الأدلة البديهية.. على المركزية العروبية (01)
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال
بعد نشر مقالي الدحيح وفخ المركزية العروبية وصلتني رسايل وتعليقات أصحابها بينكروا فيها وجود “مركزية عروبية” من الأصل، وأني اخترعتها على إيدي لأسباب شخصية!
اختَرت من ردود الأفعال دي واحد صالح للنشر، لخلوه من سيرة أبويا وأمي ومن أي شتايم أو سب دين دفاعًا عن الدين، وكمان لإنه يُعتبر تعليق جامع شامل دال على تمثيل أصحاب التعليقات دي؛ من شخصنة الأمور وعدائية الرد وثقة شديدة في معرفة الحقيقة لدرجة نَحت مصطلحات مغلوطة غرضها إجداث تشويش بغرض التهميش.. وكل ده من غير التعليق ما يحتوي على معلومة واحدة، مع إدعاء وجود أسانيد علمية تؤكد كلامهم.. بس بدون إشارة لأي مصدر، لإنهم طبعا ماعندهمش، وفوق كل ده تجاوز كل المعلومات الموثقة اللي قصاد عينيه، لإنه “حرفيًا” مش شايفه فعلا.. مش مجرد بيتعامى عن وجوده.
فكما قال الأبنودي: ربنا رازقه بجهل.. غانيه عن كل العلم.
في المقال سالف الذِكر أرفقت تعريف المركزية الأوروبية، كما ورد في الموسوعة الدولية للجغرافيا البشرية، وهنا هقدم مزيد من الأدلة على المركزية العروبية عن طريق مقارنتها بزميلتها الأوربية.
مع عدم الأخذ في الأعتبار مصطلح “عربوفوبيا” (يقصد “عربفوبيا” هو بس لحظة استنساخه للمصطلح الأوروبي إسلاموفوبيا؛ شال إسلام وركب عرب من غير ما يبص) لإن ده مصطلح -الأصلي طبًعا- تحسه الأوروبيين صرفوه كترضية للعرب الغيرانيين من ولاد عمهم اللي عملوا اللوبي بتاعهم بدري وخدوا مصطلح معاداة السامية كفزاعة خاصة بيهم.
وهم اعتراف “كل” المؤرخين
إدعاء إن الاحتلال العربي كان مختلف عن غيره بيتكرر كتير، وطول الوقت بيبقى بالشكل الموضح في التعليق أعلاه؛ كلام مُرسل من غير أي دليل، بالكتير قوي سرد مجموعة من مجازِر ونهب الاستعمار الأوروبي، كإننا في مسابقة “من الأسوء”.. وكإن ماينفعش يكون فيه إنسان عاقل يشوف إن فِعل الاحتلال في حد ذاته سئ؛ بغض النظر عن جنسية المُحتل أو دينه.
أما عن الاختلاف في المُطلق، فبالقطع كل تجربة بتختلف عن غيرها في التفاصيل، فمثلًا جرت العادة في عصر الإمبراطوريات إن النواة الإمبراطورية وعاصمتها هي أرض الشعب المحارب صاحب الإمبراطورية، فعاصمة الدولة الرومانية مثلًا.. هي روما.
الرومان حاربوا وسلبوا ونهبوا واستعبدوا الشعوب التانية.. ونقلوا خيرات الشعوب دي لبلدهم الأم؛ اللي جعلوها عاصمة أمبراطوريتهم، فبقت روما تحكم العالم، نفس الموضوع عملوه الفُرّس، لكن العرب ماعملوش كده.. وكانوا فعلًا مختلفين.
العرب من بعد عثمان بن عفان نقلوا العاصمة خارج الحجاز، منطقة انطلاقهم، ومستحيل تلاقي أي مظهر من مظاهر “الحضارة” في المنطقة دي، العرب عكسوا الآية.. خرجوا همه شخصيًا استوطنوا البلاد اللي غزوها، ويجوز ده كان بسبب إن مناطقهم الأصلية مش مناسبة لحياة الترف.
الإنكار لا يفيد.. أحيانًا
كتير من التعليقات، بالنسبة لمقالاتي عمومًا مش بتاع الدحيح تحديدًا، بتتجاهل كل ما فيها من مصادر بيطلع عيني عشان أجمعها، وباتَعمَد أقدمها بأشكال متنوعة؛ من أول هايبر لينك للكِتاب أو الموقع، مرورًا بأخد صور من المواقع أو الكتب، وصولًا لتضمين فيديوهات لمشايخ بتقول الكلام (وعكسُه) بنفسها.
فلما يبقى واحد من كبار مشايخ السلفية بيحكي صوت وصورة على قناته الخاصة عن استباحة جيش الأمويين لمدينة النبي وقتل ونهب أنصاره (وسابُه نسوانهم).. يبقى مصير الشعوب التانية اللي تم احتلالها كان إيه؟، ولإن طبعًا ده كلام يستحيل إنكاره ويصعب الرد عليه، بيلجأ العقل المنغلق للإنكار.. وكإن رفض الواقع هيغيره.
