي الفقرة التي كانت مليئة بالتنكيت على الشيخ محمد عبده وصف محمد توفيق الشيخ الإمام بأوصاف الكبر والاستعلاء وأنه يلوث سمعة عمامته وأن عصاه لا تصلح إلا للدق على أبواب المساجد كما يفعل السائحون الأجانب، الأمر الذي أثار استياء رجال الدين الذين هبوا لمساندة الشيخ محمد عبده حتى وصل الأمر للقضاء”.
الكاتب
-
أحمد الأمير
صحافي مصري شاب مهتم بالتحقيقات الإنسانية و الاجتماعية و السياسية عمل في مواقع صحافية محلية و دولية عدّة
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال