الأنانية أفضل من احتساء كوب “شاي بلبن”
هذا المقال مهتم بالبنت الأنانية التي لا تقيم وزنا للعالم الذي يحترق خلف ظهرها، وهي تنظر في سعادة إلى الكاميرا الأمامية لتلتقط سيلفي مع النيران، وبالولد الذي قرر أن يغلق هاتفه في وجه كل من يحتاج إليه، لأنه يتناول البيتزا، في مكان سري مع أحدث حبيبة، ولا يود أن يفسد عليه أحدهم اللحظة.
اقرأ أيضًا
الانتظار .. الجزء الأصعب من الحكاية
كاتب هذه السطور معجب بالأنانيين- ربما – لأنهم استطاعوا أن يظلوا طيلة حياتهم أطفالا، يسعون في المقام الأول إلى إشباع رغباتهم، وإسعاد أنفسهم، وتطويع اللحظات لصالحهم، والاستفادة من كل الذين حولهم.
يرى أن الأنانيين أشخاص متواضعون، لا يميلون إلى استعراض قوتهم، والتفاخر بصلابتهم، إنهم يدركون أنهم مجرد مخلوقات بسيطة، في حاجة دائما إلى من يساعدهم، لا يخجلون من ضعفهم، وإطلاق صرخات الاستغاثة، ولا يملون من مد يدهم إلى الآخرين كلما أرادوا شئ.
يرفض الأنانيون الجلوس على مقاعد الآلهة، ليتفكروا في أحوال العباد، لا ينشغلون بالجوعى والفقراء وضحايا الحروب، يؤمنون بأن الله قادر على انتشال مثل هؤلاء من أوضاعهم دون الحاجة إلى مساهماتهم البسيطة.
الأنانيون هم أكثر الناس معرفة بأهدافهم، يعملون من أجل تحقيقها في وقت قصير، ومجهود قليل.. متحضرون، يدركون أهمية النظام وترتيب الأوليات، واختيار قائمة الأسماء التي يعتمدون عليهم، والتخلص من أصحابها مباشرة عقب انتهاء المهمة، حتى لا يتحملون عبء علاقات لم تعد مفيدة.
لا ينظر الأناني إلى الخلف، إن عينيه مصوبة دائما نحو الأمام، يتعامل مع الحياة بمنطق صياد للفرص التي يراها تشبه مجموعة من الغزلان، تجيد المراوغة والهرب إذا شعرت بمن يقترب منها، إنه جاهز دائما لكي يوقعها في شباكه قبل أن تذهب إلى غيره، ويتحسر على ضياعها.
الأناني هو شخص اجتماعي، ودود، يعرف كيف يصل إلى قلب من يحدثه، ويقنعه بأقل عدد من الكلمات، قادر على أن ينال ثقة من يريد بلسان يقطر الشهد، ولغة جسد موظفة بمهارة.
يمتلك شبكة هائلة من العلاقات، سجل هاتفه مزدحم بخلطة غريبة من الأسماء، كلما ذهب إلى مكان استطاع الحصول على أصدقاء جدد، حتى يتمكن من تسهيل مهمته كلما أراد القيام بعمل شئ في المرة القادمة.
الأناني دبلوماسي في الحوار، والتكيف مع الأوضاع الجديدة، مرن في تبديل قناعاته، وتغيير آرائه، وفقا للظروف الجديدة، ولذلك فهو أبعد ما يكون عن التشدد، لن تضبطه يدافع عن قضايا خاسرة، أو يقف خلف أشخاص فقدوا بريقهم.
إنه من أكثر الناس انتماء.. ولكن لنفسه، مشاعره مرتبطة بذلك الشخص الذي يراه في مرآته، إنه ببساطة يحب ذاته، مخلص لها، ولا يتخلى عنها، ولن يسمح لك أن تتلاعب بمشاعره، قلبه في يده، لا يتنازل عنه، ولا يهديه، يدرك أن من يمتلك قلبه، لن يشفق عليه، وسيحوله إلى عبد، ولذلك فقد قرر ألا يفرط في قلبه، ويعبد نفسه.
لا يقعد الأناني على حافة الطريق ويشتكي مثل مظلوم، وقته أثمن من أن يقضيه في النواح على اللبن المسكوب، والثرثرة الفارغة، وإنفاقه على مجالس النميمة في خصومات تستهلك طاقته، وإذا أدرك أنه لن يستفيد من الثأر فهو أول من يتنازل عنه.
أينما كان النجاح في العمل والحياة، يوجد الأنانيون، إنهم لا يتوقفون عن الصعود نحو القمة، والحصول على المال، والنفوذ، والاستمتاع بكل لحظة من حياتهم.
الأناني زميلك الذي رأيته يتألق أمامك على شاشات التلفزيون، بينما أنت تحتسي كوبا من “الشاي بلبن” وتتحدث عنه إلى من بجوارك بحقد واضح، ولا تتوقف عن إحصاء صفاته السيئة، وتلعن الحظ الذي منحه كل شئ، وجعلك لا تساوي شيئا.