فتعالوا نسمع تاني إزاي الأمويين إتعاملوا مع الأنصار؛ لمجرد إنهم طردوا بني أمية مش كل المهاجرين، بس بني أمية كانوا همه السلطة. فما بالنا بقى لما كان حد من الشعوب التانية بيحاول يستقل ولا يعترض على حاجة.
تزييف الوعي
تعالوا بقى نشوف النُقَط المشتركة بين المركزيتين العروبية الإسلامية والأوروبية الغربية، وأول نقطة وأهمها هي تركيز الطرفين على عملية تزييف الوعي الجمعي؛ كل فريق استخدم “مركزيته” كمُحتل مُتحكِم في عملية التأريخ والتعليم وإنتاج المعرفة وغيرها من آليات صناعة الوعي أو التأثير فيه، على أقل تقدير، وتوظيفها في تضليل البشر وخداعهم بغرض استغلالهم ونهبهم.
بشكل عام المركزيات بتتفق في استخدام مصطلحات غير معبرة عن الواقع؛ إنما معبرة عن وهم كل مركزية فيه حريصة على تلميع وشها، في عملية معقدة تمت ولسه بتتم عن طريق مجموعة خطوات كل من الطرفين “العربي الإسلامي والأوروبي الغربي” نفذوها… وبينفذوها.
بنحتلكم عشان -لا مؤاخذة- مصلحتكم
السردية الأوروبية قسمت البشر (لفُسطاطين) متحضرين وهمج، ونموذج التحضر هو “الرجل -لا مؤاخذة- الأبيض” وأي حد غير كده يبقى من “الهمج”، ومن واجب الرجل -لا مؤاخذة- الأبيض تجاه الإنسانية إنه يسير -لا مؤاخذة- جيوشه ويحتل البلاد دي عشان “يحَضَر” -لا مؤاخذة- شعوبها.
ودعموا الكلام الفارغ ده بنظريات وهمية وآيات من الكتاب المقدس، والأهم سلاح متطور يدعم فكرتهم، فالحق دايمًا مع الشخص اللي واقف ورا البندقية أو السيف أو.. مكبرات الصوت.
باختصار (الفسطاطين) أتفقوا على تبني رواية مفادها: إحنا كنا بنحتلكم عشان مصلحتكم.
أما السردية العربية-الإسلامية قسمت تاريخ البشرية “لشَبْتَارين”، شابتَر ما قبل الإسلام.. وده اسمه “الجاهلية” وشابتَر ما بعد ظهور الإسلام، وكإن البشر كانوا في جهل مُطبَق حتى وصل لهم العرب بالإسلام “ليخرجهم من الظلمات إلى النور”.
مش مهم بقى قبلهم كان فيه شعوب زرعت وحصدت وحسبت وتفوقت في علوم الفلك والرياضيات وبنت مكتبات وأهرامات، كل ده يتم التسفيه منه قصاد منجز العرب الأعظم.. الإسلام. (دين -وحسب روايتهم- مالهومش أي فضل في ظهوره حداهم).
المصطلحات الأوروبية
عند تعريفها لعملية غزوهم لبلاد شرق آسيا استخدموا مصطلح (Quest for Asia) بمعنى “السعي إلى آسيا”، وكإن “السعي” ده يستلزم محاربة الهنود وإجبارهم على زراعة الأفيون ثم محاربة الصينيين وإجبارهم على فتح أسواقهم لاستقبال الأفيون وإدمانه.
أما وصول السفن الحربية الأوروبية لأراضي شعوب الإنكا والمايا فتم الإشارة ليها باستخدام مصطلح (European exploration) بمعنى “الاستكشاف الأوروبي”، رغم إن عملية الاستكشاف مفهومها إن الإنسان بيستكشف مكان فاضي مافهوش ناس.. أو لو فيه ناس يبقى بيروح ياخد فكرة ويروح، لكن يوصل لمكان جديد -عليه هو- فيلاقي فيه ناس عايشة ليها قرون من الزمن.. يقوم قاتلهم وواخد أرضهم، هنا ده ماسمهوش استكشاف إنما اسمه غزو أو احتلال (European colonization of the Americas).
وفي نفس السياق أطلقوا على كريستوفر كولومبوس (Explorer and navigator) بمعنى المستكشف والملاح، مش الغازي أو المُحتل.
مش بس كده، ده كولومبوس لما وصل سواحل أراضي المايا والإنكا.. كان فاكر نفسه وصل السواحل الهندية، فأطلق -جهلًا منه- على الناس دي اسم Indios وكان الغلبان يقصد “هنود”، وبدل من تصحيح الخطأ تم تسييد الاسم وبقى هو الاسم الشائع للناس دي النهارده.. “الهنود الحمر”، مش بس كده.. ده لما بدء التفكير في تقديم شوية احترام للشعوب اللي تم إبادتها بوحشية لا توصف، أُطلِق عليهم اسم (indigenous peoples) واللي بنترجمه حدانا “السكان الأصليين”، من غير ما كتير مننا ياخدوا بالهم إن جِذر المصطلح راجع للمسمى الخاطئ بتاع كولوبوس، ولا إنهم أتحولوا من أصحاب أرض.. إلى مجرد سكان.
المصطلحات العربية:
السردية العربية ماعملتش حاجة مختلفة، خصوصًا وإن هي السباقة تاريخيًا في عملية النصب بالكلمات، فمبدئيًا استخدموا لتعريف عملية غزو أراضي الأخرين مصطلح “فتح إسلامي” أو “فتوحات إسلامية”، وكإن البلاد دي كانت مقفولة مثلًا والناس اللي جوه يا كبدي محبوسة ومش عارفة تخرج عشان المفتاح ضايع.
وفي نفس السياق يصبح تعريف “عقبة بن نافع” إنه (فاتح) مش (غازي أو مُحتَل)، وزي ما الولايات المتحدة بتحتفل بيوم وصول كولوبوس للأمريكاتين كعيد رسمي (Columbus Day)؛ نلاقي شوارع وميادين وتماثيل لعقبة بن نافع في دول شمال أفريقيا أو حتى تبقى قصة غزوه لأراضينا مُقررة على ولادنا في المدارس بوصفها قصة بطولة مش قصة غازي مُحتل.
واستمرارًا للتطابق في التفصيلة دي، هنلاقي إن “العرب” ولجهلهم بالتركيبة السكانية في أفريقيا أطلقوا اسم واحد على جميع سكانها؛ من النوبة شرقًا وحتى مالي غربًا ومن الليبو شمالًا وحتى أقصى جنوب قارتنا؛ سودان.. نسبة للون البشرة، وده يتجلى بوضوح في شوية تفاصيل كاشفة أهمهم وأوضحهم أتنين ما يلي.
جغرافيًا هنلاقي الخرايط القديمة لأفريقيا مكتوب عليها تعريفات من نوع “السودان الشرقي” و”السودان الغربي” ومع بداية الاحتلال الأوروبي “السودان الإنجليزي” و”السودان الفرنسي” إلخ.
وتراثيًا في رسايل الجاحظ هنلاقي الرسالة الرابعة بعنوان فضل السودان على البيضان، والراجل هنا ماكنش قاصد حاجة أبيحة، إنما مجرد تعريف لوني لأصحاب البشرة البيضة بنفس أسلوب العرب في تعريفهم لشعوب كاملة بلون بشرتهم. حتى بالأمارة مصطلح “البيضان” مستخدم للنهارده في موريتانيا الأفريقية الشقيقة في الإشارة لأصحاب البشرة الفاتحة، فلما يحب إنسان موريتاني يذكر أصحاب البشرة الفاتحة أو مستخدمي اللغة الحسانية “العربية” هناك بيوصفهم بـ مجتمع البيضان.
شيطنة المقاومة
كمان، ومن باب تزييف الوعي، أتفق الفُسطاين (العربي والأوروبي) على شيطنة المقاومة الشعبية ليهم.
فزي ما الأوروبيين وصموا الشعوب الأخرى بالهمجية والوحشية؛ رغم إنها كانت ناس قاعدة في حالها وجيوش الأوروبيين راحت هجمت عليها، كمان العرب وصموا الشعوب التانية بالبربرية والكفر ومعاداة الإسلام، رغم إن كتير منهم كانوا قاعدين في حالهم وجيوش العرب راحت هجمت عليهم.
ولإن الفُسطاين غزاة واقعيًا وأفاقين معرفيًا وقعوا في مغالطات منطقية، فوَصف الأوروبيين قادتهم المحليين للمقاومة الشعبية ضد الغزاة (أوروبيين كانوا أو من خارج أوروبا) بالأبطال؛ في حين وصموا قادة مقاومة الشعوب التانية ضد غزوهم.. بالهمجية والوحشية.
كمان العرب سبقوهم لنهج الكيل بمكيالين وتعريف المواقف بناء عن وقعها عليهم مش بشكل محايد، بالتالي نلاقي إن مناهضي الاحتلال الأوروبي زي عمر المختار.. يبقى بطل ويخلد اسمه، أما القائدة الأمازيغية ديهيا فيتم تجهيل اسمها وتوصم بالخيانة والكفر وعداوة الله.. إلخ.
كان نفسي أقفل المقال معاكم عند الحد ده؛ بس لسه في تفاصيل تانية محتاجة نشاور عليها.. إنها بتأكد على التطابق بين المركزية العربية وأختها الأوروبية.
الكاتب
-
رامي يحيى
شاعر عامية وقاص مصري مهتم بالشأن النوبي ونقد الخطاب الديني
كاتب فضي له اكثر من 250+ مقال